الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر – نظرة نقدية – بقلم بروفيسور كرستيان ترول

ترجمة د. حامد فضل الله

1. خلفية تمهيدية: التجديد الإسلامي

في البداية من المفيد أن نتبين الخلفية ونحدد الإطار الذي نريد من خلاله تقديم الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر. إن الحركات والاتجاهات التي تشغل العالم الإسلامي المعاصر يمكن تحليلها في المساحة المتوترة بين مفهومي الأصالة والحداثة. إن مثل هذا المدخل يضع في اعتباره الإسلام المعاصر في المساحة المتوترة بين الأصالة فيما يتعلق بأمور الحياة والفقه الديني النابعة من الماضي، والحداثة التي تحيل إلى الحاضر و “المستقبل” الذي لم يعد يجد المسلمون أنفسهم فيه كمحرك قوة ولذلك ليس بمقدورهم التحكم في تطور الفكر.

القرآن – أزلي وغير قابل للتغيير

القرآن الكتاب المنزل من عند الله يعتبر جوهر العقيدة الإسلامية. وهذا الكتاب يعتبر كتاباً أزلياً وغير قابل للتغيير من حيث الشكل و المضمون. ويعتقد المؤمنون به أنه يصلح لكل مكان وزمان وأنه يحوي بين دفتيه الحقيقة الأزلية. وفي المقابل تتسم فكرة الحداثة بالنسبية فيما يتعلق بالحقيقة وبعامل تطورها المستمر. فبالنسبة للحداثة لا يوجد أي شيء سواء كان مكتوباً أو منطوقاً لا يحق ولا يمكن للإنسان إعادة صياغته وتطويره أو التشكيك في صحته. وهكذا يجد الإسلام نفسه بين طرفي الرحى: رحى الحقيقة الأزلية الثابتة الموجودة بين دفة القرآن من ناحية، ومن ناحية أخرى رحى الحداثة التي ترى أن جميع الأمور قابلة لإعادة الصياغة والتطور الدائم. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل يوجد الحل في تحديث الإسلام أم في أسلمة الحداثة؟ ومن واجب المسلمين تقديم الإجابة عليه.
ومهما كان هذا المدخل مثيراً فمن ما يعيبه أنه يظل باقياً على السطح. هنا سوف تتم مواجهة بين الأصالة الإسلامية والحداثة التي تأتي من خارج الإسلام تماماً. وعلاوة على ذلك يقود هذا المدخل إلى سؤال الهوية المهددة من الخارج ويودي إلى خيارين إما الرضوخ وإما الانعزال. وكلا الأمرين يلقيان الرفض من أغلبية المسلمين. وإذا لزم إجراء مناقشة حول الاتجاهات الإسلامية المختلفة، فلا بد أن تنبع هذه المناقشة من عناصر من داخل العقيدة الإسلامية وليس من خارجها. ومن هنا يبدو انه من المناسب التطرق إلى المناقشة التي تدور بين الحرف والروح (العقل وبالألمانية – Geist) أي بين نزعة التأويل الحرفي للنصوص الدينية ونزعة التأويل الذي يستلهم روح النصوص. وهذا التحليل يتميز بأنه ينبع من داخل الإسلام وينطلق منه.

الإسلام الأصولي و إسلام التأويل الجديد – أي الإسلام طبقاً لروح النص

فيما يبدو هناك ثلاثة اتجاهات تنتشر في العالم الإسلامي. فعلى خلفية الإسلام الثقافي يوجد إسلام متزمت بمعنى إسلام قائم على التفسير الحرفي للنص. وبخلاف ذلك يوجد إسلام ينبع من التأويل الجديد، وهو الإسلام الذي يعتمد على تفسير روح النص لا حرفيته. والإسلام الثقافي (ويمكن هنا استخدام مصطلح الإسلام التقليدي ولا أحبذ هنا استخدام مصطلح الإسلام الشعبي) يعني الإسلام الذي يتم الاعتقاد بمبادئه وممارسة شعائره في مجتمع معين. فالمسلم التركي يعتمد على التفاسير السنية في فهمه للقرآن وعلى المذهب الحنفي في ميدان الأحكام الشرعية. ولكن هذا لا يمنع من وجود اتجاهات وجماعات داخل الأمة التركية ترى أنها تملك مرجعيات فقهية شرعية خاصة بها، مثل الحركات الصوفية الشعبية وتقديس الأولياء وبعض الممارسات السحرية التي يقوم بها بعض رجال الدين غير المؤهلين علمياً وكذلك بعض الناس الذين يقعون تحت تأثيرهم الفكري، والتي تتبنى في كثير من الأحوال بعض الطقوس الجاهلية وبعض الأفكار النابعة إما من داخل البلاد وإما من الثقافات الخارجية المحيطة بهم. وكل هذه العوامل هي التي تمثل ما نطلق علية الإسلام الثقافي. وهو وثيق الارتباط بالحضارة التي ينتمي إليها. وهو يُكون بذلك المجتمع الإسلامي ويساهم بقدر كبير في تشكيل شخصية الفرد المسلم وتحقيق توازنه النفسي وانسجامه مع محيطه. أي انه يمثل بالنسبة لكل مسلم المرجعية التي يعود إليها فيما يتعلق بالقيم والسلوك وبعبارة واحدة الثقافة الحقيقية للمجتمع الإسلامي. وطبقاً لمرجعية هذا الإسلام الثقافي بزغ ما نسميه الإسلام القائم على التفسير الحرفي للنص وهو ما يطلق عليه الآن أيضاً بالإسلامويه. ولكن أشكاله المتعددة تعود إلى زمن بعيد.

العلاقة الداخلية بين الإسلاموية والإسلام

ويتحول هذا الإسلام إلى أنظمة شرعية وحركات منتظمة وذلك عندما يجد نفسه مضطراً إلى الدفاع عن نفسه ضد قوى غير إسلامية. ولذلك فهو لا يخلو من اتجاهات متطرفة. إن الأسباب التي تفسر عودة الإسلاموية إلى الظهور حالياً متعددة. وفي مقدمة هذه الأسباب بدون شك سيطرة قوة ما يسمى “بالغرب” وضعف الوضع السياسي والاقتصادي وانكسار أمة الإسلام أمامه. وهنا يقع يبدو أمامنا مباشرةً مشهد أزمة اقتصادية وسياسية وثقافية، أي بعبارة واحدة أزمة تطور. وهذه الأزمة تدفع بعض المجموعات لشحذ الهمم للبحث عن مخرج لها. ومن الخطأ الاعتقاد بان إنهاء أسباب هذا الإحباط يقود مباشرة إلى اختفاء حالة الإسلاموية ويؤدي إلى الاندماج في “الإسلام الثقافي”. والسبب في ذلك أننا إذا تحركنا بين الإسلام الثقافي والإسلام السياسي فإننا نتبع حركة ديناميكية مستمرة. إن الأقوال والأوامر التي يعتقد أنه جاءت بناء على الوحي السماوي يتم تفسيرها حرفياً طبقاً للإسلام الأصولي ويبذل المؤمنون بذلك الجهود لمحاولة تطبيقها على أرض الواقع بصورة فعالة ، بما في ذلك استخدام القوة السياسية أو في حالات استثنائية بالأساليب الإرهابية.
هل يمكن شرح المنطق الذي يكمن وراء التفسير الحرفي الراديكالي للنصوص المقدسة بصورة أكثر دقة؟ الله هو الرب والخالق الذي يجب أن يعبده الجميع. وقد أنزل كتابه، القرآن، الذي فرض علينا اتباعه. ويشكل القرآن، بالإضافة لسنة الرسول الصحيحة، المرجع الأساسي للمسلم الذي ينبغي على أن يطبقه بحذافيره بدون الخروج عليه قيد أنملة. إن الدين يحتوي على إطار للسلوك لا ينبغي الخروج عليه مطلقاً. إن أمة الإسلام مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كما ورد في القرآن، سورة 3/104)، وطبقاً لهذا الأمر فالمسلمون مطالبون في كل مجالات الحياة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. على أن المعروف والمنكر يتوقف تحديدهما على القرآن والسنة وعلى هذا الأساس يتم الاستنباط العقلاني للشريعة وهذا يعني وجود رابطة داخلية بين الأصولية الإسلامية والإسلام وبالرغم من أنهما ليسا متطابقين ويجب التفريق الواضح بينهما، فالإسلام الأصولي على أي حال في نظر البعض وربما الكثير من المسلمين هو إسلام الاعتدال ولا يقود إلى الضلال وهو اقرب إلى الإسلام الشامل والكامل. فالإسلاموية بالنسبة لاتباعها ليس الإسلام الباطني وإنما الإسلام الصحيح الذي ينبغي على الجميع اتباعه.

إسلام التأويل الجديد

في نفس الوقت نشاهد هذه الأيام بزوغ إسلام يقوم على تفسير جديد نابع من الإسلام الثقافي أو كرد فعل للتجارب القاسية التي نجمت عن الإسلام الأيدلوجي الأصولي المعاصر ونحن نطلق عليه تسمية إسلام التأويل الجديد لأنه يحاول فتح باب الاجتهاد مرة أخرى (بمعنى السعي الشخصي لإيجاد أفكار تفسيرية جديدة للنصوص المقدسة الأساسية) وكان يعتقد أن هذا الباب قد أغلق تماماً في منتصف القرن العاشر. وإسلام التأويل الجديد يحتوي أيضاَ مثل الإسلام الأصولي على تيارات مختلفة واتجاهات عديدة حيث أن محاولة تصنيفها أو ترتيبها يؤدي فقط إلى اضطراب وبلبلة. وأهمية هذا الاجتهاد تكمن في شجاعة البعض على إعادة التفكير في الأحكام الفقهية والشرعية القديمة وصياغتها من جديد. وهذه الأحكام تعود إلى حوالي ألف سنة مضت وأعتقد الناس بصحتها طوال هذا الوقت وانتهاء أمر النظر فيها قطعياً. وهذه المحاولات الجديدة تتميز أهميتها بمعالجاتها للنصوص التأسيسية للإسلام وبمحاولة إيجاد تفسير جديد ليس طبقاً لحرفية النص، ويأخذون في الاعتبار المخاطرة والمغامرة التي لا يمكن تحاشيها عندما يتصدون لذلك وهذا الإسلام القائم على روح النص لا يقف الآن في مقدمة المشهد الاجتماعي السياسي والاجتماعي الديني، فهذه الصدارة يحتلها على أي حال تيار الحركات الإسلاموية، ولكنه يتمتع بميزة التوافق مع الأهداف والأفكار التي تتبناها أغلبية الناس. وبطبيعة الحال لا يتطرق الإسلام القائم على تفسير النصوص طبقاً لروح النص وليس حرفيته إلى جميع المسائل ويترك بعضها غامضاً مخافة التعرض للهجمات العدوانية من قبل الإسلامويين وكذلك من قبل الحكام المستبدين الذين يستخدمون الإسلام الثقافي لترسيخ الوضع القائم وتثبيته كما هو عليه الحال الآن. ولكن هذا التفسير طبقاً لروح النص يمكن أن يحمل في طياته بذور الأمل في مستقبل أفضل، حيث أنه يواجه بمرونة تحديات الحداثة بدون إنكار بعض الأحكام الإسلامية التي توصل إليها القدماء.

مناقشة حول الإسلام من داخله

تدور حالياً في كل مكان مناقشة حول الإسلام من داخله فالمسلم حالياً يجد نفسه موزعاً بين ممارسات الأفكار التقليدية النابعة من الإسلام الثقافي من ناحية والتطورات والإغراءات التي يحملها الإسلام السياسي الأصولي وكذا التفسير الجديد من ناحية أخرى ولا يمكن للمسلم المؤمن والمثقف في هذه الحالة إلا أن يسٍأل نفسه عن الإسلام الذي يرضاه ديناً لأطفاله. ويبدو أن الكثير من المسلمين يجدون أنفسهم في مواجهة طرح جديد للدين يحوز على رضاهم ومسئوليتهم الشخصية وعدم التسليم بالأحكام التي تصلهم من الوسط المحيط بهم.

2. هدف الدراسة وحدودها، تدقيق المفاهيم

بدون شك توجد الآن ظاهرة الفكر الإسلامي الجديد. ولكن السؤال هو أين الجديد فيها؟ الجديد هو النمط من الفكر الإسلامي المعاصر لدى البعض الذي يرى ضرورة إخضاع الأحكام التي نصفها بالإسلامية للتدقيق في ضوء التحولات المستجدة على أرض الواقع. ولا بد من التنويه هنا إلى أن هذا النمط من الفكر الجديد ليس مرتبطاً تماماً بأيدلوجية تقدمية. إنه فكر يعترف بإمكانية الوقوع في الأخطاء وعدم ديمومة الأحكام وإمكانية إعادة النظر فيها ولا يستثني نفسه من ذلك. ولذلك يطالب بضرورة نقد الذات بصفة دائمة. إنه يطالب بإعادة صياغة أحكام الماضي (وليس بإلغائها أو القضاء عليها نهائياً) وضرورة إتاحة الفرصة أمام كل مسلم وكل إنسان صادق للتوصل إلى حقيقة الرسالة الإسلامية عن طريق المعرفة العميقة لخلفيات النصوص بدون التعرض للتشويه الأيدلوجي المتعمد (راجع بن زينه، 2004، ص 13) وعلى ذلك ينظر المفكرون المعاصرون “للحداثة” بطريقة أخرى عن نظرة الإصلاحيين السابقين (من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) ويختلفون معهم اختلافاً جوهرياً فهم لا يكتفون باستخدام الفكر كمعيار شامل وبديهي فحسب وإنما ينظرون إليه كمكون اجتماعي يوجد داخل الممارسات العديدة والخطابات النظرية المختلفة. وبعبارة أخرى يرعى دعاة التفكير التقدمي الجديد ضرورة اتخاذ موقف نقدي من الحداثة وضرورة تعميق شعور المفكر بالمسؤولية الذاتية عند ممارسة حريته الكاملة في التفكير.
وكتب نصر حامد أبو زيد في جريدة الأهرام عام 2002 ما يلي:
“نحن في حاجة إلى حرية البحث في تراثنا الديني. وهذا الأمر هو الشرط الأساسي للتجديد الديني. لا بد لنا من رفع الحظر عن حرية التفكير. إن مجال التجديد لا حدود له. في عملية التجديد الديني لا يوجد ما يسمى المرافئ الآمنة التي يمكن أن تستثنى من عملية البحث العلمي الحر، لأن ذلك لو حدث فسوف يخلق نوعاً من الرقابة الفكرية التي لا مكان لها في تاريخ الفكر الإسلامي”.
( أنظر نصر حامد أبو زيد، الأهرام ويكلي 2002)
وهذا النداء يطالب بالحرية بصفة عامة وبخلق النظام الاجتماعي الذي يسمح لمثل هذا الفكر الحر ولا يؤدي إلى مصادرته بالقوة. وهو أيضاً لوم وعتاب ضمني للحكومات التي تستخدم الدين بلا انقطاع لتحقيق الأغراض السياسية وهذا الأمر يشبه ما تفعله الجماعات الإسلامية الأصولية بالدين.
إن النقد العلمي العلني “للظاهرة الدينية وللخطاب الديني” هو أمر جديد بالنسبة للمجتمعات الإسلامية. ولذلك يتم وصم دعاة الفكر الجديد دائماً بالمرتدين. فهم ومفاهيمهم لا تروق للمؤسسة السياسية الحاكمة لأنهم بالإضافة إلى بحث المسائل الدينية يتطرقون إلى الخوض في المشاكل الحالية والتي هي وثيقة الصلة بقضية العلاقة بين الدين والدولة وأيضاً بين الشريعة والقانون (وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وتحرير المرأة) وكذلك الأمر بالنسبة للقضايا الاجتماعية مثل الرؤية الإسلامية للعلاقة بين الدين والعدالة الاجتماعية أو مسألة ما إذا كان الدين الإسلامي يحمل في طياته نظامه الاجتماعي والسياسي الخاص به. ومن الخطأ الجسيم أن يقوم أعداء هذا التيار الفكري الجديد باتهام أصحاب هذا التيار بأنهم ارتموا في أحضان الفكر الغربي وقبلوا القيم الفكرية الغربية بدون نقد أو تمحيص. وفي الحقيقة فالتحديث بالنسبة لأصحاب هذا التيار لا يعني أبداً الحداثة الغربية.
إن التحديث يعني عندهم الضوء الذي نتج عن المعلومات الحديثة والتي يتمكن الباحث من خلاله على ممارسة النقد الموضوعي. ولذلك يؤيد أصحاب تيار التفكير الحر عند دراستهم وتفسيرهم للنصوص استخدام أدوات المعرفة الحديثة التي تشملها العلوم الاجتماعية الحديثة (مثل علم اللغويات والسيميوطيقا –علم العلامات- وعلم دراسات الأديان المقارنة وعلم الاجتماع).
إن أصحاب الفكر التقدمي لا يكونون مدرسة فكرية ولا تشغلهم جمعياً نفس القضايا. ومع ذلك يمكننا أن نوافق على ما قاله رشيد بن زينه:
“إن الذي يجمع هؤلاء هو البحث عن معرفة محايدة عن طريق دراسة القرآن والسنة والإسلام بصورة عامة دراسة أكاديمية تحترم المناهج العلمية الجامعية وتلتزم بوسائلها”. (راجع بن زينه، 2004، ص 18)
ونذكر هنا من أصحاب ذلك التيار على سبيل المثال: محمد أركون (فرنسا/الجزائر)، ليلة بابيس (الجزائر/فرنسا) عبد الكريم سوروش (إيران)، نصر حامد أبو زيد (مصر/هولندا)، عبده الفيلالي الأنصاري (المغرب)، عبد المجيد شرفى (تونس)، فريد أسحق (جنوب أفريقيا/الولايات المتحدة الأمريكية)، إبراهيم موسى (الولايات المتحدة الأمريكية)، أصغر على أنجنيير (الهند)، عبد الله النعيم (السودان/الولايات المتحدة الأمريكية)، أمينة ودود (الولايات المتحدة الأمريكية)، فاطمة المرنيسي (المغرب)، خالد أبو الفضل (الولايات المتحدة الأمريكية)، نورشوليش مجيد (إندونيسيا)، فارش نور (ماليزيا)، عمر أوزوسوى (تركيا)….الخ.

3. النطاق التاريخي للتفكير التقدمي

لقد ظهرت حركة التجديد في الفكر الإسلامي والنهضة الإسلامية منذ نهاية القرن الثامن عشر في زمن التبعية السياسية للدول الإسلامية إلى الغرب المستعمر. والآن يعيش المسلمون زمن الاستقلال السياسي ولكنهم ذاقوا مرارة الدكتاتورية والفساد في معظم البلدان الإسلامية. وبطبيعة الحال لم تتلاشى تماماً علاقات التبعية للغرب ولكنها أخذت أشكالاً أخرى. وعلاوة على ذلك يعيش بعض المسلمين كأقلية تتزايد نسبتهم في مجتمعات لا تدين بالدين الإسلامي.
وكما هو الحال بالنسبة للإسلاميين الأصوليين يمكن النظر إلى دعاة الفكر التقدمي إلى حد ما كنتاج لعملية الديمقراطية والدراسة الجامعية. وبعض هؤلاء المفكرين أساتذة متخصصون في العلوم الدينية، ولكن الغالبية ليست كذلك. ويمكن القول أن معظمهم درس العلوم الإنسانية، أما معظم الأصوليين فقد درسوا التكنولوجيا والعلوم الطبيعية. إن المفكرين التقدميين على قناعة بأنه لا يمكن الاكتفاء بتحديث المجتمعات الإسلامية في مجال العلوم الطبيعية والتقنيه وفي عين الوقت أيضاً عدم المساس بالنص المدون (بالألمانية Korpus) للتفسيرات الدينية التقليدية. فضل الرحمن الذي ندين له هنا في هذا التحليل للفكر التقدمي من خلال إشاراته الحاسمة يقول في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه “الإسلام” 1979 ما يلي:
“في الوقت الحالي يمكن القول بأن الفكر الإسلامي قد لفظ أنفاسه والعالم الإسلامي يمثل صحراء فكرية قاحلة لا تنهض من أعماقه أي أفكار ومحاولة الخروج من هذا الصمت القاتل يشبه فرفرة (ارتجاف) جناح. وهو مجتمع الجيل الناشئ (بداية ثلاثينيات القرن الماضي) الذي يتوسل له محمد إقبال بدعوته القائلة: أدعو الله أن يضع فكركم في عاصفة (جديدة) حيث لا توجد حياة في مياه بحاركم”.
ولكن لماذا كانت الخمسون عاماً بعد وفاة إقبال مجدبةً؟ ويمكن أن تكون الإجابة هي: في السنوات الخمسين الماضية انشغل العالم الإسلامي بمعارك التحرر من الاستعمار الغربي وبعدها ببرامج إعادة البناء. وصحيح أيضاً بلا شك أنه عندما يكون الناس تحت ضغط غير عادي ويواجهون تحديات هائلة يصل إبداعهم إلى أبعاد غير مألوفة. ولكن كيف تكون إعادة البناء؟ عندما لا يلعب البناء الفكري والتجديد العقلاني إلا دوراً ضئيلاً أو حتى لا دور إطلاقاً (فضل الرحمن 1979 ص 263 – 264). كما أن الضغط الهائل الناتج من التحديات الجديدة وتسارع الدعوة للعلمانية والتي وصلت إلى درجة عالية في أوساط ومجتمعات ودول إسلامية دفعت برفع وتيرة الفكر التقدمي في كل مكان وبعض هذه الدول الإسلامية كانت قد عاشت تجربة (مثل حكم الملالي في إيران وطالبان في أفغانستان) وكما أن تجربة المعارك مع الحركات الإسلاموية ضد أنظمتهم الدكتاتورية والدفاع عنها لعب دوراً في تكريس الحالة الراهنة.
في الواقع يهتم كل المفكرين التقدميين بإعادة النظر في المكانة التي يجب أن يحتلها الدين مع التنامي المتزايد على الدوام لعلمنة العالم بالرغم من ما يبدو في الظاهر عكس ذلك. فقد اجتاحت العلمنة فجأةً العالم الإسلامي بدون تحضير ونضوج داخلي لشروطها. هذه العملية تضع الفكر الإسلامي مباشرةً أمام السؤال: كيف يمكن التوفيق بين الدين (الحقيقة الثابتة) وبين التحول؟
لقد طرح عبد الكريم سوروش (المولود عام 1945) هذا السؤال على نفسه منذ فترة طويلة وكانت إجابته هي: كل فروع العلم والمعرفة في حالة تحول مستمر. أي تغيير في منحى من نواحي العلم يقود بالضرورة إلى تعديلات في مجالات أخرى بما في ذلك الفقه الإسلامي. وهنا طور عبد الكريم سوروش تدريجياً “نظرية تمدد وتقلص المعرفة الدينية” وتوصل طبقاً لهذه النظرية إلى قناعةٍ بأنه في إطار التطور لا بد أن يظل الفقه الإسلامي في حالة تمدد مع الأخذ في الاعتبار مواكبة التطورات التي طرأت في مجالات دينية أخرى. (راجع عبد الكريم سوروش، 2002)
وطبقاً لدعاة التفكير التقدمي لا يمكن التصدي لمتطلبات الحداثة والوصول إلى القيم الإنسانية للعقيدة الإسلامية بدون القيام بعملية تفسير جديد موضوعي ومحايد للنصوص المقدسة. وهذا من شأنه أن يفضي إلى مواكبة التفسيرات للقضايا الإنسانية المطروحة، مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وسوف يتم ذلك بضمير مستريح إزاء القرآن والسنة وجدل مع الفكر النقدي للحداثة.

4. بعض أفكار وحجج الفكر الجديد

لا يمكن في هذا الإطار أن نذكر جميع أفراد تيار التفكير الإسلامي الجديد أو اختيار الأسس الهامة لهذا الفكر، كما تتطلبه المساواة وسوف نختار بصورة اعتباطية بعض الحجج التي يسوقها أصحاب هذا التيار لبعض القضايا الأساسية التي تتفق مع سياق نقاشنا. ولا يجب أن يفهم البعض أن اختيارنا لبعض رموز هذا التيار يدل على علو مكانتهم الفكرية في ميدان الفكر التقدمي عن الآخرين.

4.1 ما هو الإسلام؟ تراث حضاري تدرجي

عالج أحمد كرا مصطفى „Ahmet Karamustafa“ المحاضر بجامعة واشنطن في ميدان العلوم الإسلامية في مقالته “الإسلام: مشروع حضاري في حالة تقدم” السؤال الأساسي الذي يشغل دائماً المفكرين التقدميين وهو تحديد مفهوم الإسلام. ويمكن إيجاز إجابته الخطيرة العواقب كالأتي: إن مفهوم “الدين” بسبب عدم وضوحه وغموضه يمكن بالكاد تطبيقه عموماً على الإسلام والكاتب يوحي بصورة مضللة بأن الإسلام هو حقيقة واضحة محددة وأيضاً لا يمكن تطابق الإسلام مع الثقافات الإنسانية المختلفة وكذلك الثقافات المختلفة التي تعرف نفسها بأنها إسلامية لا يمكن تصنيفها هرمياً تراتبياً على أساس القرب أو البعد من إسلام متصور.
ولا يبقى سوى التعريف الشائع للإسلام بالممارسات المفروضة والتي نعرفها من خلال الأركان الخمسة. وهذا أيضاً موقف غير مقنع، فبنظرة نقدية دقيقة فإن الجزء الوحيد من الأركان الخمسة والذي لا يزال باقياً كرمز لكل المسلمين هو الشهادة وهي (بصيغة مختصرة) “أشهد أن لا إله إلا الله” [واشهد أن محمداً رسول الله – المترجم].
والذي لا يعترف بالشهادة لا يعتبر في الواقع مسلماً وهذا التعريف للإسلام من الشهادة له قيمة فقط هنا عندما يوضع كإطار حضاري وبكلمات أخرى حتى نصل إلى الصيغة الإيجابية لنظرية كرا مصطفى: بالتأكيد يمتلك الإسلام في محوره بعض ممارسات وأفكار أساسية ولكن الأهم أدراك الروح الديناميكية التي تجعل المسلمين دائماً في ظروف تاريخية محددة أن يجمعوا على هذه الممارسات وبؤرة الأفكار ويجب على المرء أن لا يضعها أيضاً في صيغة صارمة سواء كانت غير تاريخية أو مثالية متخيلة. وبكلمات أخرى “الإسلام مشروع حضاري تدرجي ويتطور من داخله تراث حضاري والذي ينتج من بوتقته إمكانية مشاريع اجتماعية وثقافية لا تحصى للحياة الإنسانية على الأرض” (Karamustafa، 2003، ص 109)
من هذا المنظور تنشأ حسب كرا مصطفى نتائج منها: إذا فهم الإسلام كمشروع حضاري يتجلى كظاهرة ديناميكية تتطور من داخله والتي لا يمكن بأي أسلوب تحديدها أو تجسيدها. وهذه الحقيقة أي الظاهرة التي يطغى عليها النداء الإسلاموي غير الواقعي والوهمي لتأسيس الإسلام الحقيقي أو لاتحاد سياسي أيدلوجي لكل المسلمين، يجب الاحتفاء بها.
إن الرؤية التي عرضت هنا عن الإسلام، تظهر الإسلام كتراث حقيقي عالمي متطور وكتراث لا يحتاج أن يبتعد عن أي جنس أو لغة أو ثقافة. أو بقول أخر تتيح لنا هذه الرؤية تقدير واحترام الأبعاد المتعدية للثقافات والإثنيات والقوميات أو باختصار الأبعاد الإنسية (الإنسانية) للإسلام. وبجانب ذلك ينظر للإسلام كتراث متفاعل ومتداخل، فهو يضرب جذوره في الثقافات التي يتصل بها، فيشكلها ويصلحها، ولذا توجد ثقافات إسلامية أخرى أيضاً على الكرة الأرضية وكلها شريكة متساوية في بناء وتجديد التراث الإسلامي الحضاري.

4.2. إسلام النقد – إسلام عارٍ من التبرير (الاعتذار)

يشير إبراهيم موسى وهو وأحد من أهم أصحاب التيار التقدمي للفكر الإسلامي والمحاضر بجامعة ديوك في شمال كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الملامح الرئيسية للفكر التقدمي ويقارن بينه وبين فكر الحداثيين المسلمين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، الذين اعتبروا الحداثة حليفتهم وأعطوا العقلانية بصورة خاصة قيمة عالية، ومثلَ العقل لهم أهم معيار كسلاح قاطع في معركتهم مع الغرب، واستخدموه أيضاً في مكافحة الخرافات والعادات الشعبية المتدنية وكذلك توسموا من المعيار العقلاني التحرر من أية مرجعيات دينية خارجية، سواء كانت صوفية أو لاهوتية أو تعاليم شريعة، بالإضافة إلى ذلك اعتقدوا بإمكانية توصلهم مباشرة بواسطة الطرق العقلانية إلى الرسالة الأصلية للقرآن. ولكن لم يدرك هؤلاء المفكرون الوضوح النقدي للمعرفة الحديثة الذي أنجزته العلوم الإنسانية الحديثة. ولم يوجد بينهم بالكاد علماء كانوا على إدراك واستعداد ومقدرة لتطبيق علم التاريخ النقدي وعلم الأدب النقدي وعلم الاجتماع وعلم النفس في مجال تأويل القرآن والسنة وكذلك مجال التاريخ والنظم الاجتماعية ومجال فهم علم الكلام وعلم القانون.
لقد راودهم الخوف المشروع بأن القبول التام للحداثة كتقليد فلسفي ربما يؤدي إلى تفتيت الإسلام كعقيدة، كما عاشوا على قناعة بأن علم المعرفة ما قبل الحداثة المتأصل في علم الكلام وعلم الفقه يستطيع أن يقاوم تدمير الحداثة أو بالأحرى يمكن أن يتوافق بصورة أفضل حتى مع علم المعرفة الحديثة.
إلا إن هذا التحايل، بالرغم من حسن النية، يتسم بالسذاجة، إذ أن غالبية هؤلاء المصلحين اعتبروا الحداثة وموروثها الفلسفي مجرد أداة لتشجيع وشرح تقاليد ومعرفة ما قبل الحداثة للدين. وهذا يوضح بأنهم لم يعرفوا أو تجاهلوا الحداثة في مداها الشامل.
إن الطريق إلى تحليل جديد ومقنع يتعدى الأوضاع المشار إليها، يستلزم قبل كل شئ، حسب إبراهيم موسى، تجنب خطأين تتصف بهما المدونات الحديثة.
أولاً: التجسيم (بالإنجليزية Reification) في مثل هذا الفكر تُختزل وتتحول التجارب والممارسات الذاتية إلى سلسلة من مشروعات وأفكار وأشياء. ولهذا ليس نادراً التصور المثالي للموروث القديم فيما يتعلق بالفترة الأولى لتاريخ المسلمين والقول بأن روح الإسلام تكمن في العدالة والمساواة والإنسانية، وهي كقيم منفردة أو مركبة مع بعضها البعض تُمثل طبيعة، جوهر الإسلام الذي من خلاله يُفهم أيضاً ما يأتي بعد ذلك ولكن فات عليهم اطلاعنا بدقة وعموماً متى وإلى أي مدى كانت هذه القيم واضحة بالفعل في السلوك والممارسات اليومية للمسلمين القدامى.
ثانياً: يجب تجاوز العقلية التبريرية المسيطرة الآن، حيث توجد عناصر بطريركية (أبوية) التركيب وسلوك حياتي وقناعات مصوغة في القرآن والسنة يتم تفسيرها بمنهج استبعادي وغير مقبول. ومن خلال عقدة النقص غير الصحيحة عن الحاضر والهروب أمام التاريخ والهروب من الفهم النقدي له.
إن أصحاب هذا المنهج في التفكير من المسلمين لا يؤمنون بتجربتهم الشخصية في الحاضر ويرفضون اتخاذ هذه التجربة الحية كحافز لهم للعمل على التجديد والتحول والتلاؤم. وهذا له علاقة بالاعتقاد المرضي بتفوق الماضي وعدم قدرة أغلب المسلمين اتخاذ الحاضر، الذي هو ثمرة النهضة والإنجازات الكبيرة في ميدان العلوم الإنسانية الحديثة، كفرصة طيبة لتطوير الإسلام.

4.3. البحث عن القيم الخلقية التي يعارضها أصحاب السلطة

لقد قدم خالد أبو الفضل المحاضر المحاضر بكلية القانون كاليفورنيا/لوس أنجلوس (UCLA) في كتابه الموسوم “التحدث باسم الله” (أبو الفضل 2003)، دراسة نقدية للأسس الأخلاقية للنظام القانوني في الإسلام. وكما يقول اليوم فان هذا النظام القانوني للإسلام الذي قام على التفسير السلطوي للقرآن والحديث، أسفر عن عواقب وخيمة لقطاعات في المجتمع الإسلامي وخاصة بالنسبة للنساء. ويخشى أبو الفضل بأن هذه السلطوية للقانون الإسلامي أضاعت عملياً ليس فقط أي اندماج واحترام فحسب بل أيضاً التطبيق والديناميكية للقانون الإسلامي في العالم المعاصر. وبجانب التبرير للفاعلين النشطاء والدغمائية المشلولة (التعصب العقلي) لخبراء القانون الإسلامي المعاصر لم يبق الآن سواء القليل من التراث الثمين والشامل للقانون الإسلامي. فإذا كان هذا يمثل أساس المنهج الذي يعكس حياة دينية تلتمس الإلهي وكمشروع يدبر ويوازن جوهر قيم الشريعة والتطلع إلى حياة أخلاقية، إذن يجب الإقرار حسب قول “أبو الفضل” بأن الشريعة قد انهارت بل اختفت عبر القرون الثلاثة الأخيرة وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
وبالنظر إلى آثار الأحكام الإسلامية المتعلقة بالنساء يصل أبو الفضل إلى نتيجة قاتلة وهو يُقيم أقواله النقدية من بين وكمثال، الأحكام التي تصدرها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (C.R.L.O.) التابعة للمملكة العربية السعودية والمنوط بها تقديم الفتاوى الإسلامية ولها سلطانها القوي في نشر الفكر السلفي والفكر الوهابي (Salafabismus) في جميع أرجاء العالم ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال: تحريم زيارة المرأة لقبر زوجها وتحريم صلاتها بصوت مرتفع وتحريم قيادتها للسيارة وتحريم سفرها بدون محرم، بدعوى أن مثل هذه الأفعال تمثل بالضرورة إغراء غير محتمل للرجال وهذه الأمور تمثل لأبي الفضل إشكالية أخلاقية ويتساءل بلهجة لطيفة: إذا كان الرجل بمثل هذا الضعف، فلماذا تدفع المرأة الثمن؟
ولأن النظام القانوني لا يعمل في فراغ أخلاقي، يجب على المسلمين طبقاً لأبي الفضل أن يفكروا بجدية في ذلك ويحددوا التصورات الأخلاقية للقانون الإسلامي الذي ينبغي الاسترشاد بها في زمننا هذا.
ما هو الأمر أو ماذا يتمخض عن مثل هذا النوع من الأحكام القانونية؟ وعندما يقال بأن مثل هذه الأحكام ليس لها أي علاقة بالدين وإنما هي نتاج يُمثل تماماً البطريركية الثقافية الاجتماعية للفضاءات المحيطة، وهذا يمكن الاتفاق عليه فقط، ولكن بمعنى أخر وبحدة غير متوقعه يضيف أبو الفضل: “أنه ليس من الأمانة الادعاء بأن هذه الأحكام لا يوجد لها سند في المصادر الإسلامية وكما وضحت هذه الدراسة فهناك سند لها في عدة سوابق وعادات. ولكن يمكن للمرء أن يبرهن بأسس موضوعية بأن هذه الأحكام لا تتفق مع الأخلاق الإسلامية”. (أبو الفضل 2003، ص 270)
إذا كان الإسلام رسالة كونية كما يحاجج أبو الفضل، فإذن يجب أن يكون خطابه عن أسئلة الأخلاق والعدالة ذا بصيرة وعقلانية خارج الحدود الضيقة لثقافة قانونية خاصة في محيط ثقافي محدد. وأبو الفضل لا يمثل فكرة وضع قانون كوني عام ولا إلغاء أي خصوصية ثقافية ولكن من ينادي بالعمل في عبادة الله لابد أن ينادي بالعمل في خدمة العدالة ومن ينادي بخدمة العدالة لابد من أن يعمل على تحقيق قيم العدل والأخلاق والقيم الإنسانية.

4.4. الضرورة الملحة لإصلاح القانون الإسلامي وخاصة فيما يتعلق بحق حرية العقيدة الدينية

إن المفكر السوداني المُؤثر والمقيم حالياً في الولايات المتحدة عبد الله أحمد النعيم يشعر كمسلم بأنه عاجز عن قبول قانون الردة بوصفه جانباً من قانون الإسلام اليوم. لو اعتبر الرأي الشائع عن الردة سليماً اليوم، لجاز إعدام المسلم في دولة إسلامية معينة لتعبيره عن آراء ترى الغالبية العظمى من سكانها إنها ترقى إلى مستوى الردة. وعلى سبيل المثال، فأنه من بعض المنظورات السُنية، تشكل أراء كثيرين من مسلمي الشيعة ردة عن الإسلام، في حين تشكل آراء الكثيرين من مسلمي السُنة من بعض المنظورات الشيعية ردة عنه. ولو طبق اليوم قانون الشريعة الخاص بالردة لجاز الحكم بإعدام بعض مسلمي الشيعة في دولة سُنية والعكس أيضاً. ولا مبالغة في ذلك مطلقاً فالنظرة الفاحصة للتاريخ وحتى زمننا هذا تثبت ذلك. ويضيف النعيم ما دام قانون الشريعة العام يعتبر في الواقع الشكل الإسلامي الوحيد الساري للقانون الإسلامي، فأن معظم المسلمين سيجدون صعوبة بالغة في الاعتراض جهراً على أي من مبادئه وقواعده، أو مقاومة دلالاتها العملية، مهما بدأت لهم هذه المبادئ والقواعد شائنة وغير مناسبة. إن الشريعة “صيغت” من فقهاء مسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى لظهور الإسلام، ورغم أن الشريعة مستقاة من المصادر الإلهية الأساسية بالإسلام، القرآن والسنة، فهي ليست إلهية، حيث أنها نتاج تفسير بشري لهذه المصادر. وعلاوة على ذلك فقد تمت هذه العملية طبقاً لتفسير بشري في سياق تاريخي معين، يختلف جذرياً عن السياق الذي نعيشه حالياً. لذلك فإنه بوسع المسلمين المعاصرين الاضطلاع بمهمة مماثلة من تفسير وتطبيق القرآن والسنة في السياق التاريخي الراهن حتى يخرجوا بقانون إسلامي بديل، يناسبهم تطبيقه اليوم. ويكتب النعيم: “إن قناعتي كمسلم بأن القانون العام في الشريعة لا يمثل قانون الإسلام الذي يطالب المسلمون المعاصرون بتطبيقه على أساس أن هذا التطبيق التزام ديني” (AN-NAIM، 1996، ص 187) (1)
وهو يقترح منهجية للإصلاح تقوم على قاعدة منفتحة على مبدأ التطور “evolutionary Principle” وأيضاً على الآراء الأساسية لأستاذه المفكر محمود محمد طه(2). ولكن يضيف النعيم: وسواء قبل المسلمون المعاصرون أو رفضوا هذا المنهاج المعين، فإن الحاجة إلى إصلاح جذري للقانون العام في الشريعة ستظل قائمة دون منازعة. (AN-NAIM، ص 186)

5. التحدي الأصولي: القراءة التأويلية للقرآن

يذكرنا دائماً المفكرون التقدميون للإسلام المعاصر أو “المفكرون الجدد”، بأن القرآن كتاب مفتوح للمسلمين وغير المسلمين جميعاً. فالقرآن يخاطب جميع الناس، فقراءته والاستماع إليه يمثل التحدي للاهتداء القويم للإيمان (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) وبجانب ذلك فأن القرآن كما يؤكد محمد أركون، والذي ينادي به اليوم “الملايين من المؤمنين لتأمين شرعية سلوكهم ولتدعيم كفاحهم، تقوية قناعاتهم الإيمانية والاتفاق على الهُوية المشتركة في مواجهة القوى المتحدة للحضارة الصناعية” (ص 1، 1982،ARKOUN)
بهذا المعنى يحتاج جزء كبير من عالمنا إلى فهم صحيح للقرآن.
فالقرآن يبقى كواحد من الكتب التي تغني الذاكرة وعالم الخيال (المخيال) للبشرية. إن المفكرين المعاصرين يتلقون الآن بوعي الأسئلة المتعلقة بالقرآن التي نتجت من وجهات النظر المعاصرة والخطابات العلمية، ويتساءل بعضهم كيف يستطيع المرء الحصول على مداخل أو استشهاد بنص معين معقد، نص يختلف في مشاعره وتصوره للعالم، اختلافاً جذرياً عن بعض تصوراتنا؟
ويجيبون على هذا التحدي باستخدام المنهج التاريخي النقدي والذي يهدف إلى تخطي الفترة الزمنية التي تباعد بين القارئ والمستمع الحالي وبين نص من القرن السابع. إن المنهج التاريخي النقدي يحاول وضع النص في سياق تكوَّنه.ويرى أن القرآن هو جزء من التاريخ. فالقرآن كلام الله ولكنه موصوم بالتاريخية. إن تاريخيته كما عبر بن زين “متجسدة” في تلاصق النص (طبيعته وتركيبه). هذا النص المتلاصق يأخذ شكل خطاب مترابط شبكي كثيف (بالفرنسية maillage) (والذي يتألف من كلمات وأقوال وتنبؤات وعلى نحو ما نزل على قلب وعلى لسان النبي)، ثم صار مخطوطاً وأخيراً كتاباً. (BENZINE، 2004، ص 278)
ومعنى ذلك أن الله وضع كلمته في قالب لغوي بشري وضمن ثقافة معينة، وجمع الناس كلام الله ثم وضعوه بين دفتي كتاب: فالمصحف كما هو معروف يمثل مجهوداً جماعياً. وطبقاً لهذا التصور الجديد، فالقرآن يتحدث عن حقائق أزلية ولكنه ينقلها لنا في صورة ثقافة معينة لا كونية وهي ثقافة عرب الحجاز في القرن السابع والثامن.
هناك آخرون يريدون أن يعرفوا كيف يتكلم النص ويؤدي وظيفته؟ فهذا الخطاب الإلهي في “لغة بشرية” يعرض كمدونة كلية تحتوي على كلمات وجمل منسوجة بشكل بليغ ومرتبطة مع بعضها البعض، ولذلك فالقرآن يمثل في هذا الإطار تحفة أدبية وخطاب أخلاقي ورمزي وتقرير تاريخي وكذلك يمتد إلى خطاب من رموز وأساطير وأيضاَ إلى أحكام قانونية قليلة. وطبقاَ لذلك تأتي في القرآن أشكال أدبية مختلفة تختلف حسب الموضع الذي تواردت فيه.
وحالياً يلزم لفهم القرآن فهماً صحيحاً استخدام علم اللغة وعلم الأدب، وعلى ذلك تركز مجموعة من المفكرين الجدد ومنهم بالأخص المصري نصر حامد أبو زيد (مولود عام 1943) أستاذ الآداب والمحاضر حالياً في لأيدن (هولندا). ومن بين المناهج الأدبية تُجيز التحليلات البلاغية والسردية للمؤمن، مستندة إلى النص في صياغته النهاية، إضفاء العصرنة (التحيين بالألمانية Aktualisierung) الضرورية على القرآن في الحياة.
إن الأشكال الأدبية للقرآن تحتل أهمية بالغة لأنها تعطينا معلومات عن كيف استخدم النص الحالي في سياق تكوُنه وما هي الوظائف التي حققها وقتها. بينما هنا تسيطر وظيفة الفهم، تظهر هناك وظيفة المقدس، بينما في مكان آخر تتجلى “فقط” متعة كلمة الله المسموعة. ولذلك يمكن من خلال أساليب النص وفي أماكن متفرقة الحصول على الأجوبة التي أعطيت على أية هموم خاصة بذلك الوقت.
ولكن سواء الأمر يتعلق بالقرآن أو بأي نص آخر، فلكي يفهم المرء لا يساعد في ذلك معرفة أسباب كتابته وما نجده في البيئة المحيطة به (علم الأنثربولوجيا، علم الآثار، علم الكتابات والبيئة السياسية والاجتماعية وتاريخ الثقافة) فحسب بل معرفة تركيبه الأدبي (مفرداته، قواعده، أسلوبه وعلاقته باللغات السابقة عليه والمحيطة به). أن قراءة وفهم النص يجب أن لا يختصر على معرفة تَشكله وإنما أولاَ من اتحاد كل العوامل التي جاء ذكرها سابقاً وثم بعد ذلك من قراءته. إن الدراسات التأويليه تظهر الغامض من القرآن، لأن فعل القراءة وكأنه ينتج المعرفة والمعنى. إن القراءة أو السمع هو في البداية نشاط يقوم به في الأساس القارئ أو المستمع. ولا توجد قراءة بدون قارئ ولا استماع بدون سامع. ومعنى النص يوجد في البداية عند المستمع /القارئ وتوجد رغبة أخاذة حميمية عند البعض لتفكيك النص لمعرفة كيف يؤدي وظيفته. ولكن مثل هذه “الآلية الميكانيكية” ليست كافية للوصول إلى معنى النص، فالنص يبدأ أولاً في الوضوح على حقيقته للمستمع أو القارئ عندما يصل القارئ إلى قناعة بأن أحد أجزاء أو أحد جوانب النص تتفق على الأقل مع تجربة عاشها أو شاهدها. إن المستمع أو القارئ هو الذي يكتشف تدريجياً في نسيج النص الطرق التي تجذبه إليه. ومما تقدم يظهر: أنه لا توجد طريقة للولوج إلى النص القرآني – مثله مثل ٍأي نص آخر مقارن به – إلا من خلال منظور ثقافة جزئية أي ثقافة القارئ أو المستمع.
إن الفهم وحتى الجيد منه، يبقى دائماً مرتبطاً بطبيعة القراءة غير المكتملة والانحياز (التحزب) الذي يلازم كل قارئ. فكل قراءة هي قراءة سياقية. ولذلك لا توجد منهجيات تسمح باستنتاج فهم واحد “موضوعي” من أي نص معروف. فالقرآن لا يمكن أن تختصر قراءته على منظور واحد. ولذلك لا توجد قراءة حقيقية واحدة لكل الأزمنة.

6. بعض الملاحظات الختامية


6.1. المنهج التاريخي النقدي والعقيدة الدينية

بالنسبة للفكر التقدمي الإسلامي لا يوجد تعارض بين الدراسة العلمية والتحليل الأدبي وبين دراسة القرآن دراسة دينية إيمانية. بل يقول أصحاب هذا التيار بأنفسهم، بأن هذا المنهج يثري ويكمل التحليل العلمي ويعطيهم الأساس الفكري السليم. إن المعلومات المستقاة من النصوص لا تقدم من نفسها الفهم الديني الصحيح لكلمة الوحي. لكنها تريد وتستطيع أيضاً أن تساهم في الوصول إلى ذروة فهم النص وبذلك المعنى الديني الصحيح الذي ينسب إلى رسالة الوحي. وعندما يبين المفكرون التقدميون الأبعاد الرمزية والميثولوجية في الخطاب القرآني فإنهم يبرزون كذلك كيف تشكل القرآن كحقيقة أزلية. لا توجد ثقافة دينية بدون أسطورة (بالألمانية Mythus). فالأسطورة ترمز وتشكل أحد أبعاد وعينا في الحاضر والمستقبل. فالقرآن يتمتع بقيمة دائمة لأنه يروي قصص والمؤمن يجد بينها ما تحكي قصته الذاتية. وليس كل القصص التي وردت في القرآن تتمتع بقيمة خارج إطار الزمن الذي حدثت فيه. ولكن الأحداث التي رواها القرآن لها تأثيرها على حياة الفرد وحياة الجماعة في الحاضر والمستقبل.

6.2. المنهج النقدي الجديد وأهميته في تحقيق شعور روحاني أصيل

عندما نتحدث عن منهج جديد وسليم لتفسير القرآن، فلا يعني هذا أهمية الجانب المعرفي والفكري فحسب، بل نلامس أيضاً قيمة الإيمان والتدين في علم الدين الإسلامي والفكر الديني الإسلامي. وكذلك توجد في الواقع أيضاً وجهة نظر أخرى وما يتبعها من منهج للتفسير، التي تفهم القرآن، ليس باتباع الحديث إليه فحسب وإنما حتى ما يستنبط من قواعد قانونية شرعية واعتقاديه، وهذا يقود المؤمن إلى أن تقتصر علاقته مع النص على ما يستفيد منه فقط هو. وفي هذه الحالة لا تتخطى العلاقة مع القرآن، أبعد من استخدام النص لإرضاء الضرورات الشرعية والدغمائية السارية المفعول. أن الخطورة من هذا الأمر تجعل الموقف من القرآن قائم على الجانب النفعي فقط. وهذه العقلية تؤدي إلى تضييق أفق الإيمان، فمثل هذا المسلم لا يرى في علاقته مع القرآن سوى الجانب السطحي والنفعي. إن هذا الإيمان الذي يتشكل من منبع هذه العقلية وهذا التفسير يقوم على شعور متكرر لا يرقى إليه الشك وبكلمات أخرى، مثل هذا الإيمان لا يمس الشعور الداخلي للمؤمن ولا يعبر عن أسئلته وشكوكه وحيرته ولا عن التوق والتشوق إلى طريق ذاتي وروحي. وهنا تقتصر ديناميكية الإيمان على الضرورات الأولية والسطحية ويرى ما تبقى كأغراءت (هلوسة) من الأفضل كبتها. يتركز الإيمان في هذه النظرة على ما هو ثابت وبطمانية يردد ما هو موروث. في حالة حدوث أزمة يؤدي هذا المنهج إلى نتيجتين: إما الاستهانة (اللامبالاة) أو العنف. فالاستهانة تأتي من المؤمن الضعيف في قناعاته وغير القادر على تحمل آي مسؤولية حقيقية وشخصية. أما العنف فيصدر من المؤمن الذي يتوهم ويتصور بأن قيمة التدين تكمن في العناد والتصميم بالدفاع عن الأحكام بمعناها الحرفي وعن شكل العلاقات المؤسسة، ولا يهم هنا ما هو الشكل الحقيقي لهذه المغامرة لتأمين والدفاع عن هذه الأحكام. أما المنهج التأويلي الذي يخضع إلى وجهة نظر أخرى، فانه يسلك الطريق النقدي والتاريخي ويستعيد للنص الموحي حيوية لغته ورموزه وعقلانيته وقوة روحانيته. وربما أذن أن ينفتح مجال لأسلوب تدين جديد يتأسس على يقين، منفتحاً أمام الأسئلة والتساؤلات وفخوراً بالانتشار الواسع للقرآن ومدركاً بوعي بأن هذا الانتشار يمكن أن يعطي للمؤمن زيادة في التواضع والانفتاح حيال الأخر، أياً كان ومهما كانت ماهيته. إن هذا المنهج في التفسير في العصر الحديث جاء نتيجة للتطور التدريجي في الفكر الإسلامي وقد تأثر هذا المنهج بالعلوم الإنسانية والاجتماعية التي تطرح التساؤلات والتي ينتج عنها الكثير من التحولات. وهي تشير إلى القوى الخلاقة التي وصفها صوفي مغربي معاصر بإيجاز بقوله: “ما يتعلق بالنص فقد بلغ نزول القرآن التدريجي (التنجيم) في الحقيقة هدفه. غير أن هذا لا ينطبق بالنظر إلى مغزاه”. (Zit. In: ENNAIFER، 1998، ص 105)

6.3. “من الذي يتكلم نيابة عن الله؟” السؤال حول الإجماع والسلطة المذهبية

في لقاء تم منذ ثلاثة سنوات بين مفكرين مسلمين ومسيحيين بدعوة من كبير أساقفة كانتربري (Canterbury) في لندن حول موضوع “بناء الجسور” عبر الأمير الحسن بن طلال من الأردن عن وجهة نظره علناً بقوله:
“إذا لم يجد الإسلام السني في السنوات القادمة طرقاً وأسلوباً ليتكلم بصوت واحد عن الأسئلة الأساسية للعقيدة وتطبيقها (مما يعني أيضاً الشريعة) فإذن لن يكون له أي فرصة دائمة كعقيدة أن يساير التطور في العالم الحديث”.
أيا كان ما يراد من هذا الأمر، فهناك سؤالان الآن سواء نطقنا بهما أم لا يلازمان دائماً الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر.
السؤال الأول: كيف يتكلم الله؟
السؤال الثاني: من الذي يتكلم نيابة عن الله؟
إن الأصوات التي تحدثت في هذه الورقة والتي تم اختيارها عفوياً واعتباطياً باستثناء أبي الفضل، عالجت في المرحلة الأولى نواحي السؤال الأول.
كما أن الأحكام التي عرضت هنا للفكر الإسلامي التقدمي تطرح اليوم وأكثر من ذي قبل أيضاً السؤال الثاني بالذات الذي لا يمكن تحاشيه – من الذي يتكلم نيابة عن الله؟
إذ أن أساس القرآن المحدد والواضح نسبياً في تفسيره الحرفي أو اللاحرفي في التفسير الذي ظفر به من المائتي سنة الأولى، لم يعد يعتبر مقدساً وملزماً ومخذولاً من النزوع إلى تفسير مماثل أو شخصي مبرراً بتفسير روح النص، يطرح السؤال الضروري نفسه عن شرعية لمثل تفسير جديد ومطرد كهذا.
وفي الوقت عينه يثور السؤال الذي لا يمكن تجاهله عن المقياس والمعايير للفهم الصحيح للقرآن وكذلك الوحي الآلهي في زمننا. بجانب ذلك يُطرح أمام الإسلام كظاهرة اجتماعية وسياسية السؤال القديم والجديد الدائم عن الإجماع: هل ثمة مذهب لاهوتي مثبت للملة الإسلامية (أمة لاهوتية Ummatologie) إذا صح التعبير أي لاهوت إسلامي يوحد الأمة ويجسد إجماعها، وما هو دور هذا الإجماع وشروطه وضوابطه المحددة، وما هي أهلية هذا الإجماع لتحقيق مهامه عندما يتعلق الأمر بتجسيد إرادة الله ونقلها من مجال الأيمان والأخلاق لتكريسها في مجال الفعل في عصرنا هذا؟
أليس الأمر كذلك بأن أولئك الذين يدافعون عن الأفكار التقليدية التي تتبنى سلطة النبي أو بالأحرى كلمة الله التي وصلت من خلاله، وأولئك الذين يضعون ذلك موضع تساؤل أساسي إنما هما في النهاية يختلفان حول أحقيتهما ويدعيان تبني سلطة النبي أو بالأحرى نصوص الوحي التي ينقلها النبي كوسيط.
وأخيراً هل أجد نفسي كمجرد مراقب للمناقشات الإسلامية الداخلية المعاصرة بطرح هذه الأسئلة أقف خارج الحلبة.

* المقالة في الأصل ورقة قدمت في المؤتمر الدولي الذي انعقد في برلين بتاريخ 22-24 سبتمبر 2005 بعنوان”الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر” بدعوة من مؤسسة فريدريش ايبرت، المركز الاتحادي للتثقيف السياسي، مؤسسة كونراد اديناور و بمشاركة مميزة من علماء الإسلاميات واللاهوت والعلوم السياسية. وصدرت الورقة الآن في كتيب ضمن سلسلة حوار التداخل الثقافي (الإسلام والمجتمع رقم 4) التي تصدرها مؤسسة فريدرش آيبرت الألمانية.

** كرستيان ترول من مواليد 1937 في برلين، درس الفلسفة وعلم اللاهوت في جامعتي بون وتوبنجن واللغة العربية في الجامعة اليسوعية في بيروت 1961 – 1963؛ ودرس كذلك في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن 1966. حاصل على درجة الدكتوراه 1970 من جامعة لندن عن رسالة بعنوان: سيد أحمد خان، إعادة تأويل اللاهوت الإسلامي.
عمل كأستاذ في كلية الفلسفة واللاهوت في فرانكفورت وأستاذ في المؤسسات الإسلامية التابعة للمعهد البابوي بروما وأستاذ زائر للدراسات الإسلامية في جامعات نيودلهي، برمنجهام وأنقره. ومدير منبر المسيحية والإسلام في الأكاديمية الكاثوليكية في برلين سابقاً.

*** حامد فضالله طبيب اختصاص بألمانيا يهتم بالثقافة ومقرر منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية (أومراس) في برلين/ألمانيا.

1 – الكتاب صدر أيضاً باللغة العربية بعنوان: نحو تطوير التشريع الإسلامي ترجمة وتقديم حسين أحمد أمين عام 1994 دار سيناء للنشر، القاهرة
2 – الأستاذ محمود محمد طه اعدم ظلماً في السودان في يناير عام 1985، بسبب اعتراضه على أسلوب تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان أثناء حكم الطاغية جعفر نميري (المترجم)

7. مراجع مختارة

  • ABDERRAZIK, Ali. 1994. L´islam et les fondements du pouvoir: Nouvelle traduction et introduction de Abdou Filali-Ansary. Paris: La Découverte.
  • ABOU EL FADL, Khaled. 2003. Speaking in God’s Name. Islamic Law, Authority and Women. Oxford: Oneworld.
  • ABU ZAYD, Nasr Hamid. 1996. Islam und Politik. Kritik des Religiösen Diskurses: Frankfurt: dipa-Verlag.
  • ABU ZAYD, Nasr Hamid. 2002. “Heaven which way?” In: Al-Ahram Weekly. Siehe:
  • ABU ZAYD, Nasr Hamid. 2004. „Rethinking the Qur´ an: Towards a Humanistic Hermeneutics” In: Islamochristiana (Rome) 30, S. 25-45.
  • AL-ASHMAWY, Muhammad Said. 1989. L´islamisme contre l´islam. Paris: Ed. La Découverte/Le Caire: Editions al-Fikr.
  • ARKOUN, Mohammed. 1982. Lectures du Coran. Paris: Maisonneuve et Larose.
  • BABÉS, Leila. 2004. Le voile démystifié’. Paris: Bayard.
  • BENZINE, Rachid. 2004. Les nouveaux penseurs de l´islam. Paris: Albin Michel.
  • BROWN, Daniel W. 1996. Rethinking tradition in modern Islamic thought. Cambridge: Cambridge University Press.
  • CHARFI, Abdelmajid. 2004. L´islam entre le message et l´histoire. Paris: Albin Michel
  • CHEBEL, Malek. 2004. Manifeste pour un islam des Lumières. Paris: Hachette.
  • GRAGG, Kenneth. 1965. Counsels in Contemporary Islam. Edinburgh: University Press.
  • ENNAIFER, H´mida. 1998. Les Commentaires Coraniques Contemporains. Analyse de leur methodologie. Roma: P.I.S.A.I.
  • ESACK, Farid. 1997. Qur´an, Liberation and Pluralism. An Islamic Perspective of Interreligious Solidarity against Oppression. Oxford: Oneworld.
  • FILALI-ANSARY, Abdou 1994. Siehe:ABDERRAZIK.1994
  • FILALI-ANSARY, Abdou. 2003. Réformer l´islam. Une introduction aux débats contemporains. Paris: La Découverte.
  • FYZEE, Asaf A.A. 1981. A Modern Approach to Islam. Delhi: OUP.
  • KARAMUSTAFA, Ahmet. 2003. Islam: A civilizational project in progress“. in: SAFI. 2003, S.98 -110.
  • KÖRNER, Felix. 2005. Revisionist Koran Hermeneutics in Contemporary Turkish University Theology. Würzburg: Ergon.
  • KURZMAN, Charles (ed.). 1998. Liberal Islam. A Sourcebook. New York/Oxford: OUP.
  • IQBAL, Allama Muhammad. 1986. The Reconstruction of Religious Thought in Islam. Ed.M. Saed Sheikh. Lahore: Institute of Islamic Culture.
  • MOOSA, Ebrahim. 2003. The debts and burdens of critical Islam”. in: SAFI, Omar. 2003, S. 111-127.
  • AN-NAIM, Abdullahi Ahmed. 1996. Toward an Islamic Reformation. Civil Liberties, Human Rights, and International Law. Syracuse, New York: Syracuse University Press.
  • NOOR, Farish. 2002. New Voices of Islam. Leiden: ISIM.
  • PÄPSTLICHE BIBELKOMMISSION, 1993. Die Interpretation der Bibel in der Kirche. Bonn: Sekretariat der Deutschen Bischofskonferenz.
  • RAHMAN, Fazlur. 1979. Islam. 2nd edition. Chicago: University of Chicago Press.
  • SAFI, Omid (ed.). 2003. Progressive Muslims on Justice, Gender and Pluralism. Oxford: Oneworld.
  • SOROUSH, Abdolkarim. 2000 Reason, Freedom & Democracy in Islam. Ed. M.Sadri and A. Sadri. Oxford: OUP.
  • SOROUSH, Abdolkarim. 2002. The Responsibilities of the Muslim intellectual in the 21st Century”. Interview in: Noor, 2002, S. 15-21.
  • TAJI-FARUKI, Suha. 2004. Modern Muslims Intellectuals and the Qur´an. Oxford: OUP.
  • TROLL, Christian W. 2004. Als Christ dem Islam Begegnen. Würzburg: Echter.
  • TROLL, Christian W. 1978. Sayyid Ahmad Khan. A Reinterpretation of Muslims Theology. New Delhi: Vikas
Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial