أيها القرّاء الاعزّاء
تقدم لنا مؤسسة ابن رشد هذه المرة عددا خاصاً يدور في معظمه حول أدب السجون وهو الموضوع الذي خصصته مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لجائزتها لعام 2015.
نبدأ بمقالٍ للكاتبة والناقدة الادبية المصرية الراحلة رضوى عاشور عن أدب السجون كتبتها سنة 2008 تعرض فيه بعض أعمال ممن عانوا السجون السياسية المشهورة مثل الواحات وتزمامرت والخيّام وأبدعوا في وصف ما لاقوه من عذاب من امثال إبراهيم طوقان وعائشة عودة من فلسطين وصنع الله إبراهيم وحبشي في مصر ورشيد بن عيسى واحمد المرزوقي من المغرب وسهى بشارة من لبنان.
في خاتمتها لكتاب “أحلام بالحرية” (بعنوان “تجربة الكتابة”) نعيش صعوبة تدوين تجربة الكاتبة الفلسطينية عائشة عودة صاحبة جائزة ابن رشد للفكر الحر لأدب السجون 2015 في السجون الاسرائيلية والصراع الصعب مع ذكريات ومعاناة تجربة السجن والسجّان الإسرائيلي كانت خلالها تبحث عن لغة تعبّر من خلالها عما تحس به في داخلها وفجأة وبعد سنوات تردد طويلة تقول” شعرت أنني اخرقت الجدار وامتلكت لغتي الخاصة “.
أما أحمد المرزوقي الحائز على جائزة ابن رشد التقديرية 2015 والضابط المغربي السابق فقد وجد نفسه في العاشر من يوليو/تموز 1971 مع كافة منتسبي مدرسة أهرمومو متورطاً في محاولة انقلابية كان يقودها قائد المدرسة آنذاك الكولونيل أمحمد أعبابو ضد ملك المغرب الحسن الثاني، وقد عرفت هذه المحاولة تاريخياً باسم محاولة انقلاب الصخيرات. وبعد فشلها ومقتل عدد كبير من المشاركين فيها حكمت عليه بالسجن محكمة عسكرية لخمسة سنوات لكنه قضى في السجن عشرين عاماً، منها 18 عاماً في معتقل تزممارت الرهيب حيث مات كثيرون من رفقائه الأسرى جراء البرد والمرض وسوء التغذية والرعاية الصحية. تجربته هذه في كتابه تزممارت قدمها للأجيال شهادة صريحة ومؤثرة ننقل منها مقطع ” موت محمد لغالو البطيء”، الذي يصف فيه مصير أحد زملائه المفزع حين أصابه مرض أثناء اعتقاله.
لمصطفى خليفة الحائز على جائزة ابن رشد التقديرية 2015 حكاية أخرى مع السجون في سورية التي سجن فيها مرتين، امتدت في المرة الثانية 15 عاماً؛ تنقل خلالها بين العديد من السجون التي استمد منها روايته القوقعة ومن أبرزها سجن تدمر وسجن صيدنايا، التي نشير هنا إلى بعض المقتطفات المترجمة منها. وتسرد هذه الرواية يوميّات سجين يغدو داخل السجن عيناً ترى وأذناً تسمع ليشرح تفاصيل الأحداث الدقيقة والمؤلمة لتصبح شاهدة على مدى العنف والظلم في سجون الطغاة. نشير إلى مقطع من الرواية نشر على موقع “قصص أخرى”، ترجمة إليزابيت جاكيت.
الكاتب المصري د. حسن كامل إبراهيم يكتب في تحليل لفلسفة المقاومة اللاّعنفية للسياسي والكاتب الأمريكي هنري ثورو الذي عاش في القرن التاسع عشر. كان هنري محباً للطبيعة ويتبع الفلسفة المثالية المتعالية ذات النظرة الصوفية. وقد تأثّر بفكرها المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج وكانت فكرتها المحورية “إن أفضل الحكومات هي التي تحكم أقصر مدّة” (هنري ثورو).
الأستاذ د. كاظم حبيب يقدم لنا دراسة تحليلية اخرى لكتاب د. محمد محمود “نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية” بعد ان تناولها في العدد السابق د. حامد فضل الله. وتدور الصعوبات الرئيسية كما يؤكد الكاتب محمد محمود حول ضرورة رفع القدسية عن كل شيء حين يراد التعمق حتى القاع في البحث العلمي بهدف الوصول إلى الحقائق الصلدة وليس برؤية مسبقة. إن الاستنتاج الأساسي الذي سجله الدكتور محمد محمود والذي أثار ويثير غضب المهووسين بمناهضة البحث العلمي والعلمانية والمتشبثين بقدسية الدين والفكر الديني هو الافتراض الذي طرحه في مقدمة الكتاب وناقشه (من منطلق منطقي) على امتداد الفصول الـ 13 والقائل: ” وننطلق في كتابنا هذا في النظر لنبوة محمد وللنبوة عامة من افتراض أولي مؤداه أن النبوة ظاهرة إنسانية صرفة، وأن الإله الذي تتحدث عنه النبوة لم يحُدِث النبوة ويصنعها وإنما النبوة هي التي أحْدَثَت إلهها وصنعته.”
ننهي العدد بعرض كتاب صدر هذا العام 2015 عن دار بيك الألمانية للنشر: “زراعة الريح: الآثار المترتبة علي السياسة الغربية في الشرق” للدكتور والكاتب السياسي ميخائيل لودرز حظي بالاهتمام والتعليق من قبل السياسيين والمختصين والمستشرقين الألمان. والكتاب عن فشل السياسة الغربية في الشرق الأوسط يتميز بجرأة وشجاعة في نقد توجهات السياسة الغربية نحو الشرق الأوسط ويتناول بالتحليل آثار السياسات الغربية وما سببته من اضطرابات وحروب في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا وبقية المنطقة العربية، كما انتقد السياسة الإسرائيلية وحروبها علي غزة.
نتمنى لكم قراءة ممتعة!
عبير بشناق
30 ديسمير 2015