خطاب الفائز بالجائزة

English Deutsch

كلمة مجدي أبو زيد المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، شفافية فلسطين في حفل تسليم جائزة ابن رشد للفكر الحر بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر 2017

السيداتُ المحترمات، والسادة المحترمين، كل باسمه ولقبه
اسعد الله مساءَكم جميعاً

اسمحوا لي بالبداية أن انقلَ لجمعكم وحفلكم الكريم أطيبَ التحيات من رئيس وأعضاء الهيئةِ العامةِ والمؤسساتِ الأهلية المكوِّنة للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- أمان، شفافية فلسطين، الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية. وأن اشكر مؤسسة ابن رشد للفكر الحر، والقائمين عليها، واخص بالذكر لجنة الجائزة، على هذه الثقة، وعلى اختيار “شفافية فلسطين” لمنحها جائزة هذا العام المخصصةِ للتميز في مجال مكافحةِ الفساد في المنطقة العربية. اننا في ائتلاف امان- شفافية فلسطين نعتبرُ هذه الجائزةَ عظيمةً برمزيتها المعنوية أكثر من قيمتها المادية، بل وسيكونُ لها أثرا كبيرا على تشجيع ائتلاف أمان وزيادةِ حافزيته لبذل المزيد من الجهود على طريق مكافحة الفساد بالرغم من الظروف الموضوعية المعقدة والسياق السياسي غير المواتي.

حضراتُ السيداتِ والسادة:

أئتلاف أمان، المؤسسةُ الفلسطينية الاهليةُ المختصةُ بتعزيز قيمِ النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة ومكافحة الفساد ومنعِ الفاسدين من الإفلات من العقاب في فلسطين، انطلقتْ في عملِها وأداء رسالتها منذ ما يزيد عن سبعة عشر عاماً كمبادرة من مجموعة من مؤسساتِ المجتمع المدني والناشطين المؤمنين بأن فلسطينَ، التي عانى شعبُها من ويلاتِ وظلم الاحتلال الإسرائيلي، والتهجير والتقتيل والاعتقال على مدار قرن، والتي انتفضَ شعبُها عبر العديد من الانتفاضات والثورات والهبّات، وضحى ودفعَ ثمنا باهظاً من دمِه ومالِه وأرضِه وشتاتِه في وطنه وفي اغلبِ دولِ العالم؛ يستحقُ أن ينعم بالحرية في وطنٍ تسودُه الديمقراطيةُ والعدالة والمساواةُ وسيادةُ القانونِ في ظلِ نظامٍ سياسيٍ نظيفٍ ومحصن ضد الفساد. باختصار، فان طموحَنا وهدفَنا هو في رؤيةِ فلسطين خالية ومنيعة ومحصنة ضد الفساد بكافة أشكاله.

مشوارٌ طويلٌ، وشاقٌ، بذلَه ائتلافُ أمان على هذا الطريق، ترافق أيضا مع تحدياتٍ جسام خصوصاً ان نشأةَ وتطور عمل هذا الائتلاف قد تزامن مع بداية نشوءِ السلطة الوطنية الفلسطينية بعد توقيعِ اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، وبدايةِ تأسيس الدولة على أرض الوطن من قبل القيادة الكاريزمية التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية العائدةِ من الشتات، ومع المخاض العسيرِ لعملية التحول من الثورة إلى الدولة.

مشروعانِ وتوجهان مختلفانِ اصطدما أحيانا، واختلفا، أو تعايشا وتفاهما في أحيانٍ أخرى، هما:

المشروع الأول، يركزُ على أهمية إنجاز الاستقلالِ وبناءِ المؤسسات بسرعةٍ تحضيرا لإعلان الدولة بعدَ الفترةِ الانتقالية التي كان مقدرا لها أن تنتهي بعد خمسةِ أعوامٍ وتحديدا في العام 1999. بَيْدَ انّ تعثُّر عملية السلام، وتمديد الفترة الانتقالية بحكم الواقع، ما يعني أن الأولويةَ ما زالت للبقاء ولمشروع التحررِ، وانحدرت اهميةُ اعتباراتٍ أخرى تتعلق بالمأسسة والفصلِ بين السلطات وبناءِ منظومةِ الرقابة والمساءلة ومكافحة الفساد.

والمشروع الثاني، يؤمنُ بأن التحررَ الوطنيَ، والتحضيرَ السريعَ للدولةِ والمقاومةِ للمشروع الاستعماري الإسرائيلي لا يتعارضُ مع أهميةِ بناء الدولة ومؤسساتها على أسس سليمة وفقا لأفضلِ المعاييرِ والممارسات والتجاربِ الدولية التي تتضمنُ مبادئ الفصل بين السلطات، وتبني وتمكين منظومة للرقابة والمساءلة تكافح الفساد وتمنعُ الفاسدين من الإفلات من العقاب، واعتبرَ أصحابُ هذا المشروعِ، الذي ضم مؤسسي ائتلاف أمان، أن هذا الدمج بين متطلبات التحرير ومهمات بناء مؤسسات الدولة النزيهة، متطلبٌ أساسيٌ وضرورةٌ لازمة تساعدُ الناسَ على الصمودِ وتسرّعُ من عمليةِ التحرر.

لقد رافقتْ هذه المعضلةُ الروادَ المؤسسين الأوائل لائتلاف امان، واستمرَّ هذا السجالُ بنسبٍ متفاوتة، وادركَ المؤسسون تماماً حساسيةَ الظروفِ الفلسطينية، وللطريق المليء بالمآزق والمعضلات التي تواجهُ بناء نظام النزاهة الوطني: فهنالكَ اشكاليةُ المحافظةِ على الوليد غير المكتمل للدولة نتيجةً لممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقتِ نفسِه، هناك التصميمُ والمثابرة على خلق المؤسساتِ وتمكينِها وتحسينِ أدائها إلى المستوى الأعلى من فن الممكن.

لن أطيلَ عليكم في الاستعراض التاريخي لظروف النشأة والتطور، غيرَ إنني سأتعرض على عجالةٍ إلى أبرزِ المحطات، والدروس، المستفادةِ من سنوات الكفاح الطوال، في مجابهة الفساد، وبناء نظام النزاهة الوطني، فعلى الرغمِ من خصوصيةِ التجربةِ الفلسطينية في هذا المجال، إلا أنها، وبمجملِها، تجربةٌ تستحق أن يُستَرشدَ بها من قبل سياقات قريبة ومشابهة.

فقد بدأ الائتلافُ مباشرةً، وبعدَ التأسيس في العام 2000، بالتركيز على، والتبشيرِ بمفاهيم النزاهة والشفافية والمساءلة بهدف رفعِ الوعي بمكافحة الفساد، داعياً ومروجاً لأهميةِ تبني توجهٌ إيجابي وتعاوني في العمل مع مختلف الشركاء بما ضمَّ الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وزادَ غيابُ وجودُ مؤسسةٍ رسميةٍ لمكافحة الفساد من العبءِ على كاهل أمان كونِه المؤسسة الوحيدة العاملة في المجتمع، تنفذ فعاليات ونشاطات لتعزيز قيمِ النزاهة ومبادئ الشفافية ونظمِ المساءلة كـإجراءٍ وقائيٍ تحصينيٍ يمنعُ أصلاً من انتشارِ الفساد. وركّزَ أمان خلالَ هذه البدايات على إجراء دراساتٍ وأبحاث فلسطينية، وقام بتوطين ومواءمة بعضِ الأبحاث الدولية، والقيام بإجراء استطلاعات الرأي للتعرف على رأي الجمهور بشأن العديد من القضايا ذات العلاقة بمكافحة الفساد، ونفّذَ جملةً عريضةً من حملات الضغط والمناصرة حولَ بعضِ القضايا الهامة، وبنى قدراتِ العديد من المؤسسات الرسمية وبالإضافة الى ذلك، ساهم الائتلافُ في بناء قدرات كوادر وناشطين وباحثين ومدربين لتمكينهم من المساهمة في تنفيذ برامج ونشاطات أمان. وتم التركيز على النخب والمثقفين، حيث استهدف العاملين والمسؤولين في القطاعات العامة (حكومية وهيئات محلية) والمجتمع المدني والقطاع خاص.

واستمر أمان في التوجه التوعوي، واعتبرَ رفعَ الوعي مكوناً رئيساً في العمل، فضلا عن عمله المستمر في رفع مستوى التدخل لبناءِ القدرات (الدورات التدريبية المتخصصة في جوانب معينة لتعزيز نزاهة وشفافية العمل في كافة القطاعات). كما وتبنى أمان فكرةَ الشراكةِ مع المؤسسات الأهلية الفلسطينية لتكون شريكَ أمان التوعوي من خلال اقتطاع الموازنة المخصصة للجوانب التوعوية من موازنة أمان الكلية، والاتفاقِ مع هذه المؤسسات لتنفيذ نشاطات توعوية ورفع وعي في مختلف محافظات الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفيما بعد، برزتِ الحاجةُ طبيعيا إلى مأسسة عملية تلقي ومتابعةِ الشكاوى الواردة من المواطنين من خلال إنشاء مركز المناصرة والإرشاد القانوني، وهو الأمر الذي سيزعج لاحقا الحكومة وبعض الجهات الأمنية والمدنية الرسمية، التي هاجمت أمان بعنفٍ نتيجةً لتلقيه ومتابعته لشكاوى حساسة ومؤثرة.

وجرى الاعتمادُ على التدخلات طويلةِ الأمد، كإعداد المنهاجِ والمرجع الجامعي الذي يُدَّرسُ حاليا في ثماني جامعات، بالإضافة إلى إعدادِ مدونات السلوكِ للعاملين في إدارة الشأنٍ العام والمالٍ العام، وتدريبِهم عليها.

سعى ائتلاف أمان لاحقاً لإبرازِ نفسِه كمؤسسةِ مجتمع مدني داعمةٍ ومعزِّزةٍ للجهود الرسمية (هيئة مكافحة الفساد، المجلس التشريعي، ديوان الرقابة المالية والإدارية) وليس بديلاً عنها. وسعى أمان دوماً لكسبِ ثقةِ الأطرافِ الأخرى دونَ الانتقاص من حقِّها الرقابي حيث حكمتْ توجهاتِه وعلاقاته خاصة مع القطاع العام دائماً ثلاثيةُ: شريكٌ في التخطيط، مراقبٌ على التنفيذ، مُسائلٌ على النتائج.

وعلى الرغم من النتائجِ الإيجابيةِ التي تحققتْ خلال السنوات الأخيرة في مجالِ مكافحةِ الفساد وخاصةً ما يتعلقُ منها بتأسيس هيئةِ مكافحة الفساد، والتطورات في المنظومة التشريعية، والتوقيعِ الّرَّسمي لدولة فلسطين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث تم سدُّ ثغرةٍ مهمةٍ في مجالٍ التجريم وملاحقةِ الفاسدين، وأصبح هناك عنوانٌ واضحٌ لكل ما يتعلق بجرائم الفساد، وبتنا نسمعُ عن تقديم مسؤولين إلى محكمة جرائم الفساد، وبالرغم من التحسن الذي حدث في موضوع رفع وعي المجتمع ضد الفساد وأشكاله؛ إلا أن أمان ما زالَ يعتقدُ بأن جهودَ مكافحةِ الفساد ما زالت مبعثرةً لغياب خطةٍ وطنيةٍ موحدةٍ لمكافحة الفساد، حيث لم يتم الاتفاق على كيفية توزيعِ الجهودٍ وتحمّلِ المسؤوليات خاصة المتعلقة بالمؤسسات الرسمية الخدماتية، والتنظيمية والرقابية.

ومع التراجعِ الملحوظ في الدور الرقابيِ الرسمي بسبب غياب المجلس التشريعي، فقد وجدنا أيضاً خللاً في احترام سيادة القانون، واستمرارِ شعورِ أغلبيةِ المواطنين بوجود حالاتِ إفلاتٍ من العقاب، الأمرُ الذي تطلبَ دوراً أكثرُ فعّالية من أمان في التركيز على ملاحقة منابع الفساد والفاسدين. وهذا التطور في دور ائتلاف امان يُعتبرُ تغييرا استراتيجياً في توجهات وآليات عمل أمان، وتحديدا التحول إلى مؤسسة رقابية Watchdog.

لقد وجدَ ائتلافُ أمان بأنه قد حان وقتُ الضغطِ على العاملين في المؤسسات العامة، والتي لا تعكسُ مسلكياتُ بعضِهم توجهاتَ الحكومةِ المعلنةِ بشأنِ النزاهة والشفافية والمساءلة، وكان هدف امان من وراء هذا التغيير هو الدفع لتغييرِ السياسات الرسمية السلبية تجاه مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، وذلك دون الغاء اقتراح التشريعات والتوصيات، والتأثير في السياسات، ورفع الوعي، وبناء القدرات، والتأثير في الثقافة والرأي العام، وإنتاج وتوطين المعرفة، على اعتبار أن ائتلاف امان بيتُ خبرةٍ فلسطينيٍ وعربيٍ في هذا المجال، ويستندُ الى إرثٍ غنيٍ، ومعرفة وأدوات تساعد في تحقيق هدف وجود مجتمع خالٍ من الفساد.

إن دخولَ حركةِ مكافحة الفساد في هذه المرحلة، وبقيادة ائتلاف أمان، تطَّلبَ مراجعةَ استراتيجيات الائتلاف، وآلياَت عمله، باعتباره رأس الحربة لحركة مؤسسات المجتمع المدني في الرقابة والضغط والمساءلة المجتمعية، وذلك لضمان تحقيقِ نتائجَ ملموسةٍ على صعيد مكافحة الفساد ومنع الفاسدين من الإفلات من العقاب، على الرغم من جسامةِ وعِظَمِ المسؤوليةِ، والظروفِ المحلية والإقليمية والدولية المحيطة السلبية، وضرورةِ إشراكِ أكبرَ عدد من الناس في جهود مكافحة الفساد، من خلال التشبيك وإقامة التحالفات، للعمل على مكافحة الفساد مع سائر مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي سيوجه عمل أمان من مرحلة التبشير بالشفافية والنزاهة، والتي أصبحت موجودة على الأجندة الرسمية، ودفعها الى الامام من خلال ضرورة الالتزام بهذه القيم والمبادئ، وبالمنظومة القانونية، وتطبيقها على ارض الواقع. وهنا زادَ الدورُ الرقابيُ، وحدثَ الانتقالُ من التركيز على التدخل الوقائي، إلى التركيز في مجال الرقابةِ والضغط والمناصرة وإعلاء الصوت.

وقد أثبتتِ التجاربَ، أنه، وعلى الرغم من أهمية التدخل التشريعي، إلا أن هذا الدورَ سيبقى قاصراً إذا لم يعززه دورٌ رقابيٌ للتأكد من إنفاذ القانون. وفي نفس السياق، أن العملَ مع المؤسسات الرسمية، والهيئاتِ المحلية، على مدونات السلوك وأنظمة الشكاوى، وتدريبَ العاملين عليها، وإعدادَ أنظمةٍ وإجراءات سيبقى شكلياً وغير فعّالٍ إذا لم تُقترنُ به رقابةً مشددةً من قبل المؤسسات الرقابية الرسمية والأهلية على تنفيذ هذه المدونات، ونشرِ التقارير عن الجهات التي لا تطبقها.

السيدات والسادة،

على الرغم من الدورِ الهام الذي اضطلع به ائتلاف امان وسبقَ أن أشرتُ اليه في مجالِ رفع الوعي وإنتاج، وتوطينِ ونشر المعرفة، واقتراحِ التشريعات، وتحصينِ المؤسسات العامة، واقتراحِ اليات وتوصيات للإصلاح، حتى أن الائتلاف قد لعب دورا بارزا في إقرار قانون مكافحة الفساد، وفي تأسيس هيئةِ مكافحة الفساد؛ غير أن كلَّ ذلك واكثرَ لا يمنع أمان من أن يقول أن التجربةَ والدروسَ المستفادة تقتضي بأن يعلو الصوتُ بأن الفسادَ ومحاربتَه لا تتمُّ من خلال العمل والضغط لإصلاح بنية النظام السياسي وأدوات عمله فقط، وإنما من خلال تغييرِ قيمِ المجتمع وثقافته ليتحول إلى مجتمعٍ رافضٍ ونابذٍ للفساد والفاسدين، ومنخرطٍ في جهود مكافحته. وهذا بالطبع يستلزمُ إعادة النظر في الشراكات، وفي الأدوات، وفي اليات العمل، وفي التوجه  لتأسيس حركةٍ مجتمعية من قوى المجتمع ومؤسساتِه القاعديةِ، للعمل على الضغط من أسفل الهرم إلى رأسه، وبما يشمله من رفضِ وتجريم جميع الممارسات والعادات والثقافات التي تبرر الفساد، أو تتصالح معه.

لقد بادر ائتلافُ أمان بالفعل في العمل على نسج شراكاتٍ مع المؤسسات الأهلية العاملة في مجالات عمل مختلفة، والتي تضمُّ أيضا شرائحَ وفئاتٍ اجتماعيةً متنوعةً معطيا الأهمية للمؤسسات الشبابية في طول البلاد وعرضها، وبدأ يمدُّ هذه المؤسسات بالأدوات والإمكانيات والقدرات اللازمة للعمل على محاربة الفساد في مجالات تخصصها، ما يشكل انويةً جنينيةً تؤسس لحركةٍ مجتمعيةٍ واسعة، لا تقتصرُ على أمان وحدَها، وإنما يشكل جبهة عريضة من المؤسسات التي تتصدى للفساد في كافة المجالات.

وقد زاد اهتمام المجتمع المدني بموضوع مكافحة الفساد، حيث أبدت العديدُ من المنظمات القاعدية الاستعدادَ للمشاركةِ في الجهود العامة لمكافحة الفساد، إضافة إلى اهتمام مراكز الأبحاث والجامعات في نقل المعرفة في هذا المجال، وزاد أيضاً اهتمام القطاع الخاص بموضوع الحوكمة في الشركات المساهمة العامة. كما ولوحظ تبني عدد كبير من كبار المسؤولين للخطاب المتعلق بالشفافية والنزاهة والمساءلة من حيث المبدأ باعتبار ذلك جزء من عملية تحسين أداء القطاع العام، ناهيك عن توسع دور المؤسسات الإعلامية المتنوعة في هذه الجهود.

السيدات والسادة

إن طريقَ العملِ الرقابي في مجال مكافحة الفساد طويل وشاق، ويخلقُ الكثيرَ من الأعداء الذين يزعجهم وجودَ مؤسساتٍ رقابيةٍ بمخالبَ وصوتٍ عالٍ وأدوات وبرامج للمساءلة وتحالفات مجتمعية واسعة تعد عليهم الأنفاس، وتراقب كل شاردة وواردة. وعلى الرغم من ذلك، تفرضُ المهنيةُ العاليةُ للمؤسساتِ الرقابية المحترفة قدراً من الاحترام والهيبة على الأعداء قبل الأصدقاء، حيث تفرضُ نفسَها على جداولَ الأعمالِ، والقرارات العامة، وبشكل لافت، وبما لا يدع مجالا حتى على المفرطين في الحساسية من الدور الرقابي لائتلاف أمان. تخيلوا معي مؤسسةَ مجتمعٍ مدنيٍ تراقب على إعداد وإقرار وإدارة الموازنة العامة وحساباتها الختامية، قرارات الحكومة، والمراسيم والقوانين والترقيات والتعيينات خاصة للوظائف العليا والحساسة، والمشتريات العامة، والخطط والسياسات والاستراتيجيات الحكومية، والالتزامات والتعهدات والوعودات العامة، والأنظمة والإجراءات، وإدارة الحكم المحلي ومؤسساته، الدين العام، عدالة وفعالية النظام الضريبي، فعالية المؤسسات الرقابية ومتابعة ملاحقة جرائم الفساد وعملية التجريم والمحاكمة، استرداد الموجودات، وملاحقة الفاسدين الهاربين. كلُّ هذا وأكثر منه نقومُ به بمنتهى الحرفية والمهنية والحيادية في مجتمع مسيسٍ حتى الاسنان نتيجة لظروف مقاومة الاحتلال، وفي ظل نظامٍ سياسي غير ديمقراطي يغيبُ فيه البرلمان الذي يشكلُ رأسَ الحربة في مجال الرقابة والمساءلة، وبدون أي خطأ، لأن خطأً واحداً قد يُكلفُ المؤسسةَ وجودها.

أشكركم مرة أخرى، وأعدكم باسم مؤسستي وجميع المتطوعين والعاملين والشركاء والأصدقاء الداعمين والمنخرطين في جهود مكافحة الفساد بأن نبقى ونستمر في جهودنا بكل الأمل والتفاؤل الذي يرافق عملنا حتى تحقيق غايتنا… فلسطين خالية من الفساد.

الأول من كانون الأول 2017
برلين

مجدي أبو زيد

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial