تم مساء امس الجمعة الموافق يوم 5 ديسمبر 2014 منح الشيخ راشد الغنوشي – أحد الشخصيات البارزة التي مهدت لطريق بناء اسلام معاصر متماشيٍ مع الحداثة – جائزة ابن رشد للفكر الحر لسنة 2014 في قاعة ورشة الحضارات في برلين ألمانيا. امتلأت القاعة بحضور الجالية العربية والأصدقاء الألمان وممثلي الصحافة العربية والدولية.
يعتبر راشد الغنوشي الذي درس علم الفلسفة في دمشق وباريس أحد أبرز المفكرين المسلمين العرب المعاصرين. وهو كرجل سياسي معروف على نطاق واسع لقناعته بتوافق الإسلام مع مبادئ التعددية والحرية والديمقراطية في العصر الحديث.
سيرة حياة الغنوشي:
رحب د. حامد فضل الله من مؤسسة ابن رشد بالضيف الكبير قائلاً:
“إننا نكرم اليوم مفكراً اسلامياً ومناضلاً سياسيا. تحمل السجن والمنفى من أجل الدفاع عن قناعاته ورؤاه وأحد الشخصيات البارزة التي مهدت لطريق بناء اسلام معاصر يتواكب مع الحداثة”.
“اختارت لجنة التحكيم المكونة من الفيلسوف المشهور د. حسن حنفي (مصر) والباحث و الأستاذ في العلوم السياسية د. عبدالوهاب الأفندي (السودان) والكاتب د. حبيب عبد الرب سروري (اليمن) والناشطة السياسية الأستاذة توجان الفيصل (الأردن) الشيخ راشد الغنوشي من بين احد عشر شخصية من سبع دول عربية رُشحوا لنيل جائزة المؤسسة لهذا العام. (انها الجائزة السادسة عشر)”.
وأكد الدكتور فضل الله احترام المؤسسة لقرار لجنة التحكيم وأشار بأن
“قرار اللجنة لا تعتبره المؤسسة صائباً وتلتزم به فحسب بل تؤيده أيضاً. الأستاذ الغنوشي: لقد كتبتَ في عام 1993 (في كتاب الحريات العامة في الدولة الاِسلامية): “أن الديمقراطية ليست مفهوماً بسيطاً، كما يُظن…، فإنها لا تتجاوز كونها ممكناً من الممكنات، وإن الاِسلام لا يتناقض معها ضرورة، بل إن بينهما تداخلاِ واشتراكاً عظيمين يصلحان أساساً متيناً لتبادل المنافع والتعايش
كما ان التباين والاستدراك عليهما واردان” ومن أبرز مقولات راشد الغنوشي:
فالديمقراطية إذاً كونها عملية أخذ القرار ليست متوافقة مع الإسلام فحسب، بل الإسلام يحتاج إليها أيضاً.”
وأنهى فضل الله كلمته بقوله:
“النار التي أشعلها الشاب التونسي بوعزيزي لتنطلق شرارتها في أرجاء العالم العربي لتخوض بلاده ثورة انتقالية مفصلية منذ يناير 2011 وتقديراً لضخامة مهام المرحلة التي تتطلب الوحدة والتوافق تم ائتلاف كل القوي السياسية الفاعلة في المجتمع من اسلاميين وليبراليين وعلمانيين بجانب اتحاد الشغل والمرأة والذين عانوا جميعاً من النظام البائد. وقد تُوِّج ذلك الائتلاف بإجازة الدستور التوافقي في 26 يناير2014، الذي يقوم على بناء الدولة المدنية الديمقراطية وعلى المواطنة وحرية الدين والمعتقد وكرامة وحقوق الانسان وعلوية القانون وتوطيد أركان المجتمع المدني ..إلخ.
ثم تسائل الأستاذ فضل الله
“هل تستطيع تُونُس الحبيبة رغم كل الصعاب. الانتقال من الثورة السياسية الى الثورة الاجتماعية لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية وتأصيل الديمقراطية و لتُثبِت قدرة الشعوب العربية على حل مشاكلها دون تدخل أجنبي، ضمن إطار من التعايش الوطني والحوار السياسي البناء.هذا هو الأمل وهذا هو المرتجى!”
كلمة ترحيب المؤسسة بنصها الكامل:
وفي كلمة تكريم الغنوشي للأستاذ الدكتور ميخائيل لودرز الكاتب والمستشار السياسي الألماني، قال:
“عزيزي السيد الغنوشي،
إنني سعيد جدا اليوم بإلقاء خطاب تكريم راشد الغنوشي الفائز هذا العام بجائزة ابن رشد للفكر الحر. فهناك بالطبع رسالة سياسية في منح هذه الجائزة وهى تقدير لصوت الحكمة والتبصر في تونس، البلد العربي الوحيد الذي تمكنت انتفاضته الشعبية ضد الدكتاتورية من توجيه مسار تونس نحو الحرية والديمقراطية”.
ثم تابع:
“ذهبت تونس إلى طريق أفضل ووسيلة بنّاءة أكثر. هناك حيث بدأت الثورة العربية في ديسمبر/كانون الأول عام 2010، انتقلت حركة النهضة في أكتوبر 2011، لتصبح أكبر كتلة برلمانية في الجمعية التأسيسية. وعلى النقيض من جماعة الإخوان المسلمين المصريين، فهم لم يرتكبون نفس الخطأ بفرض إرادتهم على بقية المجتمع.”
أضاف لودرز:
“وهنا يتبين دور شخصية راشد الغنوشي الذي شارك في تأسيس الحزب في عام 1981. هو، كما تعلمون، واحد من المفكرين الإسلاميين الأكثر شهرة، وقد قدم في العديد من الاِصدارات آرائه حول القضايا السياسية، بما في ذلك العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والحداثة والدين والتعددية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ودور الأقليات. وقد ساهم إلى حد كبير في جعل النقاش موضوعياً حول مدى توافق الإسلام والحرية والديمقراطية والحداثة وفي إعطائها الأساس النظري”.
ثم ذكر السيد لودرز:
“وليس من دون سبب اعتبرته مجلة تايم الأمريكية عام 2012 واحداً من بين 100 شخصية الأكثر نفوذا في العالم. أما مجلة “السياسة الخارجية –Foreign Policy”، وهي المجلة الرائدة والمتخصصة في السياسة الخارجية فقد اعتبرته أحد أفضل 100 مفكر من المفكرين العالميين. وحسناً فعلت هيئة التحكيم في مؤسسة ابن رشد للفكر الحر بتقديم جائزتها الى راشد الغنوشي لتكريمه كسياسي وكأحد رواد الحداثة الإسلامية أيضا”.
ثم قدّم السيد حكمت بشناق-يوستنج رئيس المؤسسة وثيقة جائزة ابن رشد للفكر الحر 2014 للسيد الغنوشي وجاء في نصها:
“تمنح المؤسسة المفكر الاسلامي السياسي التونسي الشيخ راشد الغنوشي جائـزة ابن رشـــد للفكـــر الحـــر 2014
تقديراَ لدعوته إلى اسلام مواكب للحداثة والمجتمع المدني، ولمساهمته في إقامة دولة ديمقراطية حديثة وجهوده الحثيثة من أجل الاستقرار والتوافق السياسي بين قوى المجتمع المختلفة”.
في بداية كلمته شكر السيد الغنوشي مؤسسةابن رشد للفكر الحر لتكريمه الذي اعتبره تكريماً ليس لشخصه فحسب بل
“هو تكريم لتونس التي انبثقت منها شرارة الربيع العربي وهو تكريم لشهداء هذه الثورة”.
وذكّر الشيخ راشد الغنوشي بابن رشد وأهمية فكره في وقتنا الحالي:
“وأحسب أن الثورة التونسية هي امتدادٌ على نحو أو آخر للفكر الحر، فكر ابن رشد وفكر ابن خلدون،… ابن رشد أكد في فكره الفلسفي
وفي رسائله على المعاني أساسية نحن اليوم في البناء الديمقراطي التونسي نحرص عليها أشد الحرص… ابن رشد أكد على معنى التوافق، قيمة التوافق، بين الدين والعلم، بين الفلسفة وبين الدين”
وفي موضوع الإرهاب – آفة عصرنا – ومعاني الحرية بالاسلام قال الغنوشي:
“الإرهاب مرض يصيب كل الديانات. هو ثمرة للاستبداد وللتعفن السياسي والاجتماعي ولذلك من يزرع الاستبداد يحصد داعش. والاسلام يكفر بالاثنين معاً. اليوم هناك مرض الارهاب ولكن الارهاب لا يحارَب بالصواريخ والطائرات. هذا جانب من الموضوع. لا تكفي فيه الصواريخ والطائرات وأجهزة الأمن والقضاء كل هذا ينبغي أن تعمل ضد الارهاب ولكنها لن تقضي عليه ما لم تقضي على أسبابه وجذوره في المجتمع. وجذر الارهاب هو فساد الاقتصاد وهو فساد السياسة بالاستبداد وهو التأويل السيئ للاسلام لأن الاسلام يعلي كما قدم إخواني المقدمون لمعنى “لا إكراه في الدين”. يعلي الاسلام معنى الحرية، الحرية للمسلم ولغير المسلم.
وأشار إلى حساسية المرحلة الانتقالية فقال:
“أن المراحل الإنتقالية لا تتسع، لا تتحمل التصادم. في ظل الديمقراطية العادية 51 % كافية للحكم ولكن في الديمقراطية الانتقالية كالتي نعيشها، يعيشها الربيع العربي، 51 % غير كافية لأن 49 % منذ الغد سيعملون على إفشال أصحاب الـ 51 %.”
وأفاد الغنوشي إن تونس تحاول بناء نموذج توافقي بين الإسلاميين واليساريين واللبراليين بعد عقود من الصراعات وأضاف أنه يأمل ان يتواصل هذا المسار التوافقي في غابة حطمها فكر التناقض والتصادم.
لقي السيد الغنوشي من الجمهور على اخلاف توجهاتهم الفكرية احتراما وإعجابا لمفهومه الحداثي الفلسفي للاسلام وتطبيقه العملي الناجح فصفق الجمهور له وقوفاً.
نبيل بشناق