كلمة التكريم: ميخائيل لودرز

Deutsch

كلمة الأستاذ ميخائيل لودرز في تكريم راشد الغنوشي بمناسبة تسلمه جائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2014

الترجمة الفورية: د. جونتر أورت.

السيدات والسادة الكرام،
عزيزي السيد الغنوشي،

إنني سعيد جدا اليوم بإلقاء خطاب تكريم راشد الغنوشي الفائز هذا العام بجائزة ابن رشد للفكر الحر. فهناك بالطبع رسالة سياسية في منح هذه الجائزة وهى تقدير لصوت الحكمة والتبصر في تونس، البلد العربي الوحيد الذي تمكنت انتفاضته الشعبية ضد الدكتاتورية من توجيه مسار تونس نحو الحرية والديمقراطية. ولكي نستطيع تقدير إنجاز السيد الغنوشي بالشكل الكافي من المفيد الاِحاطة بمحيطه السياسي.

يمر العالم العربي بحالة انتقالية مضطربة وما عاد لهيمنة النظام الإقطاعي القديم قدرة على الاستمرارية ولكن الطبقة الوسطى بفئاتها المختلفة ليست قوية بشكل كاف للاستيلاء على السلطة وإقامة نظام جديد، يقوم على احترام الحرية الفردية والديمقراطية ودولة القانون وبالطبع مبني على الديناميكية الاقتصادية  – بعيدا عن النفط والغاز.

يتضح أن طابع الدولة الإقطاعية – بما فيه العشيرة والقبيلة، الانتماء الديني والعرقي – ما يزال أقوى من رغبة الملايين من الناس بالتغيير السلمي والانطلاق نحو حياة أفضل. فالمجتمعات القبلية في ليبيا واليمن تدمر نفسها، وفي البحرين تظل السياسة صامة صمت القبور، ويدافع نظام الأسد  في سوريا عن سلطته على حساب تدمير البلاد. أنشأ الانقلاب العسكري في مصر نظاماً  دكتاتورياً ضد الحكومة المنتخبة من جماعة الإخوان المسلمين والذي قمع المعارضة بوحشية أكثر مما كان عليه الحال في أي وقت مضى من عهد مبارك. وكأن الكوارث هذه كلها لم تكن كافية وحدها فإن زحف “الدولة الإسلامية” إلى العراق وسوريا  خطر يهدد بسحق  الشرق الأدنى والأوسط وإقامة نظام حكم دائم يستخدم الدين كسلاح.

سبق أن كان المسجد مكاناً للمقاومة ضد الحكام المستبدين، والظلم الاجتماعي والنفوذ الأجنبي. بدء ذلك عام 1928 مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 في مصر، التي هي المنظمة الأم لمعظم الحركات السياسية الإسلامية، بما في ذلك حركة النهضة التونسية إذا جاز لي قول ذلك. أقول معظم الحركات السياسية الإسلامية وليست كلها. وتبسيطاً للقول يوجد اليوم تياران مهمان للإسلام السياسي واحد من بيئة جماعة الإخوان المسلمين، والآخر من البيئة الوهابية، وهي أيديولوجية الدولة في المملكة العربية السعودية. ليست الوهابية موضوعنا اليوم، ولو كانت لما كان مفرحاً. فهي على سبيل المثال الأصل الأيديولوجي  لتنظيم القاعدة و “الدولة الإسلامية”، وكذلك للسلفية في شكلها الحالي.

نادراً ما يضع الغرب الوهابية في قفص الاتهام. في المقابل، نرى كيف الإخوان المسلمين كثيراً ما يُتهموا بمتابعتهم لـ “أجندة خفية”، يدعون أنهم مؤازرين للديمقراطية رغم أنهم في الحقيقة – كما يرى الغرب – ينتظرون إقامة ديكتاتورية إسلامية لا غير. بإمكان السيد الغنوشي أوالرئيس التركي أردوغان أو الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي أن يتحدثوا الكثير عن تجربتهم مع نظرة الغرب السلبية هذه.

بالطبع إنه لأمر جائز رفض الإخوان المسلمين سياسيا، أو بشكل عام طرح مسألة ما إذا كان الجمع بين الدين والسياسة هو فكرة جيدة. ولكن علينا أن ندرك أن معظم المسلمين هم أكثر تدينا وبشكل ملموس من الجزء البروتستانتي في أوروبا. ووفقا لذلك، فإن الارتباط العاطفي مع حزب إسلامي أقوى بكثير من الارتباط مع غيره من الأحزاب الجديدة وغير المعروفة، على الأقل في أوقات القمع وعدم اليقين ومراحل الانتقال.

ولعل التطورات السياسية في مصر كان لها مجرى آخر لو استرشد محمد مرسي براشد الغنوشي واستلهم منه في قراراته. بعد عقود من العمل السري والتخفي وعدم الشرعية جاءت نتائج الانتخابات عام 2012 والتي فازت بها جماعة الأخوان المسلمين المصرية واستلمت السلطة أخيرا. لكنها تصرفت مثل أي حزب يعمل لمصلحته الخاصة فقط. احتكرت السلطة لجماعتها، بدل أن تواجه تلك الفئات من المجتمع المصري التي لم تكن قد انتخبتهم سعت جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق مشروع دولتها في أسرع وقت ممكن. وفرضوا دستوراً غصباً وفي نفس الوقت طغت العثرات في نواح كثيرة ما بين العجز وعدم الكفاءة. وعندما بدأت أولى الاحتجاجات الواسعة على حكمهم، لم يدركوا المخاطر أيضا.

تواجه جميع المجتمعات الإسلامية – كل عن انفراد – تحدياً في كيفية الإجابة عن سؤال: ما هو الإسلام الذي نريد وكم منه نريد؟ في السياسة، وفي الحياة اليومية؟ إن مأساة الانقلاب العسكري في مصر هو أنه قد أجهض هذه العملية المؤلمة والضرورية جداً لممارسة الديمقراطية وأعاد تأسيس الدكتاتورية. لقد أجاب الجنرالات على السؤال بطريقتهم الخاصة وهو ما أدى إلى دوامة من العنف الذي لا يزال الآن في مراحله الأولى.

ذهبت تونس إلى طريق أفضل ووسيلة بنّاءة أكثر. هناك حيث بدأت الثورة العربية في ديسمبر/كانون الأول عام 2010، انتقلت حركة النهضة في أكتوبر 2011، لتصبح أكبر كتلة برلمانية في الجمعية التأسيسية. وعلى النقيض من جماعة الإخوان المسلمين المصريين، فهم لم يرتكبوا نفس الخطأ بفرض إرادتهم على بقية المجتمع.

وهنا يتبين دور شخصية راشد الغنوشي الذي شارك في تأسيس الحزب في عام 1981. هو، كما تعلمون، واحد من المفكرين الإسلاميين الأكثر شهرة، وقد قدم في العديد من الاِصدارات آرائه حول القضايا السياسية، بما في ذلك العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والحداثة والدين والتعددية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ودور الأقليات. وقد ساهم إلى حد كبير في جعل النقاش موضوعياً حول مدى توافق الإسلام والحرية والديمقراطية والحداثة وفي إعطائها الأساس النظري.

قبل كل شيء، وضح السيد الغنوشي في وقت مبكر ، بأن حكم الأغلبية لا يعني تهميش الأقليات وحسب رأيه فإن تونس تحتاج إلى التعاون والتوافق والائتلافات السياسية خاصة في المرحلة الانتقالية حتى تبدأ بدايتها جديدة بنجاح. لولا هذه الرؤية، التي لم تتوفر لدى محمد مرسي والإخوان المسلمين المصريين، لكانت التطورات في تونس قد اتخذت مساراً مختلفا تماما.

ربما لم يكن ليحصل انقلاب، فالجيش التونسي ضعيف جدا، والحركة النقابية قوية جداً. ولكن العنف متواجد في تونس كما أكًّد مؤخراً اغتيال اثنين من السياسيين المعارضين الليبراليين في تونس في عام 2013 اللذين سقطا ضحية للسلفيين المتطرفين في غالب الأمر. وقد تسبب سلوكهم الإرهابي بالكثير من الأذى في تونس، في الجامعات على سبيل المثال وفي الحياة اليومية. يسعى السلفيون بتمويل من المملكة العربية السعودية إلى تحوير معنى الآية القرآنية المعروفة “لا إكراه في الدين” على أنها “ديننا هو الإكراه”.

يُعتمد كثيرا على أصحاب الرأي القياديين في مثل هذه الفترة الانتقالية الغير مستقرة الصعبة. هل يمكنهم حشد أنصارهم من أجل الحرية؟ أو هل ينساقون لإغراء السلطة؟ هل يذعنون لضغط الشارع؟ هل يمكنهم دفع المتشددين داخل صفوفهم الى الاعتدال؟

لقد تحمل السيد الغنوشي المسؤولية السياسية، وأظهر الريادة من خلال المساعدة في تمهيد الطريق لإقرار الدستور التونسي الجديد، والذي اعتمد في يناير/كانون الثاني من هذا العام.هذا الدستور هو من دون شك الأكثر تقدما في العالم العربي والإسلامي. وهو على وجه التحديد مؤسس على نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه واحدا من أركانه. ولم تذكر فيه عمداً الشريعة كمصدر قانوني أو أساس التشريع، بينما حددت نصوص الدستور الفصل بين الدولة والدين، وتعزيز حقوق المرأة. وأيضا ردا على قتل السياسيين المعارضين وضعت عقوبة جنائية تجرم التكفير الشائع بين السلفيين والجهاديين.

ولو إن السيد الغنوشي تصرف بعناد مثل محمد مرسي في مصر أو حركة النهضة مثل الأخوان لكانت العواقب خطيرة، ولكانت تونس اليوم يمزقها العنف. لهذا وحده، ولأن الأمور لم تصل إلى هذا الحد يستحق السيد الغنوشي الاحترام والاعتراف والشكر. وقد أثبت بالتالي أنه ليس واحداً من أبرز المفكرين الإسلاميين فحسب بل و أيضا سياسي حكيم له بعد نظر.

وليس من دون سبب اعتبرته مجلة تايم الأمريكية عام 2012 واحداً من بين 100 شخصية الأكثر نفوذا في العالم. أما مجلة “السياسة الخارجية –Foreign Policy”، وهي المجلة الرائدة والمتخصصة في السياسة الخارجية فقد اعتبرته أحد  أفضل 100 مفكر من المفكرين العالميين. وحسناً فعلت هيئة التحكيم في مؤسسة ابن رشد للفكر الحر بتقديم جائزتها الى راشد الغنوشي لتكريمه كسياسي وكأحد رواد الحداثة الإسلامية أيضا.

السيدات والسادة، إن امتلاك السلطة تعني أيضا المقدرة على تسليمها. خسرت حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهذا مؤشر جيد على أن تغيير السلطة يعمل في الممرات الهادئة. وحركة النهضة في كل الأحوال براغماتية في قراراتها. بينما كانت حركة النهضة قد دفعت في حملتها الانتخابية لعام 2011 قضايا الهوية الوطنية والدينية في المقدمة، غيرت تركيز ثقلها في انتخابات هذا العام لتكرسه للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، والتي تحوز بشكل واضح على اهتمام التونسيين نظراً للظروف المعيشية الصعبة. وجد التونسيون صيغة لتناول مسألة الدين الإسلامي أواستبعاده من الدولة والمجتمع بشكل بناء. وقد تحقق ذلك ايضاً بفضل تأثير السيد الغنوشي.الشخصي وهذا سببا كافيا بالنسبة لنا هنا واليوم في برلين، لكي نفرح مع التونسيين ولكي نهنئ السيد الغنوشي بجائزة ابن رشد.

صاحب كلمة التكريم

ميخائيل لودرز

ولد ميخائيل لودرز عام 1959 في مدينة بريمن. درس الأدب العربي في دمشق، والدراسات الإسلامية، والعلوم السياسية والصحافة في برلين. أكمل الدكتوراه في موضوع السينما المصرية. له أفلام وثائقية لقنوات تلفزيون ألمانية مثل SWR وWDR.  وهو منذ فترة طويلة مراسل في الشرق الأوسط لصحيفة دي تسايتDIE ZEIT  الأسبوعية. يعيش مستشارا سياسيا واقتصاديا، وكصحفي وكاتب في برلين.

•    وهو معلق ومحلل سياسي في وسائل الإعلام الألمانية والسويسرية والنمساوية فيما يتعلق الشرق الأوسط، العالم العربي، والإسلام، بما فيها قنوات التلفزيون  ARD، ZDF، RTL،SAT 1، 3sat، N24، N-TV، TV Spiegel، وجميع القنوات الإذاعية التابعة لـ ARD والمحطات الإذاعية الخاصة
•    محاضر في مركز دراسات الشرق الادنى والأوسط، جامعة فيليبس بمدينة ماربورغ
•    نائب رئيس هيئة إدارة مؤسسة المشرق الألمانية Deutschen Orientstiftung
•    عضو في المجلس الاست شاري لجمعية الشرقالأدنى و الأوسط NUMOV
•    محاضر حول فرص الاستثمار في العالم العربي
•    مستشار الوزارة الخارجية الألمانية
•    محلل خبير لـ مؤسسات GTZ وBMZ
•    محلل خبير في أسباب العنف في المجموعات الاسلامية
•    محاضر زائر حول التوترات بين الغرب والعالم العربي الإسلامي في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وأفريقيا
•    راسل بعثات دراسية لمؤسسة فريدريش إيبرت في آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان)
•    منظم ندوات ومؤتمرات وندوات دولية
•    روائي ومؤلف كتب ودراسات.

الكتب والدراسات (باللغة الألمانية)
إيران: الحرب الزائفة، 2012
يوم الغضب. كيف غيرت الثورة العربية العالم 2011
الظل الله الطويل  لماذا نحن لسنا بحاجة إلى الخوف من الإسلام، 2011
في قلب الجزيرة العربية. الفخر والعاطفة –  لقاء مع ثقافة متزقة، 2006
الشاي في حديقة تيمور.  مناطق الأزمة بعد الحرب على العراق، 2003
ابتسامة النبي. رحلة إلى بلاد عرب 2002
“نتمنى الموت.، من أين يأتي العنف في الإسلام الجهادي؟ 2001

الروايات (باللغة الألمانية)
كلب غبي، 2010
لقطات كبيرة  قصص تحت شجرة من الجنة 2008
مطعم أمينة 2006
خيانة 2005
الذهب في الجلف الكبير، 2001

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial