متحف هيروشيما التذكارى للسلام

الدليل المسموع

اللغة العربية

Khairy Douma
خيرى دومة

المبنى الشرقى – الطابق الأول 1F  

 ١ مقدمة

فى السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، غدَتْ  هيروشيما Hiroshima  أولَ مدينة فى العالم تعانى من قنبلة ذرية .

مات أكثرُ  من مائةِ ألف ١٠٠,٠٠٠ شخص من تلك القنبلة .

نصفُ قرن مضى منذ أن فُتِحَ الستارُ عن العصر النووى .

ولا نزال اليومَ تحت التهديدِ النووى .

ومتحفُ هيروشيما التذكارى للسلام يعملُ من أجلِ وقْفِ الأسلحة النووية ، وإِحلالِ السلام الدائم على العالم .

لقد حوَّلت القنبلةُ الذريةُ هيروشيما على الفور إلى حُطَام  . عشراتُ الآلاف من البشر فقدوا حياتَهم .

وكان عمالُ السُّخْرة من كوريا ومن الصين ، من بين الضحايا .

كانت مدرسة هيروشيما للدراسات العليا تعطى للمدينة مكانةً رفيعةً ودائمةً ، باعتبارها مدينةً للتعليم . ولأنها كانت مقرا للفرقة الخامسة من الجيش ، فقد كانت هيروشيما مشهورةً أيضًا باعتبارها مدينة عسكرية .

بعد القنبلة نهضتْ هيروشيما من بين الأنقاض ، وظهرت للوجود من جديد باعتبارها مدينة للسلام .

اليومَ ، هناك الآف من الأسلحة النووية ، لما تزل منتشرة حول العالم .

الدول التى تملك أسلحة نووية بشكل رسمى هى : الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا ، والمملكة المتحدة ، وفرنسا ، والصين .

وما دامت الأسلحة النووية موجودة ، فلا مفرَّ من احتمالية حرب نووية .

ماذا حدث فى هيروشيما فى السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥ ؟

انفجرت قنبلة ذرية ، وتحولت إلى قذيفة عملاقة ، نتجت عنها أشعة حارقة وانفجار مهول ، مما أدى إلى تدمير المبانى والبشر .

ومما زاد الأمر سوءا أن آلافا قد أصابهم الإشعاع .

وما لم يتم منع التجارب النووية ، وتدمير كل الأسلحة النووية ، فإننا قد ندمر بيئة الكرة الأرضية ، ونقضى على كل أشكال الحياة على الأرض . هيروشيما دعوة للوحدة  طلبًا لبقاء الإنسان .

هيروشيما قبل القصف الذرى

 ٢ تاريخ هيروشيما ما قبل القنبلة الذرية

هيروشيما ” مدينة الماء “ مبنية على دلتا نهر أوتا Ota . نمت المدينة حول قلعة هيروشيما ، التى كانت قد بنيت قبل ما يزيد على أربعمائة ٤٠٠ عام . وخلال عصر إدوEdo  ( ألف وستمائة وثلاثة ١٦٠٣- ألف وثمانمائة وسبعة وستين ١٨٦٧ ) تطورت المدينة لتصبح أول مركز للنقل والتجارة فى منطقة تشوجوكوChugoku – شيكوكو Shikoku . وفى عام ألف وثمانمائة وتسبعة وثمانين ١٨٨٩، افتتحت محافظة هيروشيما Hiroshima مقرا لها فى المدينة التى كانت تتطور بسرعة .

وقد أدى تأسيس مدرسة التعليم العالى وغيرها من المدارس إلى ذيوع صيت هيروشيما باعتبارها ” مدينة التعليم “. ومن جهة أخرى ، كان الجيش قد نشر فرقته الخامسة فى هيروشيما . وكلما كانت اليابان تدخل حربًا كان موظفو الجيش يتجمعون فى هيروشيما فى طريقهم إلى الجبهة . وكانت المرافق العسكرية تتزايد حول المدينة . وهكذا  ، كان لهيروشيما جانبان أساسيان : مدينة التعليم ، والمدينة العسكرية .

 ٣ كل شىء من أجل الحرب  دعوات لتجميع المعادن ،  سندات للحرب 

لقد أدى انطلاق الحرب الصينية اليابانية إلى قيام نظام يستقطب البلد كلها لتأييد الحرب ؛ فقد دخل قانون التعبئة الوطنية حيز التنفيذ فى عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين ١٩٣٨، مما أدى إلى تعبئة الناس والإمكانات ، وكل شىء آخر لخدمة المجهود الحربى ، وأخذت الحرب تلون كل جوانب الحياة اليومية .

كان هناك ملصقان يعلنان عن نظام لتجميع المعادن ، وهو النظام المنوط به تجميع المعادن لاستخدامها فى تصنيع الأسلحة . وقد بدأ العمل بالقانون فى عام ألف وتسعمائة وواحد وأربعين ١٩٤١ بمصادرة أجراس المعابد ومصادرة حتى أوانى وأوعية الطبيخ فى المنازل .

كانت الأسهم قد أصدرت ، وعلى يسارها صور لدبابة وطائرة ، وذلك للمساعدة على دفع التكاليف العسكرية . وحتى تغطى الحكومة مصروفاتها العسكرية المهولة ، أصدرت سندات وطنية متعددة ، وأجبرت الناس على شرائها . فى عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين ١٩٤٤، ومع اقتراب نهاية الحرب ، جعلت الحكومة الأولوية للإنفاق العسكرى ، لدرجة أنه اقتطع ثمانين ٨٠ فى المائة من ميزانية البلاد . كل هذه الجهود كانت تذهب إلى الجيش .

 ٤ مشروع مانهاتن Manhattan

فى أغسطس عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين ١٩٤٢ بدأت الولايات المتحدة برنامجًا بالغ السرية لتصنيع قنبلة ذرية ، وقد أطلق عليه مشروع مانهاتن Manhattan . كان مشروعًا وطنيًا تكلف مبلغًا فلكيًا : اثنين ٢ بليون دولار . وحين كان المشروع فى ذروته ، عمل فيه مائة وتسعة وعشرون ألف ١٢٩,٠٠٠ شخص . وتم اتخاذ القرار باستخدام القنبلة الذرية ضد اليابان فى سبتمبر عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين ١٩٤٤. وحتى تبرر لعامة الأمريكيين المبالغ المهولة من الأموال والموارد التى تطلبها تطوير القنبلة ، ولكى تحقق تفوقًا استراتيجيًا على الاتحاد السوفيتى بعد الحرب ، سارعت الولايات المتحدة إلى استخدام القنبلة الذرية .

 ٥ انتقاء المدن المستهدفة

فى أبريل عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥ اختارت الولايات المتحدة سبع عشرة مدينة فى اليابان أهدافا محتملة للقنبلة الذرية . وفى مايو ، اختُصرت القائمة إلى أربع مدن مرشحة : كيوتو Kyoto ، وهيروشيما ، ويوكوهاما Yokohama ، وكوكورا Kokura . فيما بعد ، تم إدخال تعديلات متعددة على القائمة ، بما فى ذلك استبعاد كيوتو Kyoto مراعاةً لسياسة الاحتلال فيما بعد الحرب .

صدر أمر فى الخامس والعشرين ٢٥ من يوليو يحدد هيروشيما ، وكوكوراKokura  ، ونيجاتاNigata  ، وناجاساكى Nagasaki ، مدنًا مرشحة . وحدد الأمر النهائى الصادر فى الثانى من أغسطس تاريخ السادس من أغسطس ومدينة هيروشيما كهدف أول ، تليه كوكورا Kokura وناجاساكىNagasaki  كهدفين ثان وثالث . وتم تنفيذ الأمر فى السادس من أغسطس .

فى نهاية الحرب بين اليابان وأمريكا فى منطقة المحيط الهادى ، كانت مدن اليابان الأساسية تتعرض للقصف الجوى بشكل شبه يومى ، غير أن أمرًا صدر فى مايو بوقف القصف التقليدى للمدن المرشحة . وكان هذا الأمر لضمان أن تكون آثار القنبلة الذرية  آثارًا محققة وأكيدة . كانت هيروشيما ، حين ألقيت القنبلة الذرية ، أكبر مدينة يابانية لم تتعرض للقصف الجوى بعد .

 ٦ منطقة ناكاجيما Nakajima ( حديقة السلام التذكارية ) قبل القنبلة

هل تعرفون كيف كانت المنطقة ، أى الحديقة التى أنتم فيها الآن ، تبدو قبل القنبلة ؟ هذا النموذج يرسم تلك المنطقة كما كانت تبدو فى ذلك الحين .

لأن هذه المنطقة كانت تمتد على ممر مائى يجرى عبر المدينة من الشرق ومن الغرب ، فقد نمت وأصبحت أكثر أحياء هيروشيما ثراءً . كانت الشوارع وقد اصطفت على جانبيها المحلات ، تعج بالحركة التجارية .

وكما يمكنكم أن تروا ، كانت البيوت متراصة إلى جوار بعضها على طول الشوارع ، وكانت القوارب تتهادى أسفل الأنهار وأعلاها ، وكانت المعابد فى كل مكان يفوح منها عبق التاريخ . الآف وآلاف من الأرواح كانت تعيش  فى هذه المنطقة .

هذا المبنى ذو الطابع الغربى بقبته الخضراء المدهشة ، هو قاعة هيروشيما للتنمية الصناعية . وهذا الكوبرى على شكل حرف T كوبرى أيووىAioi  ، كان هدف القنبلة الذرية .

هل ترون هذه المنطقة الخالية من كل بناء إلا أساسات البيوت ؟ كانت هذه ممرات يتم إخلاؤها كعوازل لوقف الحرائق بعد غارة جوية . وأثناء المراحل الأخيرة من الحرب بين اليابان وأمريكا فى منطقة المحيط الهادى ، كان سريعًا ما يتم إخلاء هذه المناطق العازلة للنيران ، فى كل مدن اليابان . وهذا ما جعل الناس يخافون أكثر ، ويشعرون أن الهجمات شديدة القرب منهم .

 ٧ منطقة ناكاجيما Nakajima ( حديقة السلام التذكارية ) بعد القنبلة

هذا النموذج يظهر الحى نفسه بعد القنبلة الذرية . لقد تغير كليةً . والبقعة الرمادية تشير إلى المكان الذى تقفون فيه الآن .

هل تعرفون ما هذه البقعة الحمراء أعلى النموذج ؟ إنها تصور القذيفة التى تخلقت من انفجار القنبلة .

فى الثامنة والربع ١٥: ٨ صباحًا ، السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، ألقت الطائرة بى تسعة وعشرين ٢٩ B ، المعروفة باسم Enola Gay ، القنبلة الذرية . انفجرت القنبلة فى مركز المدينة تقريبًا . وحتى نهاية ديسمبر من ذلك العام أودى هذا الانفجار وحده ، بحياة مائة وأربعين ألف ١٤٠,٠٠٠ شخص .

انظروا إلى هذه الصورة الفوتوغرافية الكبيرة خلف نموذج قبة القنبلة الذرية . إنها تظهر مركز المدينة بعد حوالى شهرين من تفجير القنبلة ؛ فباستثناء أعمدة خراسانية حديدية قليلة ، كانت المدينة قد تحولت إلى مجرد حطام محترق .

ولأن المنطقة التى يمثلها هذا النموذج كانت تبعد حوالى خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار؛ فقد انمحت . وبعد الحرب ، ولدت من جديد باسم الحديقة التذكارية للسلام . وستظل هذه المنطقة تذكرنا إلى الأبد بكارثة القنبلة الذرية ، وتنشر على العالم بلا انقطاع ، روح هيروشيما ، ذكرى هؤلاء الذين فقدوا حياتهم فى هذه القنبلة ، وما أعقبها من رغبة فى السلام .

هيروشيما أثر بعد عين

 ٨ برقيات الاحتجاج

اقرأ من فضلك برقيات الاحتجاج على الجدران من حولك . تلك هى الرسائل التى أرسلها عمد هيروشيما منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين ١٩٦٨ إلى قادة البلدان التى تجرى تجارب نووية . لقد صممت هيروشيما ، بعد أن حولتها القنبلة النووية إلى أنقاض ، أن تزيل الأسلحة النووية ، وأن تنقل تصميمها إلى البلدان الأخرى . وكجزء من السعى لتخليص الأرض من الأسلحة النووية ، يرسل عمدة هيروشيما برقية احتجاج على كل تجربة نووية . ومع كل رسالة احتجاج ، يأمل العمدة أن تكون هذه هى البرقية الأخيرة .

 ٩ قبة القنبلة الذرية

إن قبة القنبلة الذرية اليوم تحاول عبثا أن تستحضر الصرح الشامخ الذى كان مرة باسم قاعة هيروشيما الكبرى للتنمية الصناعية . لقد أدت الحرارة المهولة الناتجة عن الأشعة ، إلى انصهار السقف النحاسى للقبة على الفور . وأدت القذيفة التى سقطت بشكل شبه مباشر ، إلى تدمير كامل المبنى القرميدى الضخم ، فيما عدا منطقة صغيرة فى الوسط ، ومات كل من كان فى المبنى .

هذا نموذج للقبة بعد القصف . ولأنها تذكرنا بما تبقى من ذلك اليوم الرهيب ؛ فقد ود كثيرون لو تمت إزالتها . وبعد عقود من الجدال ، قررت المدينة أن تبقى عليها مصحوبة بهذه الكلمات : ” فلنسعَ لمستقبل جديد ، ولتكن القبة وسيلتنا لضمان ألا تتكرر أبدًا هذه التجربة البغيضة “. وقد أصبحت القبة فى عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين ١٩٩٦ واحدًا من مواقع التراث العالمى المسجلة لدى اليونسكو UNESCO ، يتم توظيفها شاهدَ عيان ينقل مأساة هيروشيما إلى الأجيال المقبلة . إن المبنى الذى تم قصفه على نهر موتوياسو Motoyasu ، سيقف إلى الأبد ، تمامًا كما بدا فى أعقاب القصف .

 〕المبنى الشرقى – الطابق الثانى

الحرب ، والقنبلة الذرية ، وأهالى هيروشيما

 ١٠ الحرب ، والقنبلة الذرية ، وأهالى هيروشيما

هذا المعرض يصور تعافى هيروشيما ما بعد الحرب ، والآثار المستمرة لدمار القنبلة الذرية .

أولئك الذين تمكنوا من البقاء ، وأفلتوا من القنبلة الذرية ، فقدوا أماكن عملهم ، وفقدوا بيوتهم . رجع الناس إلى هيروشيما بعد الحرب ليجدوا أن ما قامت عليه حياتهم قد انمحى تمامًا . ومع ذلك ، ورغم ما أحدثته القنبلة من تصدع ، فإن تحولا اجتماعيًا هائلا كان قد تولد عن الاستسلام والاحتلال ، والنقص الحاد فى الأغذية والأموال والمواد الخام ، وبدأ الناس فى بناء حياتهم من جديد . إن دعم البلدان المحيطة باليابان ، ودعم العالم كله ، وخصوصًا تفعيل قانون ترميم مدينة هيروشيما مدينة تذكارية للسلام فى عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين ١٩٤٩، كل هذا أدى إلى التعافى بخطوات متسارعة .

 ١١ معاناة الأطفال بعد أهليهم

قرب نهاية الحرب ، ترك تلاميذ المدرسة الابتدائية – من الصف الثالث إلى الصف السادس – عائلاتهم ، وتم نقلهم إلى الريف ، هربًا من احتمالية الغارات الجوية المعتادة . ونتيجة لهذا ، فإن الكثير من العائلات قد تقلصت عند نهاية الحرب إلى مجرد أطفال مبعدين ؛ ذلك أن كل أفراد العائلة الذين ظلوا فى المدينة ماتوا . وقد قدر عدد ” يتامى القنبلة الذرية “ الذين فقدوا والديهم فى انفجار القنبلة بين ألفين ٢,٠٠٠ وسبعة آلاف ٧,٠٠٠ يتيم . أما العدد الفعلى فغير معروف .

وتظهر الصورة أطفالا يلمعون الأحذية أمام محطة هيروشيما بعد ثلاث سنوات من القنبلة . كان العيش فى صخب اليابان بعد الحرب مسألة قاسية حتى بالنسبة للكبار . أما بالنسبة للأطفال الذين فقدوا ذويهم ، فقد كانت المصيبة أقسى . تم فتح دور للأيتام ، وظهرت أنواع متعددة من المساعدة ، منها التبرع لهم بالبضائع ، وبرامج تبنيهم أخلاقيا ، لكن شيئا لم يعوضهم عن حزنهم لفقد الأهل .

 المبنى الشرقى – الطابق الثالث

العصر النووى

 ١٢ العصر النووى

كان قصف هيروشيما وناجاساكى Nagasaki بالقنبلة الذرية قد بشر بالعصر النووى . فمنذ ذلك الوقت وضعت الأسلحة النووية البشرية كلها على حافة الفناء . وآمنت الدول المالكة للأسلحة النووية بنظرية الردع ، وبأن قوة الأسلحة النووية سوف تروع البلدان الأخرى وتحبط أى نية للهجوم . الآن ، ومع اتفاقيات نزع التسلح القائمة ، تظل هناك عشرات الآلاف من الأسلحة النووية . وإذا ما اندلعت حرب نووية فإن هذا لا يزال يعنى نهاية البشرية . إن وقف الأسلحة النووية أمر ضرورى لبقائنا .

 ١٣ العالم النووى

لا يزال كوكبنا تقض مضجعه عشرات الالاف من الأسلحة النووية . ففى عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين  ١٩٦٨ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعبر الجهود المشتركة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ، معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية .

وقد اعترفت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية بكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين دولا مالكة للأسلحة النووية ، وحظرت على الدول الأخرى تطوير أسلحة نووية . كما أنها أوجبت على الدول المالكة للأسلحة النووية أن تتفاوض من أجل نزع الأسلحة النووية بشكل كامل . ومع أنه قد تم ، فى مايو عام ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين ١٩٩٥، تمديد العمل بالاتفاقية إلى أجل غير محدود ، فإنه لم توقع عليها كل الدول ، وظل انتشار الأسلحة النووية يمثل تهديدًا .

وقد أجرت الهند وباكستان تجاربهما النووية فى عام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين ١٩٩٨. ومن المعتقد أن دولا أخرى تملك أسلحة نووية . إن عدم التقدم فى مفاوضات نزع الأسلحة النووية بين الدول المالكة لهذه الأسلحة ، ومشكلة تدبير التخلص من مخزون الأسلحة النووية ، وقضايا أخرى – كل هذا أدى إلى استمرار التهديد لبقاء البشرية . إن الأمر الأكثر حيوية بالنسبة للبشرية الآن أكثر من أى وقت مضى ، هو أن نكثف جهودنا لحل مشكلة الأسلحة النووية .

الطريق إلى السلام

 ١٤ احتفالية السلام التذكارية

كل عام ، ومنذ عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين ١٩٤٧، تقام احتفالية سلام تذكارية فى حديقة السلام التكارية ، وذلك فى السادس من أغسطس . وبعد حوالى عشر ١٠ سنوات من إلقاء القنبلة ، كانت حركة متنامية معارضة للقنابل الذرية والهيدروجينية تقوم بإبلاغ الأمة كلها بأمر هذه الاحتفالية .

وفى الاحتفالية يتم تكريم أسماء من تأكد موتهم من ضحايا القنيلة الذرية منذ العام الماضى ، بأن تضاف أسماؤهم إلى القوائم التى تضم ضحايا القنبلة . فى الثامنة والربع ١٥: ٨ ، موعد إلقاء القنبلة ، تقرع أجراس السلام ، ويشترك الجميع فى لحظة صمت . ثم ينقل عمدة هيروشيما إلى العالم إعلان سلام يعبر عن التعازى للموتى ، ويدعو العالم إلى العمل من أجل وقف الأسلحة النووية وخلق سلام عالمى دائم .

ونظرًا لأن المعاناة التى جلبتها القنبلة الذرية كانت مأساوية ، فإن الإيمان بحتمية إزالة الأسلحة النووية قد استقر تمامًا فى قلوب أهالى هيروشيما . إن ”روح هيروشيما “، ورغبتها فى وقف الأسلحة النووية وبناء سلام عالمى دائم وأصيل ، كل ذلك دفعها إلى ”رحلة من أجل السلام “ على مستوى العالم .

 ١٥ شجرة العنقاء بعد القنبلة الذرية

بعد أن تحولت هيروشيما إلى هشيم محتضر ، سرت إشاعات بأنه لن تنمو نبتة هناك لمدة خمسة وسبعين ٧٥ عامًا . ولكن سرعان ما نمت الحشائش وأطلقت الأشجار أوراقها الخضراء وزهورها البديعة . ولك أن تتخيل ما بعثته الخضرة الجديدة من تشجيع فى الناجين وبقية سكان هيروشيما الذين كانوا ما زالوا يترنحون من هول الانفجار الذى تعرضوا له . وبعد أكثر من نصف قرن ، لا تزال الأشجار الحاملة لندوب القنبلة الذرية ، حية فى مدينة هيروشيما .

كانت شجرة العنقاء الموجودة فى هذه الصورة قد تعرضت للقنبلة على بعد ألف وثلاثمائة وثمانين ١,٣٨٠ مترًا من مركز الانفجار . ويمكنك أن ترى أن أحد جانبى جذع الشجرة قد أصبح مجوفًا من أثر الحرق العميق . فى عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين١٩٧٣ ، تم نقل الشجرة إلى حديقة السلام التذكارية ، إلى الشمال مباشرة من هذا المبنى ، حيث لا تزال أوراقها الخضراء ترفرف فى الهواء . كما أن بذورًا من شجرة العنقاء هذه تنمو الآن فى باحات المدارس فى كل أنحاء اليابان ، وتساعد فى إشعار الصغار بأهمية  السلام .

 المبنى الغربى

السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين 1945

 ١٦ السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين 1945 ( سحابة من عيش الغراب وصورة التقطتها يوشيتو ماتسوشيجيه  Yoshito Matsushige)

السحابة التى نتجت عن الانفجار النووى أمكن رؤيتها على مسافة كبيرة من هيروشيما . وهذه الصور كان قد التفطها أناس تظهر حجم هذه السحابة الغريبة التى تكدر السماء .

انظروا من فضلكم إلى هذه الصورة الكبيرة على اليمين . ولأنها التفطت فى الساعة الحادية عشرة ١١ صباح السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، فهى تظهر الناجين ، وكثير منهم مصاب بحروق فظيعة ، أولئك الناجين الذين فروا إلى الطرف البعيد من كوبرى كانت تفصله عن مركز الانفجار مسافة تقدر بألفين ومائتين وسبعين ٢,٢٧٠ مترًا . كان هذا هو المشهد الوحيد من مشاهد الدمار فى المدينة الذى تم التقاطه يوم ألقيت القنبلة . كان مصور صحفى قد جال فى المدينة بكاميرته ليسجل مثل هذه المشاهد فى صورة فيلم . غير أنه حينما رأى آلافا من الجثث المتفحمة ، وحينما رأى أناسًا يعانون إصابات مرعبة ويرقدون هنا وهناك بلا معين ، أصابه الشلل ولم يستطع أن يجعل منهم موضوعه . لم يستطع أن يلتقط فى نهاية المطاف سوى خمس صور .

 ١٧ المراوحة بين الحياة والموت

تحت شعاعات ضاربة إلى الزرقة

تسلَّخ جلدى

وفى عينى المنقوعتين فى الدم

الشمس حالكة

أفر على رمال ناعمة

أسند قدمى المرتعشتين

بعصًا من خيزران

لحمها المهترئ مسلوخ يفضح العظم

والدة تنحنى على الطريق

تعانق طفلا ميتا

وتكح شيئا أسود

” حران ، حران

يا أُمى“

عيناه مفقوءتان

والملابس أحرقتها الأشعة

طالب المدرسة الإعدادية يتلوى على الأرض

نافخا فقاقيع دامية

شعر الرأس واقف

والذراعان مرفوعتان إلى السماء

حيّى أم ميت ؟

ذكر أم أنثى ؟

مجرد وجه رمادى طاف على النهر

( ” هيروشيما “ لناكامورا Nakamura ، من ديوان” تحت غيمة القنبلة الذرية  )

فر الناجون عبر حطام مدينتهم  . كانت جلودهم ، التى فحمتها سخونة الأشعة الرهيبة الناتجة عن القنبلة الذرية ، قد ذراها الانفجار الذى نزل بهم  . كانوا جاهلين بما حدث لهم ، يغطيهم السخام والغبار الناتج عن النيران ، يرتدون بالكاد أسمالاً دامية ؛ فترنحوا يمينًا ويسارًا باحثين عن مكان آمن. قلة من الناس هم الذين استطاعوا فى النهاية أن يجدوا مخرجًا من المدينة المحترقة، ويجدوا سريرًا وعلاجًا ودواء . رقدوا – ببساطة – أينما استطاعوا . ” أعطني ماء “، ” ماء “. لقد أغرت حرارة أغسطس اليرقات المثخنة بجراحها . ومات كثيرون على هذا النحو ، متعطشين للماء ، ودون أن يروا عائلاتهم مرة أخرى .

 ١٨ هيروشيما أثر بعد عين

كانت القنبلة الذرية قد ألقيت فى الثامنة والربع ١٥: ٨ صباح السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥. انفجرت القنبلة مع وميض غامض على بعد حوالى ستمائة ٦٠٠ متر فوق مركز المدينة . وقد وصفت القذيفة البيضاء اللهب بأنها شمس صغيرة . قُدِّرَ عدد الموجودين فى هيروشيما فى ذلك الوقت بحوالى ثلاثمائة وخمسين ألف ٣٥٠,٠٠٠ نسمة . وهذا العدد يتضمن عشرات الآلاف من الكوريين والصينيين ، بما فى ذلك عمال السخرة . وكان من بين الضحايا كذلك طلاب التبادل العلمى من جنوب شرق آسيا ، والأسرى الأمريكيون .

بعد ثانية واحدة من الانفجار أصبحت القذيفة فى دائرة قطرها مائتان وثمانون ٢٨٠ مترًا ، وكانت درجة الحرارة فى مركز القذيفة تتجاوز مليون درجة مئوية . وقد رفعت السخونة المنبعثة من القذيفة درجة الحرارة على سطح الأرض قرب مكان الانفجار إلى ما بين ثلاثة آلاف ٣,٠٠٠ إلى أربعة آلاف ٤,٠٠٠ درجة مئوية .

وعلى مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار كان ثقل الانفجار تسعة عشر ١٩ طنًا لكل متر مربع ، وكانت السرعة القصوى للرياح أربعمائة وأربعين ٤٤٠ مترًا فى الثانية . ببساطة ، عصف الانفجار بكل المبانى الخشبية القائمة فى دائرة نصف قطرها كيلومتران .

بعد السخونة ، والانفجار ، والأشعة ، لم تترك النيران التى عصفت بالمدينة  إلا أنقاضًا محترقة . وحتى نهاية ديسمبر من ذلك العام كان مائة وأربعون ألفًا  ١٤٠,٠٠٠من الضحايا قد ماتوا .

هذه الصورة البانورامية ( بمقياس رسم ألف ١,٠٠٠ إلى واحد ١) نموذج لهيروشيما فى دائرة نصف قطرها ألفان وسبعمائة وخمسون ٢,٧٥٠ مترًا ، ومركزها حيث مركز الانفجار . وكما يمكنكم أن تلاحظوا ، فإن الغالبية العظمى من المبانى كانت قد تهشمت واحترقت .

كانت السحابة التى تمخض عنها الانفجار قد صعدت فى السماء إلى مسافة اثنى عشر ألف ١٢,٠٠٠ متر . فى هذا النموذج ستكون السحابة على ارتفاع اثنى عشر ١٢ مترًا . تحت سحابة عيش الغراب العملاقة تلك ، فقد عشرات الآلاف حياتهم على الفور جراء التفاعل المعقد بين السخونة والانفجار والإشعاع ، وما تلا ذلك من نيران شملت المدينة كلها . واتسع الخراب إلى مدى لم يسبق له مثيل .

 ١٩ القنبلة الذرية الملقاة على هيروشيما

طولها حوالى ثلاثة أمتار ، وزنتها حوالى أريعة أطنان ، كانت هذه هى القنبلة الذرية التى حولت هيروشيما إلى أنقاض . استخدمت قنبلة هيروشيما الطافة الناتجة عن انشطار ذرات اليورانيوم . من كمية اليورانيوم المحدودة الموضوعة فى القنبلة – ما يقرب من خمسين كيلو جرام – حوالى كيلو جرام واحد فقط هو الذى انشطر ، وأدى إلى هذا المدى من الخراب .

 لقد نتج عن القنبلة الذرية قوة تدمير فادحة ، مختلفة تمامًا عن القوة التدميرية الناتجة عن قنابل تستخدم المتفجرات التقليدية ، وانبعثت منها أشعة بالغة السخونة وانفجار مريع . غير أن الفارق الحاسم كان فى الإشعاع الهائل الذى أدى إلى ضرر بالغ بكل الكائنات الحية ؛ ذلك أن الأسلحة التقليدية لا ينتج عنها مثل هذا الإشعاع  .

شهود عيان

 ٢٠ ساعة جيب

كينجو نيكاوا Kengo Nikawa ، تسع وخمسون ٥٩ سنة ، كان على كوبرى  ، يبعد مسافة ألف وستمائة وأربعين ١,٦٤٠ مترًا من مركز الانفجار . أصيب بحروق بشعة فى كتفه وظهره ورأسه . ومع ذلك ، تمكن من الفرار إلى بيت أحد  أقاربه فى ضواحى المدينة ، وقد أولاه أهله أفضل رعاية ممكنة ، لكنه توفى فى الثانى والعشرين ٢٢ من أغسطس . ساعة الجيب هذه كانت هدية من أكبر أبنائه كازوو Kazuo ، وقد احتفظ بها كينجو Kengo معه فى كل وقت . الغطاء الزجاجى مفقود . ربما تكسر من جراء الانفجار الذى قذف بالرجل إلى النهر .

 ٢١ زى مدرسى بناتى

نوبوكو شودا  Nobuko Shoda، كان عمرها أربعة عشر ١٤ عامًا حين تعرضت للقنبلة فى مكانها عند مبنى متهدم على مسافة ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر من مركز الانفجار . حروق بالغة تغطى جسدها كله . تورمت قدماها على نحو خرافى . وجلد ذراعيها تسلخ وتعلق بالأسمال البالية . والدها ميتسووMitsuo  ، الذى أصيب هو نفسه إصابة بالغة فى قدمه ، استمات فى البحث عن نوبوكو Nobuko . وفى اليوم التالى ، السابع من أغسطس ، عثر عليها ميتسووMitsuo  ووالدتها توشيوكو Toshiko فى نهاية المطاف . حملها ميتسووMitsuo  على ظهره إلى مستشفى الصليب الأحمر بهيروشيما . غير أن كل الأدوية ضاعت سدى ، ولم يكن بإمكانها أن تتلقى العلاج المناسب . فى الثامن من أغسطس ، أخذها وعاد إلى بيتهم المتهدم جزئيًا . ماتت نوبوكو Nobuko وعائلتها إلى جانبها ، صبيحة العاشر من أغسطس . هذا هو الزى الذى كانت ترتديه نوبوكو Nobuko حين تعرضت للقنبلة .

 ٢٢ صندل خشب (جيتاgeta  )

ميوكو Miyoko ، كانت فى الثالثة عشرة ١٣، تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار.  لما لم تعد إلى البيت ، راحت أمها توميكوTomiko  تبحث عنها فى المدينة . بحثت عنها يومًا بعد يوم ، لكنها لم تجد لها أثرًا على الإطلاق . أخيرًا ، وفى شهر أكتوبر ، وتحت بلاطة السطح المنصهرة ، وجدت هذا الصندل الخشبى مع بصمة قدم واضحة عليه . لقد أدركت أنها قدم ميوكوMiyoko  ؛ لأن توميكوTomiko  كانت قد صنعت رباط الصندل بنفسها من كيمونوkimono  قد يم.

كانت ميوكوMiyoko  تعمل مع خمسمائة وثلاثة وأربعين ٥٤٣ من زملاء الدراسة يقودهم ثمانية من المدرسين.  وعلى هذه المسافة القصيرة من مركز الانفجار ، كان الجميع قد صعقتهم سخونة الأشعة والانفجار.  ومات الجميع تقريبًا وعلى الفور.  وأولئك الذين تمكنوا من الفرار من موت فورى ابتلعتهم النيران التى تلت ذلك.  لم يبق منهم أحد.

 ٢٣ علبة غداء

شيجيرو أوريمين Shigeru Orimen ، تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ستمائة ٦٠٠ متر عن مركز الانفجار.  كان عمره ثلاثة عشر ١٣ عامًا.  حين أخفق فى العودة إلى البيت ، راحت أمه شيجيكو Shigeko تبحث عنه فى المدينة.  قطعت كل أنحاء المدينة مشيًا ، وفى فجر اليوم الثالث رأت جسد طفل متكوم فى وضع جنينى.  وحيث أن اسم أوريمينOrimen  كان منقوشًا على علبة الغداء التى كان لا يزال يضمها إلى بطنه ؛ فقد أدركت أن هذا الجسد المحروق هو شيجيروShigeru  .كان هناك ثقب فى علبة الغداء ، وكانت محتوياتها متفحمة.  علبة الغداء المسودَّة تلك كانت قد أُعدَّتْ بعناية وملئت بغداء مخصوص مكون من حبوب الصويا والشعير مع الخضروات المشوَّحة بالنار.  كانت أمه قد صنعت ذلك الغداء من بشائر حصاد الحديقة الخاصة بشيجيرو . Shigeru وحين خرج شيجيروShigeru  إلى العمل فى ذلك اليوم ، لا بد أنه كان فى شوق لتناول ذلك الغداء .

 ٢٤ إبريق ماء

تيتسوو كيتاباياشى . Kitabayashi Tetsuo كان عمره اثنى عشر عامًا ١٢حين تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ستمائة ٦٠٠ متر من مركز الانفجار.  ورغم إصاباته الفظيعة تمكن من العودة إلى مكان قريب من بيته ، حيث عثر عليه والداه هناك ، فاعتنيا به فى بيتهم الذى سقط نتيجة للانفجار.  كان وجهه قد احترق تمامًا وانتفخ حتى أصبح كرة من المطاط.  كان من المستحيل حتى أن تميز عينيه من أنفه.  ومع ذلك فقد كان لسنًا لدرجة أنه كان يحكى ما رآه عند فراره.  وقرب غروب اليوم التالى ، السابع من أغسطس ، فقد تيتسوو Tetsuo وعيه ، ثم بدأ يغنى هاذيًا ومات. كان تيتسوو Tetsuo يحمل إبريق الماء هذا حين تعرض للقنبلة.

 ٢٥ محفظة ، شارة مدرسة ، شارة شركة ، مجموعة تذاكر

كيميكو نيشيمارو Kimiko Nishimaru ، ابنة الخمسة عشر ١٥ ربيعًا ، كانت طالبة فى خدمة المجهود الحربى تعمل بالاتصالات.  تعرضت للقنبلة فى مركز تشوجوكو Chugoku للقيادة العسكرية ، الذى يبعد سبعمائة وتسعين ٧٩٠ مترًا عن مركز الانفجار.  ورغم أنها احترقت بتأثير الأشعة الساخنة فقد سبحت عبر نهر وتمكنت أن تصل إلى ًبيتها.  كان وجهها أسود متورمًا ، وكانت ملابسها قد تمزقت إربًا.  ولم يعرفها والداها إلا من صوتها.  وبعد أن وضعها والداها على فوتون futon فى حديقة خيزران ، اعتنيا بها أفضل عناية ممكنة ، لكنها ماتت فى العاشر من أغسطس.  كانت الأسرة قد خزنت كميات كبيرة من الأدوية استعدادًا للغارات الجوية ، لكن الأدوية كلها احترقت مع البيت.  كان والدا كيميكوKimiko  يبكيان دائمًا لأنهما لم يتمكنا من علاج جروحها بشكل مناسب.  والمعروض هنا هو أشياء كوميكوKimiko  التى كانت معها فى ذلك اليوم .

 ٢٦ قبعة ، حقيبة ، كتيب لتعليم الخياطة

توشيكو سيكيوكا Toshiko Sekioka ، ثلاثة عشر ١٣ عامًا ، تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ثمانمائة٨٠٠  متر عن مركز الانفجار.  كانت والدتها آيكو Aiko على يقين أنها ستعود حية . لكنها بعد حوالى أسبوع ، تلقت هذه القبعة وهذه الحقيبة وعليها اسم توشيكوToshiko  . كانت آيكو Aiko شديدة الإحباط لدرجة أنها لم يكن لديها وعى لتسأل من أتاها بهذه الأشياء عن جسد ابنتها الذى لم يُعْثَر عليه قط.  فى السادس من أغسطس كانت توشيكو  Toshikoقد قالت إنها تعانى من صداع ، ولا تريد الذهاب إلى المدرسة.  بعد ذلك قالت آيكو Aiko : ”لقد أجبرتها على الخروج للعمل من أجل بلدها.  أنا قتلتها“ . لقد ظلت آيكو Aiko تعذب نفسها بتأنيب الضمير حتى الموت.

 ٢٧ حقيبة  اليد

ميوكو ساواداMiyoko Sawada . كان عمرها خمسة عشر ١٥ عامًا حين تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر عن مركز الانفجار . مسح والداها وأقاربها المدينة لكنهم لم يعثروا عليها أبدًا . وقرب نهاية أغسطس طلبت الإذاعة من الآباء الذهاب إلى مدارس أولادهم لاستعادة بقاياهم ومتعلقاتهم.  ذهب شيزوما Shizuma والد ميوكوMiyoko  إلى المدرسة ، ووجد قطعا مجهولة من العظام ملفوفة بقطع من الورق وموضوعة فى صندوق خشبى  .كان قد رأى بعض التلاميذ المتفحمين ، ولهذا لم يكن مستغربًا أن كثيرين منهم لم يمكن التعرف عليهم . أخذ الوالد مجموعة عشوائية من العظام وعاد بها إلى البيت وتعامل معها باعتبارها رفات ميوكو Miyoko . كانت هناك فى غرفة منفصلة بعض متعلقات التلاميذ . وبين هذه المتعلقات عثر شيزوما Shizuma على حقيبة اليد هذه . كانت حقيبة قد صنعتها الأم ميتشيكوMichiko  خصيصًا لابنتها ميوكوMiyoko  . هذه الحقيبة كانت الشىء الوحيد المؤكد ، وبه فقط يمكن أن يتذكروها.

 ٢٨ دراجة ثلاثية ، خوذة معدنية

شينإيتشى تيتسوتانىShin-ichi Tetsutani  ابن الثالثة ، تعرض للقنبلة بينما كان يركب دراجته الثلاثية فى ملعبه الذى يبعد ألف وخمسمائة ١,٥٠٠ متر عن مركز الانفجار . لقد عانى من حروق فظيعة من جراء أشعة القنبلة الذرية الساخنة ومات فى تلك الليلة . ولأن والد شينإيتشى Shin-ichi لم يتحمل دفن ولده وحيدًا فى قبر بعيد قام بدفنه فى فناء بيتهم مع دراجته الثلاثية التى كان يعشقها ، ووضع الخوذة الحديدية على رأس شينإيتشى Shin-ichi . فى الصيف الأربعين بعد إلقاء القنبلة ، قام بنقل رفات شينإيتشى Shin-ichi من فناء البيت ودفنها فى قبر مناسب . لقد نامت هذه الخوذة الحديدية وهذه الدراجة الثلاثية فى فناء البيت مع شينإيتشى Shin-ichi لمدة أربعين عامًا . الآن ، يعلوهما الصدأ ، وتبدوان قابلتين للزوال فى أى لحظة ، وهو ما يذكرنا بالسنوات العديدة التى مضت منذ تم إلقاء القنبلة .

 ٢٩ متعلقات تلاميذ المدرسة الإعدادية

قبل أن يتم إلقاء القنبلة الذرية ، كانت مبانى هيروشيما قد تم هدمها لصناعة عوازل ضد انتشار الحرائق فى حالة الغارات الجوية التقليدية . كان هذا المشروع – مشروع هدم المبانى – يجرى تنفيذه فى مواقع مختلفة قرب مركز المدينة . كانت مجموعات العمل الطلابى قد شكلت وحدات من الطلاب فى سن الثانية عشرة ١٢ والثالثة عشرة ١٣، وبدأ هؤلاء فى تنفيذ المهمة مع مجموعات أخرى فى الصباح الباكر.  وهذه الأشياء تعود إلى ثلاثة تلاميذ انخرطوا فى أعمال الهدم على مسافة تسعمائة ٩٠٠ متر من مركز الانفجار . كانت ملابسهم قد تفحمت وتهرأت وخضبتها الدماء . ومن بين ثمانية آلاف وأربعمائة ٨,٤٠٠ تلميذ كانوا يعملون فى هدم المبانى فَقَدَ حوالى ستة آلاف وثلاثمائة ٦,٣٠٠ تلميذ حياتَهم ، ولم يُعْثَر لكثيرين منهم على أثر .

الأضرار الناتجة عن الأشعة الساخنة

 ٣٠ الأضرار الناتجة عن الأشعة الساخنة

فى غضون ثانية واحدة بعد انفجار القنبلة الذرية تشكلت فى الهواء قذيفة قطرها مائتان وثمانون٢٨٠  مترًا وقد أدت سخونة الأشعة المنبعثة من هذه القذيفة إلى رفع درجة حرارة الغلاف الجوى إلى ما بين ثلاثة آلاف٣,٠٠٠  إلى أربعة آلاف ٤,٠٠٠ درجة مئوية وحافظت على هذه السخونة البالغة لمدة ثلاث ثوان.  احترق الجلد البشرى الموجود على مسافة تبعد ثلاتة آلاف وخمسمائة متر من مركز الانفجار . وأولئك الذين تعرضوا للأشعة فى حدود ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر تعرضوا لحروق فظيعة وماتوا كلهم تقريبًا فى غضون أيام قليلة .

 ٣١ ظلال بشرية مطبوعة على حجر

هذه السُّلَّمَاتُ الحجرية تقود إلى مدخل بنك سوميتومو  – Sumitomoفرع هيروشيما ، الذى يبعد عن مركز الانفجار مسافة مائتين وستين ٢٦٠ مترًا.  لقد أحالت الأشعة الذرية البالغة السخونة الحجر إلى اللون الأبيض ، فيما عدا جزء فى الوسط حيث كان شخص ما واقفا.  ذلك الشخص الواقف على السلم فى انتظار البنك حتى يفتح ، تعرض للأشعة الساخنة فى كامل قوتها ، ومن الأمام وعلى نحو مباشر ، ومات فى مكانه لا شك . وقد استخدم المبنى لبعض الوقت بعد الحرب . وحين أُعيد بناؤه عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين١٩٧١ ، تم نقل هذه السُّلَّمَاتِ وإحضارُها إلى المتحف .

 ٣٢ أزياء مدرسية وجدول دراسى تعود إلى تلاميذ المدرسة الإعدادية

يعود هذان الزيان المدرسيان إلى إيساو تانيجوتشى Isao Taniguchi وأساهيكو نيشيموتوAsahiko Nishimoto ، كانا فى الثالثة عشرة .١٣ تعرضا للقنبلة فى مكان عملهما ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على بعد ستمائة٦٠٠  متر من مركز الانفجار . ومن المحتمل أن تكون الأشعة قد ضربتهما من الأمام لأن الجانب الأمامى من زيهما تفحم تمامًا .

وفى وقت متأخر من الليلة التى ألقيت فيها القنبلة ، راح والد إيساو Isao وأخوهيبحثان عنه . أخيرًا ، وفى مخبأ قرب مكان عمل الأولاد ، وجدا إيساوIsao  وأساهيكوAsahiko  اللذين كانا قد فرا معًا.  حرقت الأشعة وجهيهما بشكل لا يمكن تصوره ، وذلك كما نرى فى الصورة خلف زييهما . غير أنهما تعرَّفا على إيساوIsao  من جاكتته الممزقة ومن صوته . أخذا الولدين معهما إلى البيت.  مات أساهيكو Asahiko قرب الفجر . بعدها ، وفى ذلك اليوم ، قال إيساو ” : Isaoإنها تقترب أكثر وأكثر“، وما لبث أن مات هو الآخر .

 ٣٣ شورتات كان يرتديها طالب فى المدرسة الإعدادية

كان هيروآ كى هورىHiroaki Hori  فى الثالثة عشرة ١٣ حين تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها . وبعد أن أتت النيران على جسمه كله ، تم نقله إلى نقطة إسعاف.  حتى والدُه لم يكن قادرًا على التعرف عليه بين الأطفال الممددين على الأرض محروقين ومتورمين.  وقد تعرف على هيروآ كىHiroaki  بعد أن رأى الاسم على بنطلونه بصعوبة بالغة .

هيروآ كى Hiroaki ، الذى انزوى فى حالة بين الوعى واللاوعى ، ظل يهذى ويقول” :  أما زلتُ حيا ؟ “  ”أعطونى ماء من فضلكم “  ”أسرعوا ، هيا نخرج من هنا  .“ومات هيروآ كى Hiroaki فى غضون الليلة الرابعة بعد القنبلة ، بينما كان والده وجدته إلى جواره فى نقطة الإسعاف.  مات هيروآ كى Hiroaki كما لو كان ذاهبًا إلى النوم . هذه الشورتات هى كل ما كان يرتديه هيروآ كىHiroaki  فى نقطة الإسعاف.

 ٣٤ أظافر سوداء

يوشيوو هاماداYoshio Hamada  ، كان فى السادسة والعشرين ٢٦ فى ذلك الوقت ، وقد تعرض للقنبلة فى ثكنته العسكرية على بعد تسعمائة  ٩٠٠متر عن مركز الانفجار . كانت يده اليسرى مستندة إلى عتبة الشباك حين انفجرت القنبلة وقد احترق الإصبعان الأوسط والبنصر من يده اليسرى ، إذ تعرضا مباشرة للأشعة الساخنة ، لدرجة أن الجلد والظفر قد تسلخ وتدلى من أطراف أصابعه.  لقد فقد وللأبد حوالى سنتيمتر من طرف إصبعيه ، ونمت أظافر مثل هذه : سوداء غريبة لها شكل العصا ، نمت من الجلد فى طرف هذين الإصبعين . وتحتوى هذه الأظافر – على خلاف الأظافر العادية – على شعيرات دموية نشطة . حين تكسرت الأظافر ، سالت كمية كبيرة من الدماء.  ولكن بعد أن تحطمت ، استمر نفس النوع من الأظافر السوداء يكبر .

 ٣٥ بنطلون الشغل وملابس داخلية

فى الرابعة والثلاثين ٣٤، تعرضت توشيكو تاكاجى Toshiko Takagi للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على بعد ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر عن مركز الانفجار.  تفحم وجهها على نحو بصعب تصوره.  ومع ذلك تمكنت أن تجد طريقها بنفسها إلى البيت.  ظلت توشيكو فى كوابيس هذيانها تطلب من زوجها تاكايوكىTakayuki  أن يكون إلى جوارها . وفى صبيحة العاشر من أغسطس أخذت نفسًا طويلا كان آخر أنفاسها.  قام تاكايوكىTakayuki  وابنها الأكبر هاروو Haruo بحرق جثتها.

واحتفظ تاكايوكىTakayuki  بملابس توشيكو Toshiko التى تهرأت من الأشعة الساخنة والانفجار ، ثم تركها ليذكِّر هاروو Haruo واخته التى كانت قد دخلت المدرسة الابتدائية للتو بأمهما .

 ٣٦ بلاط السطح

الْمِسْ من فضلك بلاط السطح هذا.  ستجد أنه مكسو بالنتوءات . هذه النتوءات تشكلت لأن هذه البلاطات تعرضت تعرضًا مباشرًا لأشعة القنبلة الذرية الساخنة.  هذه الأشعة ذوبت السطح.  وقد تمت رؤية هذه الظاهرة على مسافة الستمائة  ٦٠٠متر المحيطة بالانفجار.  لقد تغطت الأجزاء الملساء من البلاطات ببلاطات أخرى.  ولأن هذه الأجزاء لم تتعرض للأشعة على نحو مباشر ، فقد احتفظت بالسطح الناعم للبلاطة المعتادة .

الأضرار الناتجة عن الانفجار

 ٣٧ الأضرار الناتجة عن الانفجار

فى اللحظة التى تفجرت فيها القنبلة الذرية خلقت فى المركز ضغطا جويًا يفوق لمئات الآلاف من المرات ضغط الغلاف الجوى.  تمدد الهواء المحيط على نحو مريع وولَّد انفجارًا هائلا.  حتى على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار كان الضغط مهولا ، يضغط إلى أسفل بقوة تسعة عشر ١٩ طنًا للمتر المربع الواحد.  كل الأبنية الخشبية الموجودة إلى مسافة كيلومترين تهشمت . آلاف من الضحايا سُحِقُوا حتى الموت تحت هذه البيوت المنهارة.  تَشظَّى زجاجُ النوافذ من جراء الانفجار وطار فى الهواء إلى مسافات مخيفة ، فجَزَّ أُناسًا إلى نصفين ، وأعمى أناسًا ، وأوغل فى أجسادهم.

 ٣٨ محاصرون تحت أنقاض البيوت

أُمٌّ تبكى على جدار بينما تقترب النيران منها تحت أنقاض البيت

 ”آ آ آ آ آ آ آه“

كانت ابنتها على قيد الحياة.  ولكن …

أخفقت الأم فى فتح ثغرة واسعة تسمح بإنقاذها

 )نص على صورة رسمها أحد الناجين(

آلاف عملوا بجنون لمساعدة أفراد العائلة الذين حوصروا بلا حول ولا قوة تحت المبانى ، ولكن فى ظل هرج ومرج وفوضى عارمة ، وقد كان من الصعب أن تجد شخصًا يحضر لك إسعافا.  وكان كل ما استطاعوا عمله وهم يرون النيران تلتهم أقرب الناس إليهم أمام أعينهم ، هو صلوات من الصمت المطلق ، مع الاعتذار والفرار مخلفين قلوبهم وراءهم .  ”أنا الذى من سوء حظه أنه نجا .“ كانت مثل هذه الهواجس تضاعف من آلام الناجين بعد الحرب .

 ٣٩ شظايا زجاج وأظافر مشوهة

لقد أدى الانفجار الهائل للقنبلة الذرية إلى تهشيم النوافذ وملء الهواء بالزجاج المتطاير . وقع الآلاف ضحايا لسكاكين حادة من كسر الزجاج . لقد وجد آكيهيرو تاكاهاشى Akihiro Takahashi شظية من الزجاج منغرسة فى ظفره . دمرت الأنسجة المنتجة لظفره ، ومن هنا نما فى ذلك الإصبع هذا  ”الظفر الأسود“   الغليظ الخشن . شظايا الزجاج المتطاير بقوة هائلة توغلت فى الأجساد . وكان غالبية الضحايا فى ظروف ما بعد الحرب غير قادرين على إزالة كل هذه الشظايا . ولعقود بعد القنبلة أصبح الناجون يشعرون فجأة أن قطعة من زجاج باقية فى أجسادهم وأن عليهم إزالتها بالجراحة.

 ٤٠ إطارات حديد معقوفة

كان انفجار القنبلة الذرية مهولاً فى قوته ، حتى عند مستودع ملابس الجيش ، الواقع على مسافة ألفين وستمائة وسبعين ٢,٦٧٠ مترًا من مركز الانفجار . هذه الإطارات الحديدية المقابلة لمركز الضربة كان قد تم دفعُها وثَنْيُهَا . وكان السطح قد تم تدميره بشدة . إن أحد طلبة المدرسة الإعدادية فى مستودع ملابس الجيش طار فى الهواء لمسافة عدة أمتار . وفى كل أنحاء المدينة كان الانفجار من القوة بحيث ظن كل شخص أنه ضُرِبَ وحدَهُ بقنبلة تقليدية.

 ٤١ عوارض حديدية

كان مبنى فوكوكوFukoku  فى هيروشيما مكونا من سبعة طوابق قوائمها من الحديد ، ويقف على مسافة ثلاثمائة وثلاتين٣٣٠  مترًا من مركز الانفجار . وهذه العارضة كانت دعامة يقف عليها سقف الطابق السابع انثنت هذه العارضة وتحطمت من جراء الانفجار الهائل للقنبلة الذرية . فى ذلك الوقت كان مائة وسبعة عشر ١١٧ من الموجودين فى المبنى موظفين فى هيئة تلغراف هيروشيما ، وهى الهيئة التى كانت تشغل المساحة من البدروم إلى الطابق الخامس . مات مائة وسبعة ١٠٧ من هؤلاء . ومات كذلك آخرون كانوا فى المبنى.  غير أن العدد الكلى غير معروف.

أضرار ناجمة عن الحرائق الهائلة

 ٤٢ أضرار ناجمة عن الحرائق الواسعة

حين انفجرت القنبلة الذرية استحالت البيوت التى تعرضت مباشرة للضربة ، وعلى الفور ، إلى نار موقدة.  بعد وقت قصير تصاعد اللهب إلى عنان السماء وتسربت وامتدت النيران فى كل أنحاء المدينة وظلت مشتعلة طوال الليل.  واحترق كل ما هو قابل للاحتراق إلى مسافة كيلومترين من مركز الانفجار.  وعلى الأرض المحروقة ، ذاب كل شىء فى اللهب ، وغطى المنطقة كأنه حمم البراكين .

 ٤٣ ما وُجد مافى الأرض المحروقة

فى بلاطات السطح الساخنة من الشمس

حفرنا–  أنا وأبى–  رويدًا رويدًا

بعزم ودأب

يا إلهى ، لا لا لا

عظام أمّى

لا ، لا يا إلهى.  حين أمسكتها تحولت

إلى غبار أبيض راقص هناك فى الريح

عظام أمّى فى فمى

تُشعرنى بالوحشة

أسىً لا يُطاق

يغمر أبى ويغمرنى

تركنا العويل وراءنا

ولملمنا العظام التى

تخشخش بقسوة

فى صندوق حلوى.

 )من ” سموات هيروشبما “ لساتشيكو هاياشى Sachiko Hayashi (

يومًا بعد يوم رأيناهم ، يذرعون أرضًا محروقة ، باحثين عن أفراد العائلة الضائعين.  لم يكن بإمكانهم القبول بأن أحباءهم–  الذين ودعوهم ذلك الصباح فى صحة وسعادة–  يمكن أن يكونوا الآن موتى.  لم يعثر معظمهم على جثة أبدًا ، أو حتى على عظام أو رفات.  إن أية متعلقات تم العثور عليها فى ذلك البحث أُخِذَت إلى البيت عوضًا عن الرفات.

الأضرار الناتجة عن الإشعاع

 ٤٤ جدار أبيض لطخه مطر أسود

بعد عشرين ٢٠ إلى ثلاثين ٣٠ دقيقة من الانفجار ، انتشر الغبار والسخام فى السماء فوق هيروشيما وبدأ يهطل كالمطر على الأقسام الغربية الشمالية من المدينة.  سقط هذا المطر على مسافة تمتد إلى تسعة وعشرين ٢٩ كيلومترا من مركز الانفجار ، ملقيًا سخامًا ووسخًا مشعًا عبأ الجو.  هذا الجدار القرميدى الأبيض كان جزءا من بيت يبعد حوالى ثلاثة آلاف وسبعمائة٣,٧٠٠  متر عن مركز الانفجار.  والبقع السوداء لم تزل ويمكن رؤيتها بوضوح.  وقد اكتشفت على تلك البقع معدلات من آثار الأجسام المشعة المتبقية من القنبلة النووية .

 ٤٥ صُرَّةٌ مُلَطَّخَةٌ بمطر أسود

إيتشيوو ميتسوىIchio Mitsui  ، كان عمره حينئذ ثلاثة وأربعين٤٣  عامًا ، تعرض للقنبلة وأصيب فى منزله الذى يبعد ألف وخمسمائة١,٥٠٠  متر عن مركز الانفجار.  وحين فر حاملا صرته على ظهره مملوءة بإمدادات الإغاثة ، حاصره المطر الأسود الذى كان بالغ اللزوجة ويخلف بقعًا سوداء .

خلال انهمار ذلك المطر هبطت درجة الحرارة على نحو دراماتيكى.  وقد قيل إن الناجين الذين ضربتهم قطرات المطر الهائلة كانوا ينتفضون من البرد فى قلب الصيف.  وكان كثيرون قد دفعتهم حروقهم البالغة إلى البحث اليائس عن الماء فشربوا المطر المنهمر.  غير أن هذا المطر كان يحتوى على السخام وأشياء أخرى مشبعة بالأشعة.  ماتت الأسماك فى البرك والأنهار وطفت على السطح.  وحيثما سقط ذلك المطر الأسود عانى كثيرون ممن شربوا ماء عذبًا من الإسهال لمدة ثلاثة أشهر .

 ٤٦ آثار فورية

يطلق على التسمم الإشعاعى الذى ظهر على الفور بعد القصف بالقنبلة الذرية”  الآثار الفورية .“ لقد كانت السمة المميزة للقنبلة الذرية هى الكمية الهائلة من الإشعاع الناتجة عنها. فالقنابل التقليدية لا ينتج عنها مثل هذا النوع من الإشعاع.  وقد ترك هذا الإشعاع أضرارًا فورية فى أجساد الضحايا.  فالإشعاع يدمر كريات الخلايا ، ويضر بالنخاع الشوكى ، ويدمر مصنع الدم وأعضاء أخرى تسهم فى تشكيله ، كما أنه يتسبب فى أضرار أخرى خطيرة.  وكل من تعرضوا مباشرة للإشعاع فى داخل الألف١,٠٠٠  متر المحيطة بالانفجار تعرضوا لجرعة تهدد حياتهم ، وقد مات معظمهم فى غضون أيام.  إن بعض من بدا أنهم لم يتعرضوا لضرر على الإطلاق بدؤوا يتقيئون دمًا ، أو ماتوا ببقع أرجوانية على أجسادهم .

 ٤٧ سقوط الشعر

فى الثامنة عشرة ١٨ من عمرها ، وفى بيتها الواقع على بعد ثمانمائة ٨٠٠ متر من مركز الانفجار ، كانت هيروكوHiroko عرضة للإشعاع ، أصيبت إصابة بالغة وحوصرت تحت أنقاض منزلها.  بعد أسبوعين من انفجار القنبلة انتابها إسهال وقىء كما ظهرت عليها أعراض أخرى للتسمم الإشعاعى.  ظهرت على جسمها بقع أرجوانية من جراء النزيف الداخلى.  وذات يوم سقط شعرها كله بثلاث ضربات فحسب من فرشاة الشعر.  ظنت والدة هيروكو Hiroko أنها لن تبقى على قيد الحياة ، ومن ثم أبقت على هذا الشعر ذكرى من بنتها.  لحسن الحظ عاشت هيروكو Hiroko بعد صراع مع الإشعاع لمدة ستة أشهر.  غير أنها تعرضت للسرطان فيما بعد ، وعانت جسديًا ووجدانيًا على السواء .

 ٤٨ الآثار بعيدة المدى

لم تكن الأضرار الناتجة عن الإشعاع محصورة فى الأسابيع أو الشهور التى تلت إلقاء القنبلة ؛ فقد استمرت النتائج بعيدة المدى تظهر لعقود.

لقد بدا مع نهاية عام ألف وتسعمائة خمسة وأربعين ١٩٤٥ أن الجروح الناتجة عن القنبلة الذرية قد بدأت فى الالتئام.  غير أن أمراض الجدرى والمياه الزرقاء وسرطان الدم وغيره من السرطانات ، سرعان ما بدأت تظهر على كثير من الناجين.  ولأن هيروشيما كانت أول قنبلة ذرية فى التاريخ ، فإن أحدًا لم يعرف ما يجب توقعه بعد التعرض لمستويات عالية من الإشعاع.  اضطر الناجون أن يعيشوا فى بلبلة مستمرة ، غير عارفين على الإطلاق ما الأعراض التى يمكن ظهورها ومتى.  ولم تثبت حتى الآن أية آثار على سلالة الناجين.

 ٤٩ طيور الكركى الورقية التى صنعتها ساداكو Sadako

كان عمر ساداكو ساساكى Sadako Sasaki سنتين فى وقت القنبلة.  كبرت  عَفِيَّةً وبصحة جيدة.  بعد عشرة أعوام من سقوط القنبلة تعرضت فجأة لسرطان الدم وماتت بعد صراع مع المرض لمدة ثمانية أشهر.  فى غرفتها بالمستشفى كانت ساداكوSadako  تلف الورق بلا انقطاع فى صورة طيور الكركى معبرة عن رغبتها فى الحياة.  هذه بعض طيور الكركى التى صنعتها.  كان موتها الشرارة التى أدت إلى ظهور حملة– معظم أعضائها من الأطفال – لإقامة ” نصب سلام تذكارى للأطفال “، لمواساة أرواح الأطفال الذين قتلتهم القنبلة الذرية ، ولبناء السلام.  واليوم تنهال الملايين من طيور الكركى الورقية على ذلك النصب آتية من كل أنحاء العالم.  قصة ”ساداكو Sadako وطيور الكركى الورقية “ والرغبة فى السلام هى الآن قصة ذائعة الصيت حول العالم .

جهود الإغاثة

 ٥٠ جهود الإغاثة

لقد حولت القنبلة الذرية هيروشيما فى لحظات إلى مساحة من الأرض المحروقة.  إن المكاتب الحكومية وبلدية المدينة ، ومراكز البوليس – كل الفعاليات الحكومية ضاعت.  ومع ذلك ، فإن جهود الإنقاذ من خلال الفرق التابعة لمراكز قيادة الجيش ، والجهود الطبية التى قام بها الأطباء والممرضون ممن نجوا ، وجهود التطبيب التى قام بها عمال وافدون من مدن ومقاطعات وقرى أخرى ، كل هذه الجهود بدأت على الفور بعد إلقاء القنبلة.  فى اليوم التالى لتفجير القنبلة تم تأسيس مراكز قيادة فرقة الأمن فى هيروشيما.  واشترك الجيش والحكومة والشعب لتقديم جهود إغاثة منظمة .

 ٥١ صندوق أدوية عسكرى

ما إن حدث تفجير القنبلة ، تحولت المستشفيات والمدارس والمبانى الأخرى التى نجت من الحريق – تحولت إلى مراكز إسعاف مؤقتة.  ويومًا بعد يوم كان آلاف من الناجين يأتون طالبين العلاج.  وسرعان ما نفدت الأدوية القليلة التى كانت متاحة.  غير أن الأطباء والممرضين وغيرهم فعلوا ما فى وسعهم لتقد يم كل ما يمكنهم من علاج .

إن حقائب طبية مثل هذه كان من المعتاد أن تحتوى على إمدادات طبية لعمليات الجيش فى الميدان.  وهذه الحقيبة كانت فى جراج فى مستودع إمدادات الجيش بهيروشيما على مسافة ألف وومائتى١,٢٠٠  متر من مركز الانفجار.  وقد استخدم كان  –إيتشى سانادا Sanada Kan-ichi ، وهو رقيب رئيسى فى القسم الصحى بالجيش ، الإمدادات التى كانت فى هذه الحقيبة لمعالجة الناجين فى مدرسة فوتشو Fuchu الابتدائية ، التى كانت قد أصبحت مركز إسعاف .

 ٥٢ دفتر التحقيق حول قتلى الحرب

هذا الدفتر سِجِلٌّ بأسماء الضحايا الذين ثَبَتَ موتُهُم نتيجةً للقنبلة الذرية ، وعناوينِهم ، وأسبابِ موتهم.  هذه السجلات وقوائم الأسماء كان قد تم نشرها فى مراكز البوليس ومراكز الإسعاف ، والمستشفيات ، وقاعات على أطراف المدينة.  ” احتراق الجسد بالكامل“ ” تهشيم الرأس“ ” احتراق أدى إلى الموت“   . …تقدم السجلات بوضوح وبالتفصيل الظروف السائدة وقت تفجير القنبلة.  وقد وجد على أماكن التخلص من الجثث ملاحظات من قبيل ” حرق جماعى“ ” لم يُعْثَرْ على أحد ليأخذ الرفات.“  ووسط البلبلة الفظيعة ، تم حرق رفات بعض الجثث دون أن تتعرف عليها عائلاتها.  بعضها لم يتم التعرف عليها لأن العائلة تعرضت للفناء عن بكرة أبيها.  بعض المصابين إصابات بالغة حاولوا الفرار إلى ضواحى المدينة طلبًا لمساعدة العائلة أو المعارف ، لكن قواهم استنفدت فى الطريق ، فماتوا هناك دون أن يشعر بهم أحد.  وفى حالات كثيرة كانت هذه الملاحظات العامة هى المعلومة الوحيدة التى تلقاها أفراد العائلة عن الكيفية التى مات عليها أحباؤهم .

 ٥٣ أناس يبحثون عن العائلة والأصدقاء

هنا وهناك فى كل أنحاء المدينة ، خطت على عجل رسائل أعلنت عن أماكن الناجين أو الموتى من أفراد العائلة. وراح الناس يبحثون عن العائلة والأصدقاء بين أنقاض البيوت ، وقاموا بجولات على مراكز الإسعاف بحثًا عن رسائل كهذه.

بلاطة السطح فى الصندوق الذى على اليمين ، عَثَرَ عليها تورو ساتوToru Sato  الذى كان عمره فى ذلك الحين ثمانية عشر ١٨ عامًا ، عثر عليها فى التاسع من أغسطس بعد ثلاثة أيام من تفجير القنبلة . لقد وجدها بين أنقاض منزله الواقع على بعد ألف١,٠٠٠  متر من مركز الانفجار . مكتوب على بلاطة القنبلة الذرية بعصا متفحمة حروف تعلن:  ” عائلة ساتو : Sato أتسوكو Atsuko بخير ، كونيكوKuniko  ميتة ، الأب تاتسومىTatsumi  وكازويه Kazue مفقودان.“  كان توروToru  قادرًا على الانضمام إلى الثلاثة الناجين من أفراد العائلة . ولكن رغم أنه اتضح أن والده وأخت زوجته أتسوكو  Atsukoلم يصابا بسوء ؛ فإنهما كليهما توفيا فى سبتمبر بأعراض يُعتَقَد أنها من الآثار الفورية للإشعاع .

 ٥٤ إغاثة طبية من وراء البحار

لما علم الدكتور مارسيل جونو Dr. Marcel Junod ، الممثل الرئيسى للجنة الدولية للصليب الأحمر باليابان ، بالظروف الرهيبة التى يعانى منها الناجون ، تفاوض مع القيادات المركزية العامة للحلفاء ، وحصل على خمسة عشر  ١٥طنًا من الإمدادات الطبية.  وفى الثامن من سبتمبر ، أى بعد حوالى شهر من تفجير القنبلة ، زار هيروشيما وعمل بنفسه فى مراكز الإسعاف لمعالجة الناجين . ونظرًا للنقص الحاد المستمر فى الإمدادات الطبية بهيروشيما بعد تفجير القنبلة ، فقد كانت الإمدادات التى جاء بها الدكتور جونو Dr. Junod ذات قيمة بالغة . وقد تضمنت الأدوية التى جاء بها الدكتور جونو Dr. Junod محلول ديكستروز الذى كان يصعب الحصول عليه فى ذلك الزمان.

 ٥٥ حياة الناجين

يوشيكو Yoshiko الصغيرة

احترقت

راقدة فى السرير

قالت إنها تود

أن تأكل طماطم

ذهبت أمها

لتشترى واحدة

وبينما كانت هناك

ماتت يوشيكو Yoshiko الصغيرة

صرخت أمها

لم أطعمها سوى البطاطس

لقد قتلتها

أنا أيضًا صرخت

وصرخ كل امرئ

بعد تفجير القنبلة عانت هيروشيما من نقص فظيع فى الإمدادات الطبية.  تم تدمير كل أساسيات الحياة.  لا مطعم ، لا ملبس ، لا مأوى . كانت حياة الناس من أقسى ما يكون .

 ٥٦ عشب إستوائى يزهر فى الأرض المحروقة

فى هيروشيما سرت شائعات بأن لاشىء سينمو لمدة خمسة وسبعين ٧٥ عامًا

ومع ذلك ، تبرعمت حياة جديدة فى خريف تلك السنة .

وفى أرض فقدت كل علامات الحياة

عادت الخضرة من جديد .

وما أعطته للناس

تلك الحياة الجديدة

لم يكن أقل من

الشجاعة والأمل فى الحياة .

 ٥٧ ساعة جيب وإبزيم

جيرو هاتاجوتشى Jiro Hataguchi ، الذى كان فى الواحدة والثلاثين٣١ ، تعرض للقنبلة بينما كان فى عمله فى مكتب السكك الحديدية بهيروشيما ، على بعد ألف وسبعمائة١,٧٠٠  متر من مركز الانفجار.  بعد أربعة أيام ، ذهبت زوجته تشيينوChieno  ، التى كانت حاملا فى ذلك الوقت ، إلى هيروشيما لتبحث عن جيرو . Jiro وبين أنقاض المبنى الذى كان يعمل فيه جيروJiro  عثرت على شيئين يعتقد أنهما من متعلقاته ، وجدتهما مطروحين تحت خزانة المكتب : ساعة جيب ، وإبزيم حزام.  حينئذ أدركت أن زوجها قد مات؛ فأتت بهذه الأشياء إلى البيت وأتت معها بعظام وجدتها بالقرب منها . ابنهما مينورو Minoru ، الذى ولد فى العام التالى ، نادرًا ما سمع أمه تتحدث عن تفجير القنبلة.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial