ديوان ابن رشد للفلسفة: مع الدكتور محمد عادل مطيمط
يبدو أن مفهوم الفرد، بمعناه الأخلاقي والسياسي، يمثل مُكتَسبًا فكرياً وثقافياً غربياً يصعب العثور على مرادف له في الثقافات الشرقية عموماً وفي الثقافة الإسلامية خصوصاً. فمنذ فلسفة السفسطائيين والأبيقوريين القديمة، مروراً بالنزعتين الانسانوية والروحانية لعصر النهضة، وصولاً إلى الفلسفة السياسية والأخلاقية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، دأب العقل الغربي على نحت حقيقة الفرد كياناً مؤسِّساً تأسيساً ميتافيزيقياً وفيزيائياً ثم أخلاقياً وسياسياً. أما الثقافة الشرقية، فإنها في صيغتيها الكونفشيوسية والإسلامية قد عملت على ترسيخ مبدأ الجماعة أو الكل على حساب الفرد، حيث لا قيمة ولا استقلالية للفرد في حدّ ذاته، بل فقط من حيث هو لحظة تستغرقها الجماعة استغراقًا تاماً. ورغم أنّ الفلسفات الغربية المعادية للأنوار قد حاولت هي الأخرى تبنّي هذا المبدأ، إلاّ أنّ الفكرة الغربية التي انتصرت في النهاية هي فكرة أولويّة الفرد على الجماعة؛ وتلك هي الفكرة التي ارتكزت عليها أيديولوجية حقوق الإنسان الكونية واستند إليها مطلب الديمقراطية السياسي. فهل ثمة معنى في المطالبة بحقوق الإنسان في المجتمعات الشرقية؟ وهل يمكننا اليوم أنّ نأمل في حصول إصلاحٍ ثقافيٍّ ودينيٍّ يسمح بوجود مفهوم الفرد في صلب الثقافة الجماعوية الشرقية نفسها؟ وما الشروط التاريخية التي تسمح بتحقيق ذلك؟
الاسئلة التي أثارها الحاضرون في النقاش
كيف ظهرت الثقافة الفردية في الغرب؟ وما هي أهم الأسباب التي ساعدت على تطور الفكر الفرداني، وضمنت استمرارية ذلك الفكر في المجتمعات الغربية؟
ماهي العلاقة بين المجتمعات الشرقية الجماعوية وبين وضعها الاجتماعي الاقتصادي الذي ساعد على نشأة ذلك النمط من المجتمعات؟
ما هي الحدود الممكنة للانفتاح على الفكر الفرداني، في ضوء الانتقادات المحقة لسلبيات الثقافة الفردانية في الغرب، والتي يؤكدها كثيرٌ من علماء الاجتماع؟
إلى أي حدٍّ يمكن القول بجماعوية المجتمعات العربية؟ وما هي تجليات الثقافة الجماعوية في الثقافات الشرقية؟ وهل تخص الثقافة الجماعوية عرقًا معينًا أو اتباع دينٍ معينٍ دون غيرهم ؟ وبصيغةٍ أخرى، هل تعبِّر الثقافة الفردانية عن وضعٍ دينيٍّ أم أنها نتاجٌ اجتماعيٌّ سياسيٌّ؟
هل هناك امكانيةٌ لإنتاج الثقافة الفردانية، وتدعيم مكانة الفرد، من دون خوض معركة الفصل بين السياسة والمؤسسات الدينية التي تفسر ما هو دنيويٌّ بما هو دينيٌّ؟
خلال النقاش، وبعده، توزعت الآراء بين فرضيتين أساسيتين: تتمثل الفرضية الأولى في القول بإمكانية ان يكون الدين الإسلامي عاملًا أساسيًّا في إعاقة إنتاج الثقافة الفردانية في العالم العربي، ويدعم ذلك تواطؤ عدد من أفراد النخبة المثقفة مع السلطة السياسة “الدينية” في تزييف “حقيقة” الدين وتجميده لإعاقة عملية الإصلاح وعرقلة عملية الارتقاء بالثقافة الفردانية وإنتاج مجتمع ديمقراطي. وتتمثل الفرضية الثانية في أن الدين يمثل عاملًا فقط من العوامل المعيقة لإنتاج الثقافة الفردانية، فهناك أيضًا العوامل الاقتصاديه والسياسية التي تلعب دورًا أساسيًّا في إعاقة إنتاج تلك الثقافة. وانطلاقًا من ذلك، ثمة حاجةٌ الى جماهير تنفتح علي الفكر الإصلاحي، إذ لا يمكن التعويل على “الفيلسوف البطل”، أو “المفكر البطل”. فالمطلوب هو توفر إرادةٍ لدى الجماهير ودعمٍ من السلطة السياسية لقيادة الفكر الإصلاحي أو بالأحرى “التنويري”. ولسنا في حاجةٍ الي تفريغ المجتمعات من هويتها الدينية لإنتاج الثقافة الفردانية .
الدكتور محمد عادل مطيمط
محمد عادل مطيمط هو أستاذ في الفلسفة وتاريخ الافكار في المعهد العالي للعلوم الانسانية بمدنين من جامعة قابس ، تونس. وهو حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة باريس 8 في عام 2007.عن اطروحة بعنوان : الاسس الفيزيائية للفلسفة السياسية الحديثة (هوبز وسبينوزا) . Les Fondements physiques de la philosophie politique moderne: Hobbes et Spinoza تتركز أبحاثة و دروسه حول تاريخ الفكر السياسي( الانوار، اللائيكية، معاداة الانوار…) وقد صدر له العديد من المنشورات بالعربية و الفرنسية و الألمانية ومن بينها ” حوارات ذكيةDialogische Intelligenz، من قفص المعتقد إلى الفكر الكوني المشترك” باللغة الألمانية ( مشاركة في التأليف)، و “ترجمة عربية لكتاب الايروسيةL Erotisme للكاتب الفرنسي جورج باطايGeorges Bataille (عن دار التنوير) باللغة العربية، وعدة مقالات في الفلسفة والفلسفة السياسية” منها : المفترضات الفلسفية للكليانية )(مجلة البحوث الجامعية، كلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس.او الامة والفئة المفارقية (بالفرنسيةUmma et Classe pradoxale ).وهو يشتغل حاليا على ترجمة كتاب المؤرخ الفرنسي بيار دوهام P; Duhem: نسق العالم، ) تاريخ التصورات الكوسمولوجية من افلاطون الى كوبرنيك (المجلد الثامن)Le Systeme du monde , Histoire des doctrines cosmologiques de Platon a Copernic . وهو أيضا عضو في مجموعة الأبحاث التونسية-الألمانية حول النوع الاجتماعي في جامعة لونيبورغ.