Ralph Ghadban: Tariq Ramadan und die Islamisierung Europas رالف غضبان: طارق رمضان واسلمة أوروبا : برلين / دار هانز شيل 2006

د. حامد فضل الله***

تضمن كتاب الدكتور رالف غضبان* الموسوم “طارق رمضان وأسلمة أوروبا” 170 صفحة من الحجم المتوسط موزعة على المقدمة وقسمين وخلاصة. يشير الكاتب في المقدمة إلى دعوة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا إلى د. طارق رمضان** ضمن 13 شخصية بريطانية وأجنبية للمشاركة في وضع خطة عمل لمعالجة التطرف الإسلامي بعد أحداث 7 يوليو 2005 في لندن.

ويشير إلى منع السلطات الأمريكية طارق رمضان من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية, بالرغم من أنه تلقى دعوة من جامعة نوتردام Notre Dame كأستاذ زائر بزعم انتمائه إلى دوائر إسلامية متطرفة ولنفس السبب مُنع من الدخول إلى فرنسا عام 1995 وحتى داخل بلده سويسرا ينظر إليع على أنه  أيدلوجي خطير.

ولكن هناك دوائر أخرى مثل دعاة الحوار بين الأديان لا تعتبره معتدلاً فحسب, بل وحداثياً، وهناك من يزعم بأنه يحارب العنف ويعتمد لغة الحوار، ومن خلال فهم جديد للإسلام يساعد على اندماج المسلمين في المجتمع الغربي وتطوير إسلام أوروبي جديد.  يٌمْكن أن يؤثر على عملية التحديث في العالم العربي الإسلامي.

وبالرغم من الاختلاف الكثير حول إسلامه الأوروبي وحول شخصيته فهو يجد في كل الأحوال قبولاً واسعاً من قبل الجيل الجديد من المسلمين في أوروبا.

يشير غضبان إلى مفهوم الإسلام الأوروبي الذي صاغه بسام طيبي “الألماني من أصل سوري” عام 1992 ويحدده كالآتي:

1.                            قبول الديمقراطية.

2.                            قبول فصل الدين عن السياسة أي العلمانية.

3.                            قبول حقوق الإنسان الفردية.

4.                            حرية العقيدة، التسامح بالمفهوم الحديث لا الإسلامي.

5.                            الاعتراف بالمجتمع المدني التعددي.

فالإسلام الأوروبي ينبغي أن يكون الوسيط بدلاً من الجتو (Ghetto) الإسلامي على أمل اندماج أطفال المهاجرين المسلمين الذين ولدوا وتربوا وعرفوا المجتمع الأوروبي. فمن خلال تمثلهم بالقيم الديمقراطية الأوروبية يمكنهم أن يساهموا في تحديث الإسلام, كما أن وجود الإسلام الأوروبي ربما يكون مساعداً وسنداً للحركات التجديديه في العالم الإسلامي. ولكن واقع التطور في التسعينيات اتخذ مجرى آخر، فالمسلمون الذين ولدوا في أوروبا تأسلموا عن طريق المنظمات الإسلاموية المتشددة. ويمكن ملاحظة ذلك في ازدياد التدين – زيادة عدد زائري المساجد – الصيام، الصلاة، الحجاب … الخ

وحتى الذين اسلموا من الأوروبيين, وخاصة النساء منهم, نتيجة لعمل الدعاة المركز لهذه المنظمات, لم يقدموا ما يذكر لتحديث الإسلام, بل بالعكس. فمن خلال قبول الإسلام التقليدي بل حتى الأصولي تبنوا مفهوم الإسلامويين القائل بأن الدين الإسلامي في صورة نشأته الأولى ساري المفعول عموماً ولا يحتاج إلى نهضة. فالممثل البارز لهذا الاتجاه هو الألماني المسلم مراد فلفرد هوفمان Murad Wilfried Hofmann الذي يسوق موقف الأخوان المسلمين ويقول في مقدمة كتابه الموسوم “الإسلام كبديل” بطبعته العربية عام 1992 ما يلي: أن الإسلام لا يمثل الآن طريقاً ثالثاً بين الاشتراكية والرأسمالية فحسب, بل وإنما يمثل الحل لكل مشاكل العالم – فهو البديل وسيكون الديانة المسيطرة على العالم في القرن الواحد والعشرين.

وكذلك يشير غضبان إلى ما يسمى “فقه الأقليات”, الذي نشأ في التسعينيات داخل تيارات الأخوان المسلمين والذي ظهر كتيار واعد معتمداً على اندماج المسلمين في الغرب, مما يعني أنه القانون الإسلامي لأولئك المسلمين الذين يعيشون كأقليات في بلد غير إسلامي ويبرز الشروط الدينية لكل مناحي حياة المسلمين في محيطهم الأوروبي.

مثل هذه الفتاوى تصدر عن المجلس الأوروبي للفتاوى والبحوث الذي تكون عام 1997 في لندن والذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي. وتحت هذا التأثير نمت أهمية طارق رمضان السويسري من اصل مصري والذي اتخذ خطوات أبعد وحازمة لتطويرها في أوروبا, ويقول أن الإدراك للمحيط الأوروبي المغاير يقود إلى تشخيص: كيف يستطيع الشخص أن يتطور داخل سياق جديد ويبقى في الوقت عينه وفياً لأحكام وأوامر عقيدته.

إن موقف رمضان في التعامل مع الدين لا يختلف كثيراً عن مجلس الفقه, إلا أنه بحكم (إقامته الدائمة في أوروبا) يجد آذاناً صاغية له وسط الجيل الناشئ من المسلمين.

ولكنه تلقى أيضاً نقداً كثيراً لمواقفه المتأرجحة. فالشيخ القرضاوي مثلاً يتعرض أيضاً للنقد بسبب تناقض أقواله, ولكنه أصبح الآن معروفاً بأنه يقف على تراث الأخوان المسلمين وكإسلاموي يجتهد في تامين وتحديد وجود الإسلام في الغرب بعكس رمضان الذي ينقصه هذا الوضوح – فالإنسان يختلف حوله – هل هو في الأساس إسلاموي أم مصلح إسلامي؟

إن صعوبة الفهم الصحيح لرمضان يعود في الأساس إلى تداخله الثقافي الذي يسمح له أن يتحول من مجال ثقافي إلى آخر، وهي ظاهرة سارية عند كثير من مهاجري الجيل الثقافي من خلال تربيتهم عبر ثقافة الأباء من جهة, وعبر العيش في مجتمعهم الأوروبي الذي يألفوه من جهة أخرى.

إن جدارة تداخله الثقافي يستخدمه ببراعة ووعي ليجعل التصورات القديمة للثقافة الإسلامية تتناسب مع المصطلحات الجديدة للثقافة الغربية. فمثلاً الجهاد يعني النضال من أجل التحرر، الحجاب يعني التعبير عن حرية المرأة.

بهذا الأسلوب يجد التأييد من قبل بعض الدوائر اليسارية والنسوية, كما أن نقده لتدهور الغرب يفسره بعض مناهضي العولمة كمناهض للإمبريالية، وإن أحاديثه المستمرة عن الروحانية والتدين تضمن له تعاطف واستلطاف بعض علماء اللاهوت, وبخطابه عن الهُوية يكسب متعددي الثقافات إلى جانبه.

ولكن بعض أنصاره السابقين من الأوروبيين وجزءاً آخر من المهاجرين المسلمين الذين لهم إلمام بالثقافة الإسلامية والتداخل الثقافي, اكتشفوا وجهه الحقيقي وطبيعة خطابه الإسلاموي السطحي. وكذلك غالبية الباحثين في مجال العلوم الإسلامية والهجرة ووصلوا إلى نفس النتيجة.

إن هذه الإصدارة لها طابع العلوم الإسلامية وتقود عن طريق التحليل لإظهار الموقف الذي يمثله رمضان هل هو:

تقليدي – إسلاموي – سلفي – مصلح سلفي أو مصلح ليبرالي.

إن الإجابة عن هذا السؤال حاسمة لتقدير موقف رمضان فيما يتعلق بالاندماج، الاسلمة، حقوق الإنسان والديمقراطية.

في القسم الأول من الكتاب بعنوان “طارق رمضان وصراع الحضارات” يتعرض رالف غضبان لنظرية صراع الحضارات لصموئيل هنتنغتون ويرى أن أفكار رمضان تتطابق تماماً مع أفكار هنتغتون, فالدين المكون الرئيسي لعلاقة الاختلاف بين الثقافتين والمحرك الأساسي للصراع بينهما دون إغفال عامل التاريخ واللغة والتقاليد.

يقول طارق رمضان في كتابه: “الإسلام والغرب من المواجهة إلى حوار الحضارات” إن الثقافتين – أي الغربية والإسلامية – تقفان في مواجهة بعضهما البعض ومنذ قرون بينهما نزاعات عديدة, واليوم يتخذ التطور مداراً خاصاً أولاً. فمن جهة أتساع الجماهير ومن ثم حجم المصالح المراهن عليها، ومن جهة ثانية الأنشقاقات التي يمكن أن تنتج عنها. نحن نقف على مفترق طرق فالغرب يعيش أزمة قيم رهيبة وفي المقابل يظهر العالم الإسلامي رابطة أخلاقية شديدة للقيم الإسلامية تتجلى في التدين والثابت اللذين لم يعد يعرفهما الغرب. فالثقافة الغربية لها بلا ريب قيمتها والعالم الإسلامي لا يشارك في هذه القيم وخصائصها.

ويقول هنتنغتون: فالانتماء الديني اشمل من الانتماء الاثني لأنه لا يحدد فحسب علاقة الإنسان بمحيطه بل أيضاً علاقته بربه وهذا يحدد في النهاية وضع الإنسان في العالم.

ورمضان يتفق مع هذا الرأي بلا تحفظ وينتقد حضارة الغرب المادية الاستهلاكية ويقول أن العلمانية لم تحرر المجتمع من سلطة الدين فحسب بل وضعت أسساً للأخلاق تعتمد على العقلانية بعكس الأخلاق الدينية فهي شاملة.

إن إقصاء الديني وانتصار العقلانية يتغذيان من مصدرين:

المصدر الأول: إغريقي / روماني ويتمثل في أسطورة بروميثيوس “Prometheus” الذي سرق الشعلة المقدسة وهي النار أو هي المعرفة وأهداها للبشر، يثور ضد الآلهة ويضحي بنفسه من أجل الإنسان متحملاً غضب زيوس “Zeus” رب الأرباب والعذاب الأبدي.

المصدر الثاني: يهودي / مسيحي ويتمثل في قصة التضحية والفداء لسيدنا إبراهيم وأبنه إسحاق! الذي يسأل عن الفداء ويقول رمضان هنا يظهر التمزق والحيرة بين الإلهي والبشري بعكس الإسلام فالابن لا يسأل, فلا تردد ولا شك ولا مراجعة فالطاعة مطلقة والتسليم بإرادة الخالق.

ويقول رمضان أن النتيجة الحتمية لحياة مشتركة سليمة هو القيام بثورة فكرية كخطوة أولى لاجتياز الفرضية بأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ثقافياً في المقدمة والباقين متخلفين. إن الادعاء في هذا السياق أو مجرد التفكير بأنهم أكثر تقدماً لا يعني إلا شكل من أشكال القوة.

ويقول رالف غضبان  فالغرب من ناحية لا يُسمح له أن يدعي تفوقه على الشرق الإسلامي, ولكن رمضان يسمح لنفسه في معظم كتابه بالتشكي من الغرب. ويختم هذه الفقرة بجملة لرمضان يقول فيها: “بأن الاعتماد على الدين والثقافة يمكن تحريك الجماهير بصورة لا تجارى”. ويعلق رالف غضبان على هذه الجملة بأنه لا يمكن أن يقول هنتنغتون نفسه أحسن منها فيما يتعلق بصراع الحضارات.

في القسم الثاني وهو الأطول ويحتوي على عدة فصول بعنوان: “طارق رمضان وأسلمة أوروبا” يشير رالف غضبان إلى اللقاء التلفزيوني بين وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي Sarkozy ورمضان في نوفمبر 2002 والذي رفض فيه رمضان أن يدين عقوبة الرجم بالحجارة للمرأة وسط ذهول المشاهدين.

يقول رالف غضبان بأن طارق رمضان يختصر التشريع الإسلامي بما فيه من تنوع وغنَّى فقط في الصور الرهيبة لقطع الأيدي والأرجل والرجم وإنه يخلط بين القانون الشرعي بمدارسه الفقهية المختلفة والتي تفسح للقاضي مساحة واسعة لإصدار الأحكام التي تتلاءم مع الظروف الاجتماعية في ذلك الزمان وبين القوانين الوضعية في الإطار الإسلامي. وكمثال على ذلك العقوبة على الجنس المثلي التي كانت في السابق نادرة وفي الإطار المرن، بالمقارنة مع القانون الساري الآن في إيران منذ قيام الدولة الإسلامية عام 1979 الذي أدى إلى إعدام الآلاف من الجنس المثلي ونفس العدد تقريباً أيضاً في المملكة العربية السعودية بمذهبها الوهابي والتي ليس لها قوانين وضعية وتطبق المذهب الحنبلي فقط المعروف بعقوباته البالغة الشدة مقارنة بالمذاهب الفقهية السنية الثلاثة الأخرى.

كما هاجم رمضان بعض المثقفين اليهود الفرنسيين واتهمهم بالطائفية والتأييد الأعمى لسياسة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني مما اعتبره الرأي العام عداءأ للسامية.

كما استطاع أن يوقف عرضاً “لمسرحية محمد” لفولتير الذي قوبل بنقد عام من بعض المثقفين الذين اتهموه بالأصولية. وينتقد رمضان حياد المجال العام ويعتبره نوعاً من التحزب ضد الدين المقصود هنا عدم تعليم الدين في المدارس فحتى تحريم الموسيقى يجادل فيه متخذاً برنامج الإسلامويين.

وفي قضية الزواج المختلط أي زواج المسلمة من غير المسلم لا يعطي إجابة مباشرة حول موقفه من القضية وإنما كعادته يدور حول السؤال، تارة يستنطق النصوص الدينية ثم يتلاعب كعادته بالكلمات والألفاظ، فتارة يحلل الزواج ما دامت المرأة تعيش الإسلام بوجدانها وأحاسيسها – أما عن حقوقها الإنسانية فلا يخطر بباله – ثم يرفضه تارة أخرى عندما يتحدث أمام تجمع ديني مبيناً أن القرآن يرفضه. كذلك الشيخ يوسف القرضاوي يسمح به للمرأة المسلمة التي تعيش في الغرب ويحرمه في البلدان الإسلامية، فهذه الفتوى ليست متناقضة وانتهازية فحسب, بل وتفتقد أي أساس أخلاقي.

ويقول رالف غضبان أن دعوة رمضان لتجميد العمل بمبدأ العقوبات الجسدية – عقوبة الرجم والجلد والإعدام بحسب الشريعة الإسلامية “الحدود” – ما هي إلا دعاية شخصية لرمضان يريد بها أن يظهر أمام العالم الغربي وكأنه مجدد للإسلام، فالنقاش حول تطبيق العقوبات الجسدية ليس جديداً فقد دار النقاش حولها أثناء حياة الرسول (ص) وبين علماء المسلمين ويقول أن رمضان لا يمتلك حتى المعرفة الصحيحة للحدود كما بين ذلك علي جمعه مفتي جمهورية مصر وقد أثار اقتراحه حفيظة الكثير من علماء المسلمين في العالمين الإسلامي والغربي.

ثم يأتي بعد ذلك عرض مطول للتاريخ والتراث الإسلامي العربي، تاريخ الخلفاء الراشدين والصراع حول الخلافة ومقتل الأمام علي والخوارج والمدارس الفقهية المختلفة اللاهوت الإسلامي (علم الكلام) والفلسفة وخاصة لدى ابن رشد والتصوف الإسلامي.

والهدف من هذا العرض هو إظهار الجذور الفكرية لطارق رمضان والتي تبدأ بفكر الأمام الغزالي الذي يمثل الإسلام التقليدي الذي نعرفه الآن, ثم ابن تيمية الذي يمثل الإسلاموية والفقه الحنبلي المتشدد, وابن قيم  الجوزية, ثم الشيخ محمد رشيد رضا تلميذ محمد عبده, الذي اتخذ بعد وفاته موقفاً متشدداً سلفياً يتمثل في الوهابية السارية في السعودية وصولاً إلى حسن البنا تلميذ محمد رشيد رضا ثم طارق رمضان.

وأخيراً يوجز الكاتب الأفكار الأساسية لطارق رمضان فيما يلي:

1.                يرفض طارق رمضان الاستخدام الحر للعقل أو العقلانية فهو ينطلق من عقيدة التوحيد الإسلامية.

2.                أن الاجتهاد يوجد داخل الطريقة الكلاسيكية في فترة من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر.

هذا المذهب الذي يتبناه رمضان يشرح النصوص المقدسة من القرآن والسنة ويحدد طريقة استخدام المصادر. ويعتمد على القياس (قياس الغائب على الشاهد) بدلاً من أن يدعو إلى الاجتهاد لتأويل الشريعة التقليدية لمعالجة المشكلات الحاضرة.

3.                الطريقة الكلاسيكية لم تقم بطرد علم اللاهوت فحسب, بل أيضاً الفلسفة، فالفلسفة الإسلامية تمثل محاولة تصالح العقيدة مع العقل.

4.                علم الكلام ليس له مكان في فكر رمضان, أما الفلسفة فيستخدمها استخداماً توفيقياًً بمعنى أن يستشهد فقط بالذين يريدون إلغاءها ويحاربون الفكر الحر من أجل خدمة العقيدة كمصدر وحيد للمعرفة مثل الأمام الغزالي.

5.                خطابه أخلاقي ونمطي وينحصر في مذهب الفقه الكلاسيكي فلا مجال للتحديث فالإسلام أزلي لا يتغير والحداثة لا تعني إلا التجديف.

إن تجديد الشريعة يقوم على أسس المصلحة من أجل الوصول إلى سياقات تتناسب مع المجتمعات الغربية ولا يعترف بأي قيمة لاتجاهات العلمنة في التاريخ الإسلامي منذ بداية الإصلاح في العهد العثماني في منتصف القرن التاسع عشر وأعمال الإصلاحيين في عهد النهضة مثل محمد عبده والطهطاوي والكواكبي وعلى عبد الرازق والذي يتهمهم بمولاة الغرب الذي يجب مكافحته.

6.                رمضان ضد التنوير ولا يعترف بحقوق الإنسان ولا بفصل الدين عن الدولة.

7.                من أجل الوصول إلى هدفه لتكوين هُوية إسلامية معترف بها يستخدم بعض الأساليب ببراعة مستغلا عقدة الذنب أو تأنيب الضمير عند الأوروبيين مثل:

–                                          الإشارة إلى فترة الاستعمار البشعة.

–                                          فشل سياسة التعامل مع الأجانب.

–                                          تزايد الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا).

–                                          استخدام أيدلوجية التعدد الثقافي.

8.                الاندماج في نظر رمضان ليس اندماج المسلمين في البيئة الغربية وإنما اندماج البيئة في عالم المسلمين الكوني الأزلي. فالذين يعتقدون بأن إسلامه الأوروبي خطوة في طريق الاندماج هم على خطأٍ فادح. فإسلام طارق رمضان الأوروبي ليس خطوة في طريق الاندماج وإنما يمثل الاسلمة. فالإسلام الأوروبي ما هو إلا كسوة جديدة لموضوعات قديمة تم تجاوزها.

حسن البنا خاطب الفئة الوسطى المتعلمة وبالمثل يتحدث رمضان إلى أعضاء هذه الفئة التي بدأت في الاندماج وأن يصير أفرادها مواطنين كاملين في مجتمعهم. فبإسلامه يدفعهم إلى اتجاه “طائفي” ويجبرهم على ممارسة إسلامية تشكل لهم عائقاً في الوظيفة وبالتالي في الاندماج. أن آمال المتعاطفين مع الحوار مع رمضان بفرضية أنه سوف يحل بالإسلام مشاكل الطبقة الدنيا المهمشة، سوف تصيبهم خيبة الأمل، لأنه لا يصل أبداً لهؤلاء المهمشين، فهدفه ليس هدف متعددي الثقافات وإنما هو هدف الأخوان المسلمين وهو الذي يؤيد أو يقف على تراثهم الفكري والسياسي.

بعد هذا العرض لحوار الدكتور غضبان مع أفكار طارق رمضان أود أن أبدي بعض الملاحظات:

نظرية صراع الحضارات لهنتنغتون معروفة بأنها قامت لتخدم أهدافاً سياسية معينة ولا تصمد أمام النقد والتحليل العلمي. ربما كان هناك تقارب بين رمضان وهنتنغتون من ناحية طرح إشكالية الدين، ولكن عنوان كتابه الإسلام والغرب “من المواجهة إلى حوار الحضارات” يتناقض مع فكرة الصراع.

إن استنفار الدين والثقافة لتحريك شعوب مقهورة ومغلوبة على أمرها, مثل الشعوب الإسلامية والعربية من أجل عدم الشعور بالدونية وعدم الركون لليأس والإحباط أمام الغرب المتقدم, ليس دعوة للصراع بين الحضارات.

كما يمكن الاستشهاد بكلمات أخرى لطارق رمضان في هذا الصدد:

“إن القدرة على النقد حيال الثقافة الذاتية يعد من أهم شروط الوجود الإنساني وأي قواسم مشتركة مع الآخرين. إن التعامل النقدي الذاتي وفقاَ لكل ثقافاتنا له أهمية مركزية. عندما يسيطر عدم الثقة والمجابهة بين (نحن وهم), سوف يطبع تأثيره السلبي على مستقبلنا. فيجب أن يكون واضحاً لكل منا، بأننا جميعاً نتحمل مسؤولية كبيرة لبناء مستقبلنا المشترك”1.

أليست هذه دعوة واضحة للحوار الودي والندي والتعايش السلمي.

لا أدري لماذا يعيب رالف غضبان موقف رمضان عندما يطالب بتجميد العقوبات الجسدية الشرعية فرمضان بدعوته يدعو علماء المسلمين وأهل الفكر والأطباء وعلماء النفس للنقاش حول هذه العقوبات المهينة للإنسان والتي لا تتناسب مع التطور من أجل الإجماع على موقف وفي الواقع أنه أدخل علماء المسلمين في ورطة.  ويظهر هذا بوضوح من الهجوم الحاد عليه.

أما قول مفتي الديار المصرية على جمعة بأن الحدود لم تطبق في مصر منذ ألف عام فهذا صحيح، ولكن قد تم الصلب والقتل وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف في السودان ولا تزال تطبق العقوبات الجسدية في السعودية وإيران وملزيا ونيجيريا.

وطارق البشري المفكر الإسلامي الكبير والذي وصف اقتراح رمضان بالتهور ولا يطاق كما جاء في كتاب غضبان هو نفسه القائل:

أن الشريعة “ثابتة وذات وضع إلهي وأحكامها ونصوصها ليست تاريخية […] وإنها ليست من الأحداث التي ترد إلى أسباب حادثة وتتغير بتغير أحوال البشر عبر مراحل التاريخ …”2

فالبشري يرفض تاريخية النص الديني، فدعوة رمضان لتـأويل النصوص أو لفهم حديث لها تنتقد وتتعدى الأطروحة التقليدية في الاجتهاد التي يتمسك الكثير من علماء المسلمين التقليديين بقولهم: “لا اجتهاد في النص” فهذا موقف متقدم لرمضان.

عرض الكاتب أراء الأمام الغزالي بصورة مختصرة ولم توضع في سياقها التاريخي الاجتماعي وصور وكأنه مفكر تقليدي وهذا لا يتناسب مع قيمته الفكرية وأبحاثه في الفقه وعلم الكلام والتصوف ورده على الفلاسفة مستخدماً المنطق الارسطي.

لماذا يتهم رمضان بالأصولية لأنه استطاع إيقاف “مسرحية محمد” لفولتير مفكر عصر التنوير. والمسرحية بها إشارات تسئ إلى صورة نبي الإسلام (ص) وإهانة بالغة للإسلام والمسلمين. وهل نصف جوته (Goethe) شاعر ألمانيا الكبير بالأصولية وهو الذي قدم نقداَ لاذعاً للمسرحية أم نقول انه شاعر إنساني عظيم؟

يُوصف رمضان بأنه يبطن غير ما يظهر، وأنه عدو السامية، وذئب في زي حمل, وحصان طروادة الجهاد في أوروبا, ويقول عنه المفكر الفرنسي جيل كيبل “Gilles Kepel” بأنه وأعظ فقط فينفي عنه صفة المفكر ويتهمه فؤاد عجمي – وفؤاد عجمي أمريكي من أصل لبناني ومن مؤيدي سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية – بالكذب نافياً عنه صفة الأمانة العلمية، هل هذا النقد، في الواقع هذا القذف بريء من الغرض؟ أم يخفي خلفه أسباب سياسية تريد إسكات هذا الصوت البارز إعلامياً والقادر على مخاطبة الشباب المسلم ومعرفته الواسعة بالمجتمع الغربي؟

والآن بعض الملاحظات الجانبية أذكرها من أجل الدقة.

–                              محمد أحمد خلف الله لم يتقدم ببحثه لنيل درجة الدكتوراه في موضوع “الفن القصصي في القرآن الكريم” إلى الأزهر الشريف كما جاء في الكتاب وإنما تقدم به إلى كلية الآداب جامعة القاهرة وبأشراف العالم الجليل الشيخ أمين الخولي.

–                              هناك خلط في التواريخ وفي الأسماء، فأحياناً يكتب الاسم الواحد بطرق مختلفة مما يخلق نوعاً من اللبس للقارئ غير المتخصص ويعتبرهما لشخصيتين مختلفتين.

–                              لو جاء عنوان الكتاب “رمضان والإسلام الأوروبي” لكان أكثر صواباً وواقعية بدلاً من العنوان المثير “رمضان وأسلمة أوروبا” (أوربا العلمانية!) ولكن سياسة تسويق الكتاب لها لغتها الخاصة.

–                              يكتب غضبان إن سرد ومدلول قصة التضحية والفداء لسيدنا إبراهيم (ع) مختلفة في سياقها المسيحي عن الإسلام. ويقول حرفياً:

“فقصة تضحية إسحاق! تسرد في القرآن بصورة مختلفة” هذا صحيح, ولكن كان على غضبان أن يشير بأن الظاهر من القرآن الكريم والمصادر الإسلامية الموثوق بها (قصص الأنبياء للأمام ابن كثير) تدل بأن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق كما جاء في الإنجيل أو الإسرائيليات، حتى لا يحدث لبس للباحث الأوروبي عندما يعود إلى المصادر الإسلامية.

هذه الملاحظات لا تقلل أبداً من قيمة هذا الكتاب الذي اتسم بالهدوء والموضوعية والروح العلمية بعيداً عن السجال، والذي لقي ترحيباً لافتاً للنظر في الصحافة الألمانية, فقد صدرت حتى الآن خمسة تعليقات بالرغم من أن الكتاب صدر منذ فترة وجيزة كما أن الفهرس وكشاف المصطلحات في نهاية الكتاب كمصدرين هامين لمساعدة طلاب الدراسات الإسلامية لاستيعاب المفاهيم الفقهية الإسلامية.

وفي الختام يأتي السؤال المشروع.

هل استطاع رالف غضبان في كتابه الصغير الحجم والجزء الأكبر منه يتعرض للتاريخ والتراث الإسلامي العربي، أن يلم بجميع أفكار وآراء طارق رمضان المنشورة في عشرين كتاب بجانب 700 مقالة ومحاضرات عديدة ولقاءات تلفزيونية مع لغته المعقدة وأفكاره التي تبدو أحياناً متناقضة، ليصل إلى النتيجة التي ختم بها كتابه:

بأن رمضان ليس مصلحاً أو مجدداً في الإسلام وإنما إسلاموي أخواني سلفي. أما الإجابة على السؤال فستبقى مفتوحة.

* رالف غضبان

من مواليد 1949 ألماني من أصل لبناني، درس الفلسفة وعلم الإسلاميات ودكتوراه في العلوم السياسية، وخبير في قضايا الهجرة واندماج الأقليات الأثنية، يقوم حالياً بالتدريس في المدارس الكاثوليكية والبروتستانتية (الإنجيلية) المهنية العليا في برلين.

** طارق سعيد رمضان

حفيد المرشد حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين في مصر (1928) ولد عام 1962 في جنيف / سويسرا، تلقى تعليمه الأولي في مدارس جنيف الفرنسية ودرس الفلسفة والأدب الفرنسي وحصل على الدكتوراه في علم الإسلاميات وينتمي إلى الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين, أستاذ جامعي والممثل البارز لما يسمى الإسلام الأوربي وحالياً أستاذ زائر بجامعة اكسفورد / بريطانيا.

*** حامد فضل الله

طبيب اختصاصي بألمانيا يهتم بالثقافة ومقرر منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية “أومراس” في برلين / ألمانيا.

Ralph Ghadban

Tariq Ramadan und die Islamisierung Europas

Berlin/r erlag Hans SchileV

2006

1.                Tariq Ramadan; Euro – Islam und muslimische Renaissance: Blätter für deutsche und internationale Politik 6/06.

2.                مأخوذة من كتاب “أولية العقل” لعادل ضاهر ص 320

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial