هدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على نمط من الاستبداد السياسي تواضعت على تسميته بالاستبداد الحداثي، والمقصود بذلك تلك الحالة الاستبدادية التي تؤسس شرعيتها على المدونة الحداثية السياسية، وتستعمل أدوات وأذرع سيطرة حديثة، علما وأن هذه الظاهرة الاستبدادية لم تنل ما يكفي من التحليل والتشخيص، وذلك بسبب شيوع قناعة بين القطاع الأوسع من المثقفين والحركيين السياسين العرب، مفادها أن ظاهرة الاستبداد السياسي التي تطبق على العرب أنفاسهم وتحبس حرياتهم انما تعود إلى ثقل التأثيرات التاريخية وسيطرة الثقافة السياسية التقليدية المنحدرة من المواريث الشرقية أو ما يعبر عنه عادة بالاستبداد الشرقي، ومن ثم يكفي الانتقال من العالم التقليدي بهياكله ومؤسساته ووجوه شرعنته السياسية والفكرية حتى يتم ولوج بوابة الحداثة السياسية وإحلال الديمقراطية. ما تريد قوله هذه الورقة ليس تأكيد العلاقة التلازمية بين التحديث والاستبداد، بل ما تريد قوله أقرب إلى النفي منه إلى الإثبات، نفي العلاقة الترابطية بين التحديث والديمقراطية من جهة أولى، ثم لفت الانتباه إلى كون الانتقال من العالم “التقليدي” إلى العالم الحديث لا يتساوق ضرورة مع التحررية السياسية والتخلص من المكبلات الاستبدادية، كما أن هذه الورقة لا تروم المرافعة المجانية عن التجربة التاريخية أو “الصور التاريخية” بحلوها ومرها بقدر ما تهدف إلى التخلص من النماذج الجاهزة والنظر إلى الواقع الحي في مختلف شخوصه ومنحنياته المركبة.
Continue Reading