ترجمة : فادية فضة
السيد رئيس بلدية مدينة كارلسروهه، عائلة فرانك الأعزاء،
السيدات والسادة،
بداية أرغب في توجيه الشكر على تشريفي بالتحدث في هذه الذكرى . كنت قد ترددت بالبداية عندما وصلني عرض مكتب الثقافة . أن أشارك في تكريم أحد المقاومين الألمان… بدت لي ذلك مهمة كبيرة بعض الشيء، على الرغم من أن الصحفيين ، معروفون بأن لديهم ما يقولونه في كل المواضيع.
أفضل أن أبقى في ميداني المألوف،الذي يشعرني بأني في بيتي، أي في الشرق الأوسط. وأعتقد أنه جائز هنا ومناسب لأن راينولد فرانك قد ناضل بل وضحى بحياته من أجل نفس الشيء ،الذي ضحت به شعوب العالم العربي منذ بضع سنوات أيضا من أجل نظام سياسي يسمح للمواطنين بالمشاركة بالقرار ويحترم حقوق الفرد وكرامة الإنسان ويقدم له حياة أفضل وفرص للتحسن في المستقبل. فالأنظمة الاستبدادية السابقة المعروفة منذ زمن والتي كانت شائعة حتى عام 2011 في العالم العربي والتي تبدو أنها عائدة الآن لم تجعل كل هذا ممكنا في السابق، لأنها لم تكن راغبة في جعل ذلك ممكناً. ،سواءً كان اسم الأسرة الحاكمة مبارك، بن علي أو الأسد، فقد كانت تعتبر بلادها كملكية خاصة لها، تمتصها وتصبح غنية غنى فاحشاً فوق التصور. من المعروف مثلا أنه لا يمكن إكمال أي صفقة من دون الأسد،في سوريا. ويقال أن الحاكم التونسي زين العابدين بن علي أثناء فراره إلى المملكة العربية السعودية قد أخذ معه حقائب كبيرة مليئة بالمجوهرات، والألماس، والمال والذهب. أما جمال مبارك، النجل الأكبر للرئيس السابق في مصر، والذي كان يعده والده لخلافته، فقد كان قد مد البلد بشبكة من رجال الأعمال المخلصين له والذين جعلوه ثرياً وأثروا هم معه أيضا. وفي الوقت نفسه، عاش الجزء الأكبر من رعيتهم على مستوى معيشي قريب من الفقر أو حتى دون ذلك المستوى.
تظاهرت جماهير الناس في عام 2011 على ميادين التحرير في الدول العربية ضد هذا الإثراء الفاحش، والذي لا يمكن أن يصل إلى هذا الحد إلا في الأنظمة الاستبدادية. تظاهروا لأسابيع وفي البداية كان تظاهرهم سلميا ومن غير عنف. وكان عليهم الدفاع عن أنفسهم من اعتداءات الشرطة أو البلطجية المأجورين.
تمكن الشباب والشابات المتظاهرون في تونس ومصر من الإطاحة باثنين من الحكام المستبدين، وبالتالي من كتابة فصل جديد في تاريخ العالم العربي، وإن كان هذا الفضل اليوم لم يعد يُقرأ بنفس الايجابية الذي كان يبدو عليه قبل ثلاث سنوات. لا يمكن التنبؤ حتى الآن إلى ماذا سيفضي، وهو غير مؤكد بعد إن كانت في الأخير نهاية سعيدة أي تأتي الثورو بشيء نتيجته ما يمكن تسميته بالديمقراطية،. بالتأكيد السلفيوون أو الإخوان المسلمون بعيدون كل البعد عن أن يكونوا داعيين للديمقراطية لكن الرجال الشجعان الذي بادروا في المقاومة ضد النازيين – على الأقل البعض منهم – أيضاً كان لهم وجهات نظر تتعارض مع أفكارنا الديمقراطية الليبرالية. ومع ذلك، لهم مني كل الاحترام وكذلك هؤلاء الناس في العالم العربي الذين قاوموا وخاطروا بقدر كبير من أجل نظام سياسي أفضل. يتضح من تطور الأحداث أن الأمر ليس سهلا مثلما كنا نأمل ،ونتمنى قبل سنتين أو ثلاث سنوات.
قدمت الأستاذة والقاضي في محكمة العدل الأوروبية انجيليكا نوسبيرغر في كلمة تكريمها بذكرى رينهولد فرانك قبل عام تصوراً للسيناريو التالي: “دعونا نتخيل …بعد محاولة اغتيال، تم الكشف عن تخطيط المؤامرة، والتحري عن المتآمرين ويلقى القبض عليهم في مساء ذات اليوم بعد تتبع المخابرات لهم – دون أمر قضائي، وبالتالي أيضا دون تحديد أسباب الاحتجاز. كما أن عرضهم أمام قاض لم يكن ليحدث. والمحاكمة اللاحقة سخرية لكل المعايير الدستورية تتمثل بتهمة واحدة مليئة بالكراهية.. وسيكون قرار القاضي حكما بالإعدام”.
كتبت السيدة نوسبيرغر أنه لا يمكن تصور أن هذا يمكن أن يحدث في أوروبا في القرن الواحد والعشرين”. فعلاً لا يمكن تخيل أن يحدث هذا في أوروبا القرن الحادي والعشرين، ولكن أود أن أنقل هذا السيناريو على العالم العربي؛ فهناك لا يمكن تصور حدوثه فحسب بل عاد ليكون اليوم أمرا اعتياديا.
لقد توقفت عن عد أحكام الإعدام التي فرضها القضاة المصريين ضد الإخوان المسلمين في الأسابيع الأخيرة، والتي من الممكن أن تكون قد وصل عددها بضع مئات. والحجج لدى القضاة مماثلة لتلك التي وصفتها السيدة نوسبيرغر. فقد تم الحكم على الإخوان المسلمين بتهمة الخيانة العظمى للبلاد وصدرت عليهم أحكام الإعدام على أساس أنهم إرهابيين. كل هذه المحاكمات كانت محاكمات سريعة تم إدانة المئات من الإخوان فيها جماعة دون مزيد من التحقيق على الوجة الفردي. وهي دائما نفس التهمة: الإرهاب والتمرد المسلح، دون تواجد شهود، دون تقديم تحريات بنتائج محددة، دون أدلة موثوق بها، دون وجود دفاع كاف. وقد أكدت الأنباء أن بعض أحكام الإعدام قد تم تنفيذها.
ليست جماعة الإخوان المسلمين وحدها ضحية الاحداث، مع أن التزامها بالديمقراطية قد يوحي بعض الشك لكن ذلك لا يجوز إن يكون مبرراً للمحاكمات السريعة والإدانات. فالليبراليين واليساريين أيضا، أي أولئك الذين كانوا أول من وقف في ميدان التحرير. فهم في الأشهر القليلة الماضية لم يفعلوا شيئا سوى المطالبة بحقهم الديمقراطي بالتظاهر كما هو منصوص عليه في الدستور. ومع ذلك، حكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة لأنهم طالبوا بتطبيق حقهم المشرع دستوريا.
كما أن حركة “6 أبريل” أصبحت ممنوعة وتعتبر من أهم الحركات مبادرة للمظاهرات على ميدان التحرير ومن أقدم الحركات الديمقراطية في البلاد على الإطلاق. الناشط السياسي الليبرالي عمرو حمزواي، احد رواد الفكر على ميدان التحرير، يصف الوضع في بلاده كالتالي:
“هناك حالة من الاستقطاب الشديد. فالحكومة لا تضيق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين وأتباعهم فحسب، بل أيضا على كل الأصوات التي تريد أن يحدث تغيراً في مصر، أي التي من ناحية تقف ضد الانقلاب والعسكرة وضد إعادة صنع أسطورة البطل كما يمارسه الجيش، ومن ناحية أخرى لا تدعم الإخوان المسلمين، يتم محاولة إسكاتها هي أيضاً ففي الأشهر الأخيرة تعرضوا لنا بطريقة منظمة. ألقوا القبض علينا وأمطرونا بالدعاوى القضائية باتهامات سخيفة. بالإضافة إلى ذلك، يتم الافتراء علينا من قبل وسائل الإعلام . كل هذا لمنع تكون بديل للحكومة الحالية “.
والصحفيين الذين لا يشاركون في مثل حملات التشهير هذه هم أيضاً مهددون بالخطر. بالتأكيد قد سمعتم عن خبر زملائي الصحفيين من قناة الجزيرة الفضائية. تفرض في هذه القضايا أيضاً عقوبات بالسجن بتبريرات سخيفة لفترات طويلة. أو الصحفيين الذين أرادوا في الصيف الماضي تقديم تقارير عن وقوع اشتباكات بين قوات الأمن والإخوان المسلمين فقد تم اعتقالهم خلال بحوثاتهم ولا زالوا إلى الآن رهن الاعتقال دون تحقيق، دون تقديم أدلة، دون توجيه أي تهمة، وأخيرا دون معرفة متى ستبدأ محاكمتهم. لا عجب أن الصحافة المصرية اليوم كيّفت نفسها مع اتجاه الريح ولا تدعم أي انتقاد لسياسة الحكومة.
أصدقاء كنت قد التقيت بهم خلال زيارتي إلى القاهرة في كانون الثاني/ يناير قالوا لي عندما تحدثنا عن العهد الجديد/والقديم أن الوضع كان أسوأ من عهد مبارك وأن التعذيب عاد مجدداً في السجون، مع أن هذا على وجه التحديد ما حظره الدستور الجديد وأن مناخاً من الترهيب والخوف يسود مصر.
تسرب خبر في يونيو/حزيران الماضي أن وزارة الداخلية المصرية تعتزم طرح مناقصة لنظام جديد يتم من خلاله رصد وسائل الإعلام الاجتماعية، أي الإنترنت، الفيسبوك، تويتر، يوتيوب، وربما مراقبة التطبيقات التي ستحمل حتى على الهواتف المحمولة. إن مهمة تكنولوجيا الرصد هذه هي البحث على وجه التحديد في وسائل التواصل (الإعلام) الاجتماعية عن 26 قضية، منها: تشويه صورة الأديان والتحريض على مظاهرات غير قانونية، والإضرابات والإعتصامات وكذلك الإرهاب والتحريض على العنف. إذا عثر المراقبون على شيء من هذا يمكن للقضاة بناء الاتهامات اعتمادا على المعلومات التي جرت تصفيتها. أي بالذات وسائل الإعلام التي لعبت دوراً في ميدان التحرير هي التي سوف تخضع لتحري دقيق… مراقبة شاملة – ومن الواضح أنها استراتيجيه وقائية للحؤول دون أن يصيب الرئيس الجديد السيسي ما لم يتمكن مبارك من منعه:، سقوط النظام من خلال الاحتجاج المدني، والذي نظم جزئيا عبر وسائل التواصل (الإعلام) الاجتماعية.
من الواضح أن الوزارة الداخلية لا تثق بالشعب المصري، بدلا من ذلك هم واثقون بأن المصريين قد يغامروا بالتمرد مرة أخرى. في حين ادعوا أن هذه التقنيات يتم توفيرها فقط لمكافحة الإرهاب، ولكن طريقة تعامل الوزارة الداخلية مع المعارضة في الأشهر الأخيرة يوحي بشيء آخر وكثير من المصريين لا يثقون كثيرا في مثل هذه الضمانات.
على أي حال، تصنيف من هو إرهابي في مصر تقرره الحكومة. “محاولة قمع الأخبار على تويتر، الفيسبوك وغيرها من الشبكات تستدعي مخاوف أن الناس في مصر لن يتمكنوا من التعبير العلني عن وجهات نظرهم دون مخاطرتهم بملاحقة النيابة العامة لهم”، هذا ما اعتبرته حسيبة حاج صحراوي المسؤولة عن الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية. لا بد من الإشارة هنا أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضاً لا ترفض مثل هذه الخطط أو هي الاخرى قد قامت بتنفيذها.
هل فشل المصريين في محاولتهم التغلب على نظامهم الاستبدادي وتجربة نموذج ديمقراطي للحكم؟ ما سبب هذا الفشل؟ هل الديمقراطية ممكنة في العالم العربي على الإطلاق؟ وبنفس القدر من الأهمية السؤال: هل يريد العرب حقا ديمقراطية؟
بالنسبة للسؤال الأخير: نعم، إنهم يريدونها، ولكن ديمقراطيتهم لن يكون شكل الديمقراطية كما هي عندنا، وهم يريدونها فقط في حالة إذا تمكن نظام حكمها الشعبي فعلا من تحسين الظروف المعيشية !
وذلك ما نقرأه على الأقل في نتائج المسح (الاستفتاءات)،التي صدرت قبل عامين عن مركز (بيو Pew) للأبحاث الأمريكية في واشنطن. إذ تم إجراء مقابلات في ستة بلدان إسلامية مع مواطنين حول موضوع الديمقراطية. وقد خرج باستنتاج هام هو: في أربع دول عربية تمت دراستها، بما في ذلك الأردن ومصر يوجد هناك تفضيل لدى الأغلبية لشكل الحكم الديمقراطي.
وهذا ما ينطبق أيضاً على الحقوق الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية. سأل واضعو الدراسة في استفتاءهم: “لحل مشاكل المجتمع، هل تثق في شكل ديمقراطي بديل للحكم أكثر من زعيم يحكم بيد قوية؟” في مصر وتونس، وهما بلدان نموذجيان للربيع العربي، فقد أجاب لا يقل عن 61 ٪ من المشاركين بتخييرهم للديمقراطية. وفي لبنان وتركيا، أي في البلدين اللتين لها خبره مع التجربة الديمقراطية لفترة أطول، كانت نسبة الموافقة للديمقراطية أعلى بكثير. يبدو أن زمن وحدانية الحكم والتسلط من أمثال مبارك وزين العابدين بن علي قد ولّى، لهذا توجب على الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي أن يتحصن بلبس رداء دافئ تحسباً .
ربما يصف جواب من امرأة مصرية شابة هذا الموقف بشكل أفضل: حيث قالت لي عبر الميكروفون في كانون الثاني/يناير رداً على سؤالي لها لتقييم المرشح عبد الفتاح السيسي “لقد أطحنا بمبارك وبعد ذلك أسقطنا مرسي والذي لم يفعل شيئا لتحسين وضعنا. إذا لم يصلح الحاكم الجديد، سوف نعمل على إسقاطه من جديد” . لم تكن هذه الشابة من مفكري ميدان التحرير -كانت امرأة شابة بسيطة من حي فقير إلى حد ما.
ومع ذلك لا يزال ثلث الناس في هذه البلدان لا يودّ المجازفة بمشروع ديمقراطية الأحزاب. كل شخص ثالث منهم يتوق لرجل قوي على رأس الدولة. وهذا ليس قليلا.
تتضمن الديمقراطية بطبيعة الحال حرية التعبير، وحرية الوصول إلى الإنترنت وحرية الصحافة. غالبية المشاركين بالاستفتاء يعتبرونها قيم أساسية للنظام الديمقراطي. ولكن الحق في حرية التعبير أو حرية الصحافة لها حدودها عندما يتعلق الأمر بالدين. نقد العقيدة الدينية أو حتى دين الإسلام بشكل عام في العلن يواجه فوراً بالرفض. لا يمكن ان تنتقد مشيئة الله من قبل الناس، هذا هو الرأي السائد. فالمظاهرات ضد الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية 2005/2006، —– لم تكن بحاجة إلى دعاة الكراهية لتنظمها، فالجماهير في شأن كهذا لا تحتاج لمن يحقنها ويحرضها. كان غضب العديد من المسلمين صادقا. فلا يسخر المرء من الله أو النبي، وبالتأكيد لا يسمح بهذا من أجانب غير مسلمين. ببساطة
لا فكاهة أو مزاح في مسائل الإيمان. بهذا يختلف مفهوم الديمقراطية في العالم الإسلامي اختلافا جذريا عن مفهومها الغربي. عندنا يمكن أن يعاقب المرء أيضا عند المساس بالمشاعر الدينية، ولكن هذا نادراً جداً ما يحدث لأنه في معظم الحالات من الصعب جدا تحديد متى يبدأ التكفير وأين تنتهي حرية التعبير.
لا يمكن للمسلمين تصور مثل هذا الفصل الصارم بين الدين والسياسة كما يتم تنفيذه على سبيل المثال بشكل حازم في فرنسا. يفرد الإسلام في الدول الإسلامية ذراعيه على السياسة تماما كما يحيط كل حياة الناس اليومية. ليس معنى ذلك وجود رغبة في الدولة الثيوقراطية أو في الخلافة، كما قد اعلن عنها مؤخراً البغدادي رئيس حركة داعش الإرهابية. الإسلام هو بنية آمنة ومألوفة من القيم التوجيهية للبحث عن سبل حياة. وبالتالي فإن حزب تنويري بعيد عن الدين لديه فرص ضئيلة للفوز بالانتخابات في الدول العربية. و بالتالي، في كل الدساتير العربية تقريبا لا بد من الإشارة إلى الشريعة كمصدر للتشريع. في بعض المجتمعات العربية هذه المواد ليست أكثر من نص توجيهي أخلاقي لا يستوجب إتباعه حرفيا ولا يوجد له قانون، وفي بعض المجتمعات العربية الأخرى يأخذونه على محمل الجد.
تونس هي إحدى الدول العربية القليلة التي قامت الهيئة التشريعية فيها بالاستغناء تماما في ديباجة الدستور الجديد عن هذا الالتزام الديني. وهو في ذلك يعني فقط أن الشعب التونسي يتبع تعاليم الإسلام، وتجد أيضا الاعتراف صراحة بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، والإسلام يلتزم بـ “الانفتاح” و “التسامح” . وعلى سبيل المثال يحظر إطلاق صفة “كافر” على شخص لتشويه سمعته “بالكفر”. ويتضمن أيضا صفة من ابتعد عن الإيمان، أي المرتد، وبالتالي، الذي يستوجب عقابه بالقتل بموجب الشريعة. هذا الدستور الحديث جاء بفضل مثابرة الأحزاب العلمانية. لم تكن حركة النهضة – حزب الإخوان المسلمين التونسي – قادرة على تثبيت صيغة الإسلام كمصدر للتشريع في مسودة الدستور. وربما فهم الإخوان المسلمون التونسيون الانقلاب المصري ضد مرسي في العام الماضي بمثابة تحذير لهم.
في حين أن الإشارة إلى الإسلام في دستور الإخوان المسلمين لم تشكل أدنى مشكلة لدى الغالبية العظمى من الناخبين في مصر. لا يزال أمام بلاد النيل طريق طويل لتقطعه حتى تصل إلى فكر ليبرالي مماثل لما حققته تونس في مسائل الدين. يرى المجتمع المصري نفسه على أنه شديدة التدين. ،حيث أن حوالي 80 ٪ من الناس في بلاد النيل يعتقد أن الإسلام له تأثير إيجابي على السياسة، لذلك يلجأ السياسيون إلى إتباع قواعد القرآن الكريم. وهذا بالتأكيد له علاقة أيضا، بتجربة المصريين الذين تعلموا أن السياسة هي في المقام الأول عمل تجاري فاسد لصالح السياسي وليست عمل من أجل المصلحة العامة. الساسة يقومون بإثراء أنفسهم، والشرطة فاسدة، والقضاة يرغبون في من يشتريهم، والمسؤولين في الدولة ينشطون فقط مع الدفع نقدا – هذه هي التجارب اليومية للناس ليس فقط في بلاد النيل. ومع ذلك، فإن القرآن يحظر أي شكل من أشكال هذا الجشع ويطلب من الحاكم سياسة موجهة نحو الصالح العام. فالعدالة هي واحدة من المفاهيم المحورية في الإسلام. لذلك، يفضل الناس الاعتماد على المبادئ المنصوص عليها في عقائد دينهم منذ أكثر من ألف سنة، أكثر من وعود السياسيين وبرامج الأحزاب.
كتبت جودرون كرامر الأستاذة المتخصصة في علوم الإسلام في كتابها “الديمقراطية في الإسلام”: “إن السعي لتحقيق العدالة موضوعاً أساسياً سواء في الفكر الأوروبي أو الإسلامي، وهو لم يكن بحاجة أن يختُرع في العصر الحديث حتى ليبقى بعد معركة صراع الثقافات. يرى المسلمون المعاصرون أن العدالة تشمل وتدمج كل القيم الأساسية للإسلام بامتياز” وبعبارة أخرى الظلم خطيئة، والعدل واجب فرضه الله على الناس لإتباعه. الفساد والقمع و الغش، وعدم الاحترام – هذه قائمة من خطايا مبارك والأسد وهي ليست أقل من مخالفة جوهرية للقواعد القرآنية. “أذهب إلى الجحيم يا مبارك” – صرخة الحشود في ميدان التحرير-، والتي يمكن بهذا أن تفهم حرفيا.
هناك اختلاف آخر مع الفهم العلماني الغربي للسياسة: مع أن المفهوم الإلهي للعدالة يتضمن التكافؤ بين البشر تكافؤ يمنحهه الله إلا أنه لا يشمل بالضرورة المساواة الاجتماعية. الرجال والنساء متساوون في القيمة ولكن ليس بالضرورة على قدم المساواة في الحقوق والأدوار، ولكن بإمكانهم أن يكونوا. وفقا لاستطلاع الرأي من (Pew ببو) الذي سبق ذكره يؤيد 60 % فقط من الرجال في بلدان مثل مصر والأردن أن تكون المساواة كاملة بين الرجل والمرأة .
أما في لبنان وتركيا تبدو النتائج أكثر إيجابية للنساء. ومع ذلك، لا ينبغي أن يلام الإسلام وحده على هذا التفاوت بالمساواة. ففي عصور ما قبل الإسلام نجد الرجال مرغمين بخدمة زوجاتهم لهم. وهذا الادعاء الأبوي يحتفي اليوم في المدن بشكل أسرع من الريف.
لكن الدولة التي تعرف نفسها من خلال قواعد الفضيلة التي وهبها الله تواجه مخاطر التضييق الشديد لحدود الحرية في مجال الحرية الجنسية أو الحرية الفنية والأكاديمية، وبالتأكيد في مجال حق النقد العلني للدين، والزعماء الدينيين أو العقائد الدينية. وبشكل خاص نجد بين أوساط الإخوان المسلمين الاهتمام بالأخلاق كمعيار للسياسة العامة فضلا عن الحياة الخاصة.
ومع ذلك في حال حدوث جدل حول “الفجور” أو “العهر” فإن رقابة الفضيلة ليست بعيدة، مع العلم أن حتى في عهد مبارك كانت الكتب أو الأفلام الصادرة جديدا تخضع لرقابة جامع الأزهر. ولا يسمح بيع الكتب في المكتبات أو عرض الأفلام في دور السينما إلا إذا صدرت الموافقة عن هذه السلطة العليا للإسلام السني،. ولهذا أعطت مصر أساسا جيدا لخطط الإخوان المسلمين لتشكيل “دولة الصلاح و الإسلام الحقيقي” في البلاد . وبالتالي فتولي الدولة رعاية المواطنين كان جزءا من برنامج حكم جماعة الإخوان المسلمين السياسي في مصر، ولا يزال كذلك في البلدان التي وصلوا فيها إلى السلطة.
اسمحوا لي باستطراد صغير: عندما أتكلم هنا عن الإسلام بشكل شامل، فأنا أحاول من هذا القبيل تعميم الإسلام كما لو أن هناك شيء يمكن أن يقال له إسلام سائد وهذا ما يخادع الحقيقة. ففي الواقع هناك مجموعة متنوعة من التفسيرات للدين والتي يمكن أن تؤدي إلى نماذج دينية مختلفة. فالوهابية السعودية مثلاً غير متصالحة مع الديمقراطية على الاطلاق. أما الإسلام السني كما يمارس في تركيا أو في اندونيسيا، أكبر بلد مسلم فبي العالم، ليس لديه صعوبات أساسية مع الديمقراطية ولا يقف في طريق تطورها.
ولكن يجب أن لا نبالغ أيضا في دور الدين. هو يلعب دورا هاما في الحياة السياسية والاجتماعية للشعوب في الدول الإسلامية، لكنه ليس العامل الوحيد. حقيقة عدم تطبيق الديمقراطية في معظم هذه البلدان تعود لأسباب محلية الصنع في المقام الأول ولا علاقة لها بالدين.
أولا هناك الفساد والمحسوبية وانتشارهما المدمر على نطاق واسع في المجتمعات العربية. بناء على مقياس من منظمة الشفافية الدولية المستقلة لمكافحة الفساد، فإن معظم الدول العربية هي الأكثر فسادا في العالم. حتى أن لها كلمة خاصة هناك وهي:” الواسطة” . لا شيء يحدث دون الواسطة، لا وظيفة، لا صفقة، لا ششهادة امتحان. وتعني كلمة واسطة ،شبكة العلاقات المفيدة. على المرء أن يعرف الشخص المناسب دائما عندما يريد أن يحقق شيئا. لا جدوى من شهادة امتياز إذا لم يكن لديك في وقت لاحق واسطة العمل عند البحث عن وظيفة. والواسطة بالطبع تكلف أموالا. والذي يساعد مرة يمد يده مرة أخرى. وفي النهاية فإن الذي يفوز ليس الأفضل بل ذلك الذي بمقدرته أن يدفع أكثر من غيره. لا استحقاق لحسن الأداء في مجتمع كهذا. هذا – وربما يكون أحد الأسباب التي تجعل من الاختراعات والتطورات في العالم العربي محدودة جدا.
يقع اللوم في الدرجة الاولى على نظام التعليم والتدريب البائس. في الأرياف ليس نادراً أن يتواجد في الفصل المدرسي الواحد أكثر من 50 طالب. المعلمون الذين يتقاضون أجورا زهيدة في في تعليم حشود الطلاب الصباح، يقدمون في فترة ما بعد الظهر الدروس الخصوصية الفردية في نفس المواضيع، وهي تكاد تكون فرصة الطالب المصري الوحيدة لتعلم شيء ما. فمن دون ساعات التدريس الإضافية هذه، والتي بطبيعة الحال تكلف مالا، لن يتمكن الطالب من اجتياز الامتحانات. أولئك الذين لا يستطيعون الدفع، لا يتقدمون إلى الأمام. هدف التدريس ليس التفكير المستقل ولكن التلقين. وفي تقرير التنمية البشرية العربية – وهي دراسة مفصلة عن حالة نظام التعليم في العالم العربي- وصل الباحثين مبكرا – عام 2004 – إلى نتيجة “يتم تلقين الطلاب الخضوع . هذه البيئة التعليمية لا تسمح لحوار حر والنشاط البحثي وبالتالي لا تفتح المجال للفكر الحر والقدرة على النقدإلا نادراً”. إلا أن التفكير المستقل شرط هام لنظام ديمقراطي ناجح. عدة ملايين من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة على الاطلاق. ،ونتيجة ذلك هناك ما يزال 43 في المائة من 280 مليون عربي في 22 بلد لا يقرأ ولا يكتب .
هل لا يصلح العرب إذاً للديمقراطية؟ سيكون خطأ كبيراً أن نصل من خلال هذه النتائج المحبطة إلى هذه خلاصة فحسب. على الأقل سنجد أن هذه الدراسات قد تمت على يد علماء اجتماع عرب في مجتمعاتهم نيابة عن وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة – برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. بالتالي فالمثقفون العرب يعرفون تخلف المجتمعات العربية. وقد استجابوا. على سبيل المثال، في ميدان التحرير. كان شعار تحسين الفرص التعليمية مطلبا رئيسيا للمحتجين؛ لأنهم يعرفون بأن كتلة غير المتعلمين يمكن التلاعب بها والسيطرة عليها بسهولة. كلما يتم تثقيف الناس على نحو أفضل، بإمكانهم على الأرجح أيضا المناقشة في السياسة ولهذا يمكن أن يشاركوا بها بشكل أقوى. لكن ما زال العالم العربي بعيدا عن مثل نظام التعليم هذا.
إذاً: فالأمية، والفوارق الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، والفساد البغيض المنتشر من الأسفل حتى القمة في الحكومات، والاكتظاظ السكاني للمدن وارتفاع معدلات المواليد، وبالتالي الضغط على سوق العمل والبطالة، هي القوى المؤثرة على المجتمعات العربية. وبالتالي هل يمكن أن تنشاً ديمقراطية في ظل ظروف من هذا القبيل؟ أم أن الديمقراطية مجرد منتج ترف للغرب الثري، والذي استطاع إلى حد ما حل معظم هذه المشاكل؟ أو لعل أشكال السلطة الأبوية القديمة هي الأقرب أن تكون مناسبة ؟
أنا لا أعتقد ذلك؛ لأن في نهاية الأمر فإن حكام من أمثال عبد الناصر، السادات، مبارك، زين العابدين بن علي والأسد هم من تسببوا في نكبة المجتمعات في الشرق الأوسط. فعلوا هذا عمدا لأنهم يعرفون أن الجماهير الغير متعلمة يسهل توجيهها. يشكل التعليم تهديدا للحكام المستبدين. نستنتج من ذلك أنه : يجب على الغرب ألا يتوقف عن دعم الحركات الديمقراطية في العالم العربي .
ولكن لماذا في كثير من الأحيان لا تقبل العروض من الغرب لتعزيز التطورات الديمقراطية إلا نادرا؟ لماذا لا يثق الشرق الأوسط بالغرب؟ كثيرا ما غذى الغرب عبر سياسته في الشرق الأوسط انعدام الثقة هذه. غزوات الغرب للشرق – ابتداءاً من حروب نابليون، والفترة الاستعمارية وقيام دولة إسرائيل إلى حرب بوش الابن على العراق – يراها العالم العربي على أنها مؤامرة الغرب ضد الإسلام والهوية العربية. والكلام نفسه ينطبق على الحرب في أفغانستان — كما لو أنها أيضا حرب ضد الإسلام، وذلك ما يعنيه على الأقل كثير من المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، يحلو للغرب التبشير بالديمقراطية والدعوة إلى احترام حقوق الإنسان، ولكنه نادراً ما يطبق هذه المطالب السامية في تعامله مع العالم العربي. — يطلق المثقفين العرب على هذا السلوك بـ”معايير مزدوجة” للغرب.
أحد الانتقادات على سبيل المثال: بإمكان إسرائيل – تقريبا – فعل كل شيء، مثل احتلال أراضي الغير أو القصف، دون أن يمنعها الغرب، في حال تصرف بلد عربي على هذا النحو، يصعد الغرب ويهدد بشن الحرب. تلك كانت واحدة من الحجج العربية الشعبية بعد احتلال الكويت من قبل العراق. وكنتيجة لقمة نفاق الغرب أصبح الأمر محفوراً عميقا في الذاكرة الجماعية للناس في الشرق الأوسط، تعود إلى 60 عاما خلت.
مثال آخر: الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني السيد مصدّق من قبل بريطانيا والولايات المتحدة. كان ذلك سنة 1953. وسبب ذلك قيامه بتأميم صناعة النفط الإيرانية والتي كانت حتى ذلك الحين تحت سيطرة إنجلترا والولايات المتحدة. وكان مجلسي البرلمان في طهران قد وافقا على التأميم. عملية ديمقراطية تماما. أراد الإيرانيون السيطرة أخيراً على ثرواتهم. ولكن هذا ما لم ترغب في قبوله هذه الدول العطشى للنفط. قامت المخابرات البريطانية بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتنظيم انقلاب عنيف. وأعادت هاتين الدولتين تنصيب الشاه رضا بهلوي حاكما وحيداً مرة أخرى بدل الوزير الذي تم إطاحته من الحكم في الانقلاب، وبطبيعة الحال، عادت صناعة النفط الإيرانية إلى الشركات البريطانية والأمريكية.
لا عجب أن الكثير من الناس في الشرق الأوسط فقدوا الثقة في وعد الحرية من الغرب. بدلا من ذلك، أصبح لديهم استنتاج: الغرب يحب تسويق نفسه بصفته وصيا على الحرية وتقرير المصير وحقوق الإنسان، ولكن في الواقع فإن الديمقراطية الحقيقية في بلدان الشرق الأوسط بالنسبة له مقبولة وجيدة فقط، إذا لم تُمس مصالح العالم الغربي بضرر.
وعندما ثبت جليا بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 بأن الحرية لا يمكن أن تنتشر بمساعدة الدبابات والصواريخ، وبأن القوات الأمريكية تسببت بكارثة في العرق بدل الديمقراطية، حاول بوش بحملته الديمقراطية العظيمة في الشرق الأوسط احتواء الضرر. لكنه قام بتعميقه أكثر. كان مختلف المستبدين لا يشعرون بالسعادة من الطلبات الأمريكية لمزيد من الديمقراطية في بلدانهم، والتي من الممكن فهمها. لكن بوش كان يُرفض أيضاً من قِبل الإصلاحيين ، والذين كان يأمل الفوز في بشراكتهم.
وصف الرجل السياسي الأردني حسن أبو نعمة على سبيل المثال في 10 مارس 2004 في صحيفة جوردان تايمز معظم الحكومات العربية بالفساد، والاستبدادية وأنها تستغل السلطة لغير الحق بشكل فاضح وأنها مستبدة وحكامها غير كَفُؤين. جميع الأنظمة في الشرق الأوسط تقريباً برأي أبو نعمة بحاجة لتغيير نظام حكمها. أما سبب رفضه لعروض الدعم المقدم من قبل الحكومة الأمريكية لمشروعه الاصلاحي في ذلك الوقت فقد أوضح ذلك في مقال كما يلي: يريد الأمريكان من المبادرة الديمقراطية تحقيق أهداف مختلفة جدا عما تظاهرت بإعلانه”، :وكتب أيضاً: “لا يريد الأمريكان المزيد من الديمقراطية في العالم العربي، هم يريدون تدجين السياسيين كي يفعلوا ما يقوله الغرب لهم، ووقف الدفاع عن حقوق الفلسطينيين ووقف التصريح بالمطالبات الموجهة لإسرائيل”.
يظهر هذا الاقتباس مدى تعمق الشك لدى المثقفين العرب اتجاه الغرب. فهم الغرب حملة بوش على أنها دعم للديمقراطية كان ضروريا في حين أن الشرق الأوسط نظر إلى هذه الخطط بأنها محاولة مخفية (لكن واضحة لسوء أقنعتها) لاحتلال قلوب وعقول العرب. الكاتب ليس يساريا مناهضا للأمريكان، وليس أحد المتظاهرين أمام السفارة الأمريكية، ولا يحرق الأعلام الإسرائيلية، وأبو نعمة هو أحد المقربين من الملك الأردني السابق حسين، الذي كان قد أرسله سفيرا إلى الأمم المتحدة ومختلف الدول الأوروبية.
لنبقى مع كلمة “نشر الديمقراطية”. حاول الرئيس الأميركي الجديد أوباما في يوم 4 يونيو 2009 إعادة اللحمة الفوضى الناشئة في الشرق الأوسط مرة أخرى، والتي كان سلفه بوش خلفها له وللعالم. في خطاب منتَظر ألقاه في القاهرة والذي أراد به من بين أمور أخرى استعادة الثقة العالم الإسلامي ومصداقية أمريكا. طالب بنهاية سياسة الاستيطان الإسرائيلية، لفتح مجال حل الأزمة بتأسيس دولتين. وكانت معظم ردود الفعل في العالم العربي إيجابية في البداية .بعد عام واحد فقط من هذه الكلمة المهمة أعرب الناس عن شكهم مجدداً وفقاً لآراء مشاركين في استطلاع للرأي أجري في ست دول عربية، فهم لا يتوقعون شيئا من السياسة الخارجية الأميركية. والآن، وبعد 5 سنوات، لا يزال نفس الحال ولم يتم فعل شيء، لا توقف بناء المستوطنات، ولم يتم التفكير في عمل ضد هذا الانتهاك للقانون الدولي بسرقة الأراضي. والمفاوضات الأخيرة بشأن الحل السياسي لتشكيل الدولتين قد أفشلها موقف إسرائيل الصارم، وهو ما يقوله السياسيين الأميركيين أنفسهم. بدلا من ذلك، يقتل مئات الفلسطينيين في غزة من الطائرات الحربية الإسرائيلية و الجنود، دون سماع أي صرخة في الغرب. وبالتالي، فهذا هو انطباع العرب. أما حماس، التي ليس لها شعبية بالضرورة، لا عند الحكومة أو بين الغالبية العظمى من السكان لكنها تكسب الربح السياسي من دورها كضحية.
وقد وصف نافيد كرماني عدم ثقة العرب للغري “إن الناس في العالم الإسلامي…لا يتهمون الغرب في معاييره، بل لأنه لا يطبقها، حين يدافع عن الديكتاتوريات، والأنظمة الفاسدة أو إرهاب سلطة حكومة. الثقافة الإسلامية لا تشعر بتفوقها على الغرب، كما غالبا ما يتم تأكيده في الغرب: “إن الاستياء لا يتأسس في الشعور بالتفوق، ولكن المرارة على هذا الرفض من قبل الغرب غالباً ما تتحول إلى ضغينة.”
فما الذي يمكن عمله؟ أعتقد أن ألمانيا يمكنها أن تفعل الكثير. لكن بداية يجب أن لا ننسى أن فرنسا كانت بحاجة إلى مائة سنة قبل أن تصبح ديمقراطية بعد الثورة الفرنسية، في الولايات المتحدة لم يُسمح للنساء بالتصويت إلا بعد 150 سنة من تأسيس الدولة، واحتاجت ألمانيا محاولتين كي تصل إلى هذه الديمقراطية المستقرة التي نعرفها اليوم. وألمانيا هذه — التي — نفتخر اليوم بها، قد فرضتنه علينا الحلفاء. ينبغي علي النقاد الألمان الذين يرفضون الفهم الإسلامي للديمقراطية والذين يشككون بقدرة الديمقراطية في العالم العربي أن يأخذوا هذا دائما في الاعتبار.
تتمتع ألمانيا بسمعة عالية في منطقة الشرق الأوسط لأنها لم تكن هناك كقوة استعمارية ولم تشارك أبدا في الحروب هناك. الناس في الدول العربية تسجل مثل هذا السلوك بشكل دقيق جدا، ولكن أيضا علاقتنا الوثيقة مع إسرائيل. ومع ذلك: ألمانيا يمكنها استخدام حُسن سمعتها ومصداقيتها لتشارك في سياسة الشرق الأوسط الجديدة.
ألمانيا عليها، على سبيل المثال، أن تعيد النظر في سياستها اللطيفة تجاه الحكام المستبدين في الشرق الأوسط. أخيرا، لدى الغرب عمل الكثير للتكفير عن سلوكه مع العرب، عن تعاونه الجيد مع الأنظمة القديمة وفي عدم طرح مساءلتها إلا عندما باتت في طور السقوط. عاد اليوم القمع القديم مجددا. ولكن المطالبة بإنهاء العلاقة ستكون غير واقعية وغير حكيمة. العالم شبكة متصلة، لهذا فإن الافتراق ليس بهذه البساطة. ومع ذلك، يتوجب تكثيف وتعزيز قوى المجتمع المدني حتى ضد إرادة السلطات الجديدة. وقد كانت الجمعيات الأهلية السياسية قد لعبت في السنوات الماضية دوراً لا يستهان به .
شيء آخر تحتاجه دول مثل تونس. بينما نحن في ألمانيا لدينا ديمقراطيتنا والتي يعود الفضل فيها إلى الحلفاء الغربيين، فمن المؤكد أيضا لآباء الدستور الحكماء، – الذين وضعوا قواعد واضحة لا لبس فيها وانشئوا مؤسسات لحماية الدستور والدفاع عنه. لا ندين الحلفاء علينا بهذه الديمقراطية المستقرة فحسب بل بفضل آخر لنا منهم لولاه ربما لكان المواطنين الألمان رفضوا التجربة الديمقراطية هذه وعادوا مجددا لدعوة رجل قوي. فلم يكن هناك في ألمانيا سنة 1945 أي ميدان التحرير ولا احتجاجات حاشدة ضد هتلر. كان هناك قله من الرجال الشجعان مثل فرانك راينولد. تصالح — معظم الألمان مع الواقع بالقول نعم دائماً دون قناعة والتزلّف والموافقة بالصمت والتأقلم أو كاتباع للنظام. بالطبع كان هناك جيش كبير من النازيين الحقيقيين. عندما أصبح الدستور نافذا للتطبيق في 23 أيار/مايو 1949، لم تندلع عاصفة من الحماس في ربوع الجمهورية الجديدة، ولا استرجاع الأنفاس، ولا شعور بالتحرير. كل ذلك حصل في وقت لاحق. حقيقة أن الطريق الديمقراطي قد ساد في النهاية ونجح، يحتم علينا أن نذكر فضل الحلفاء في إعطائهم الهدية لنا، أعني خطة مارشال. وهو ما كان إلى حد ما العامل الاقتصادي الداعم — الذي أقنعنا بالمسار الديمقراطي. من كان لديه ما يكفي من الطعام على المائدة، يدعم الديمقراطية .
تدهورت في السنوات الثلاث الماضية ظروف المعيشة في بلدان الربيع العربي بشكل كبير. البطالة في تزايد وافتقاد الاستثمارات الداخلية والخارجية، والسياحة منعدمة. الفنادق والمطاعم فارغة. إن لم يتحقق الاستقرار الاقتصادي في هذه الدول لن ينفع بهذا الحال أجمل الدساتير. عملياً يتعلم الناس بأن الديمقراطية لا فائدة منها، والديمقراطية لا تملأ البطون ولا تخلق فرص العمل. بعد ذلك قريبا سوف لن يكون فقط 30٪ من المصريين لديهم الرغبة برجل قوي على رأس الدولة، ولكن ربما سيكون ضعف هذا العدد. مرة أخرى، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً هاماً جداً، في تشجيع الاستثمار، والتعليم وتمويل برامج التدريب، وعلى سبيل المثال، في مواصلة خفض الحواجز الجمركية.
كما ان الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يبقى صامتا في وجه القمع الجديد في بلدان مثل مصر. الحكومة الألمانية يجب أن توضح لحكومات هذه الدول أنها على سبيل المثال ليست على استعداد للقبول ضمنيا بإجراءات المحاكمات القانونية الساخرة لكل المعايير الدستورية ضد أعضاء المعارضة بغض النظر عن لون المعارضين. وإلا سوف يكون هناك شك بأنها بالفعل لم تتعلم حقاً العبر من دروس التاريخ مثل ما نتعلم من مصير رينهولد فرانك.
يورغ أرمبروستر، 25/07/2014
القيت المحاضرة في ذكرى راينولد فرانك 2014،
فرانك راينولدReinhold Frank ولد في 23 تموز 1896، وتوفي بتاريخ 23 كانون الثاني 1945 وهو محام ألماني. قاوم النازية وتم القبض عليه بعد محاولة الانقلاب على الحكم النازي بتاريخ 20 تموز 1944، تمت إدانته وحكم بالإعدام ونفذ الحكم به.
المترجم (محاولة اغتيال هتلر جرت في 20 يوليو 1944، وهي أهم محاولة مقاومة عسكرية للإطاحة بعهد الاشتراكية القومية. كان قتل هتلر بالنسبة للمخططين شرطا أساسياً لنجاح المحاولة (قام كلاوس شينك جراف فون شتاوفنبرج بوضع عبوه ناسفة محلية الصنع في اجتماع عقد في مقر هتلر، انفجرت وأصيب هتلر بجراح بسيطة وهو ما أدى إلى فشل المحاولة . كان معظم الذين شاركوا في محاولة الانقلاب من طبقة النبلاء والجيش والإدارة، أعدم أكثر من 200 شخص، من بين من أعدموا كان المشير اروين فون فيتزليبن، و19 جنرالا و 26 عقيداً واثنين من السفراء وسبعة من الدبلوماسيين، ووزير وكذلك ثلاثة أمناء دولة ورئيس مكتب الشرطة الجنائية في الرايخ. كذلك العديد من رؤساء الدوائر الكبار، ورئيس الشرطة ورؤساء الحكومة في الدوائر المحلية، إضافة إلى راينولد فرانك).
يورغ أرمبروستر
درس أرمبروستر في كولونيا 1968-1973 العلوم الاجتماعية، العلوم السياسية، الاقتصاد ودراسات المسرح واللسانيات، قبل خمس سنوات من بدء عمله في قسم الإذاعة التابع لمحطة بث غرب ألمانيا WDR . عمل في ذات الوقت (1974-1978) أستاذا محاضرا في كلية الدراسات الاجتماعية في كولونيا. انتقل في عام 1979 إلى هايدلبيرغ ليعمل في محطة البث الإذاعية لجنوب ألمانيا (SDR) ، كمراسل ومقدم برامج حتى عام 1982. انتقل في عام 1982 إلى منهايم للعمل في التلفزيون وبقي يعمل كمراسل ومذيع في محطة البث لتلفزيون جنوب ألمانيا حتى عام 1986. واصل مسيرته بالعمل مع التلفزيون حتى عام 1988 محررا لشؤون السياسة الداخلية، وحتى عام 1994 كان مراسلا ومحررا للشؤون الخارجية. ترأس قسم الشؤون السياسة الخارجية من عام 1995- 1998 في نفس المحطة (SDR ). عمل كمراسل لتلفزيون ARD في الفترة من 1999 إلى حزيران/يوليو 2005 في منطقة الشرق الأوسط بمقرها في القاهرة. منذ بداية الحرب على العراق، تواجد في بغداد معظم الوقت. ترأس اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2005، إدارة قسم شؤون أوروبا والخارج في محطة بث غرب ألمانيا، وأشرف على إدارة برنامج مرآة العالم على تلفزيون ARD حتى كانون الثاني/يناير عام 2010. واعتباراً من 1 آب /أغسطس من نفس العام عاد مرة أخرى إلى القاهرة مراسلا ل ARD لمنطقة الشرق الأوسط. وشاءت المصادفة إن يكون أرمبروستر شاهدا معاصراً لحدث تاريخي هناك، فعندما تم الإعلان عن استقالة الرئيس حسني مبارك كان أرمبروستر يتحدث على الهواء مباشرة من خلال البث المباشر لنشرة الأخبار المسائية وتمكن في 11 فبراير2011، أثناء البث المباشر من التعليق مباشرة على رد فعل الحشود الهادرة مع الارتفاع المفاجئ للهتافات الاحتفالية من الشرفة المطلة على ميدان التحرير بينما كانت الكاميرا تنقل الحدث مباشرة .
أما فيما يتعلق بالأزمة السورية فقد قدم يورغ ارمبروستر تقاريره من دمشق، حيث كان عمله الصحفي هناك لا يمر إلا ضمن إشراف النظام: وهكذا فإن التصوير والمقابلات لا يمكن أن تتم إلا بعد موافقة وزارة الإعلام السورية .
أدار برنامج مرآة العالم للمرة الأخيرة في 9 كانون الأول/ديسمبر 2012. وفي كانون الثاني/ يناير عام 2013 قام بتسليم إدارة الاستوديوهات الخارجية ل ARD في القاهرة لفولكر شفينك . في 29 آذار/مارس 1013 تعرض أرمبروستر لإطلاق نار في شمال حلب سوريا وبعد إجراء جراحة طارئة له تم نقله إلى تركيا. حصل ذلك أثناء تصوير أرمبروستر فيلم وثائقي عن الحرب والسلام – الشرق الأوسط الجديد بالتعاون مع SWR والى جانبه مراسل المحطة مارتن دروم وقد وقعا وسط تبادل لإطلاق النار. في 1 أبريل عام 2013 ذهب أرمبروستر لإعادة التأهيل في مستشفى بشتوتغارت. استمر في كتابة التحليل السياسي للوضع في العالم العربي، بما في ذلك لنشرة (vorwaerts.de) إلى الأمام.