إنه لشرف كبير أن أستلم جائزة ابن رشد للفكر الحر تقديراً لعملي ولعمل “أديان”، المؤسسة للتنوع والتضامن والكرامة الإنسانية التي شاركت في تأسيسها في لبنان قبل 16 عامًا، والتي تعمل دون توقف من أجل المواطنة الحاضنة للتنوع، موحرية الدين والمعتقد، والتربية على التنوع، والمسؤولية الاجتماعية الدينية والتضامن الروحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واستلام هذه الجائزة بنفس الوقت مع سعد سلوم ومنظمة مسارات هو أمر ذو رمزيّة كبيرة، لأننا معًا، ومع منظمات وأشخاص آخرين في الشرق الأوسط، نعمل على نشر موجة وثقافة تقدِّر التنوع، وتكافح من أجل حقوق كل فرد في اختيار معتقده وفي ممارسته بحرية وفي حقه في التعبير عن ضميره.
نأتي من جزء من العالم تعيش مجتمعاته مشقة بعد مشقة، وتزيد فيه المشاكل الهيكلية تراكماً كل يوم، بينما تنخفض فيه قيمة الحياة البشرية بشكل يومي أيضًا. شعبنا يعاني من الفساد والجوع ونقص الرعاية الطبية وظلم يومي؛ وعجزنا أمام هول المشاكل هو عبء نحمله كل يوم.
إلا أنه، بكل عقل يستنير قليلاً من خلال عملنا، وبكل قلب يتغلب على الخوف وينفتح على أشخاص من ديانات أو قناعات أخرى، وبكل شاب وشابة يؤمنون بصوتهم ودورهم كمواطنين فاعلين، نندفع دفعةإلى الأمام.
بموازاة ذلك، تتضح لنا كل يوم الحاجة لاستمرار عملنا وتكثيف جهودنا، حيث تتولّد شبه يوميًّا أشكال جديدة من التمييز والاضطهاد والظلم والكراهية على أساس التنوع الديني والثقافي والفكري.
لهذا السبب نعمل في مؤسسة أديان على عدة مستويات لتعزيز التعددية: فنعمل على المستوى السياسي، حيث ننشئ أدوات للمناصرة، وننظم حوارات تجمع أصحاب المصالح السياسية المختلفة، لتعزيز المواطنة الحاضنة للتنوع وحرية الدين والمعتقد. كما نعمل في مجال التربية لتنشئة الأجيال على هذه القيم وفي مجال تدريب المدربين والمدربات من الدول العربية لنشر ثقافة التنوع. نعمل أيضا مع الشبان والشابات اللبنانيين لتعزيز سياسة غير طائفية. ونعمل مع الأطفال اللاجئين السوريين لتعزيز الذاكرة الإيجابية لديهم كما وحس الافتخار لما يحملونه من تراث ثقافي ثري، حتى يشعروا بأنهم مواطنون لهم قيمة يحملوها معهم أينما ذهبوا. نعمل أيضًا مع المؤسسات الدينية لتضمين قيم المواطنة والعيش معًا في خطابهم وتعاليمهم، وكذلك لإدراج حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه التحديد في قوانين الأحوال الشخصية الدينية. كما نقوم بإنشاء شبكات من الشباب والناشطين الدينيين لتعزيز هذه القيم في المجتمع، وننشرها من خلال الحملات الإعلامية وعلى منصتنا “تعددية”، https://www.taadudiya.com/.
مع الوضع الذي يواجهه لبنان اليوم، ومع وجود مشاكل الكهرباء والإنترنت، أصبح العمل من الناحية اللوجستية أكثر صعوبة، ومع ذلك نحن وشركاءنا مستمرون.
في أحد برامجنا التعليمية حول التنوع الديني للأطفال الصغار في المدارس في جميع أنحاء لبنان، أنشأنا على سبيل المثال مقاطع فيديو تعرض كيف تصف الأديان المختلفة في العالم بداية الكون والبشرية، وملصقات تظهر أطفال من جميع العالم وطقوس دخولهم إلى الدين. في إحدى القرى في مدرسة حكومية شريكة، تعمل مدرسة هذا البرنامج دون كهرباء ودون إمكانية لعرض الفيديوهات ولا لطباعة الملصقاتفتقوم بتمثيل محتوى الفيديو للأطفال ورسم محتوى الملصق لهم بنفسها. هذه الأمثلة تشجعنا على الاستمرار، ونحن مدينون بهذه الجائزة اليوم لهؤلاء الأشخاص، كما ولجميع فريق مؤسسة أديان ولشبكاتها ولأعضاء مجلس إدارتها ومجلس الأمناءن ومستشاري وشركاء المؤسسة.
تُمنح هذه الجائزة أيضًا لجهودي الشخصية في اللاهوت والتفسير الديني، حيث عملتُ على تطوير لاهوت إسلامي جديد للتعددية الدينية، بطريقة حوارية مع المؤسس المشارك لمؤسسة أديان، اللاهوتي المسيحي فادي ضو، الذي قاد المنظمة لما يقرب من 15 عامًا. وما زلت أواصل العمل على تعزيز دور النساء في اللاهوت وفي القيادة الدينية.
في مواجهة كل من يستغل الدين كأداة للتلاعب والتضييق والقمع أعتقد أن الأديان والمعتقدات يمكن أن تكون قوى ملهمة للتحرر، سواء على المستوى الشخصي، مما يساعدنا على النمو وتحقيق الذات، أو على المستوى الاجتماعي لتكون صوتا ضد الظلم والاستبداد. لكنني أعتقد أيضًا أنه من واجبنا استعادة الأديان من المتعصبين ومن صنعوا منها آلات تدمير مروعة. عندما كتبت في اللاهوت الإسلامي لأول مرة، لم أجرؤ أن أعرف بنفسي كمفسرّة ولاهوتيّة، وبقيت أسأل نفسي هل يحق لي ذلك، كوني امرأة، وكوني غير محجبة وغير عاملة في مؤسسة مرجيّة إسلامية؟ لاحقًا عندما رأيت أن كتابي “الرحابة الإلهية: لاهوت الآخر في المسيحية والإسلام” تم ترجمته إلى خمس لغات ويتم دراسته في جامعات هنا في ألمانيا وأماكن أخرى، وأن كتابي الآخر حصل على 3 جوائز، أدركت أنه ليس لدي الحق فقط، بل عليّ مسؤولية التفكير اللاهوتي والنفسير الدين الجديد..
لهذا السبب تعني الجائزة المسماة على اسم ابن رشد الكثير بالنسبة لي ولمؤسسة أديان.
شكر خاص لرئيسة مؤسسة ابن رشد كورا يوستينغ وحكمت بشناق يوستينغ وأعضاء لجنة تحكيم هذا العام، وهم جميعًا مصدر إلهام: إليزابيث كساب، خزعل الماجدي، أسماء المرابط، نظمي الجعبة.
بهذه الجائزة تثبتون لنا أن التضامن يمكن أن يكون عابرًا للحدود وكذلك عابرًا للانتماءات وتمنحونا دفعة كبيرة في كفاحنا اليومي، مما يمكنّنا من نشر رسالتنا، ومن الشهادة بأنه مهما كانت العقبات أو المخاطر، فإن النضال من أجل التنوع والحرية بالتأكيد يستحق الجهود المبذولة .