خطاب الفائز بالجائزة
سيداتي وسادتي الكرام
بادئ ذي بدء أريد أن أشكر مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لهذا التكريم العظيم فهو شرف كبير لي أن تَعتَرِف بعملي مؤسسة مستقلة (غير حكومية) تبذل مجهوداً في تحقيق حقوق الانسان.
في يوم 23 أكتوبر مرت تونس بأول تجربة بانتخابات حرة. ولأول مرة أحس كل فرد تونسي رجلا وأمرأة أنه مواطن وأنها مواطنة.
أعلم تماماً أن كثير من الناس في الغرب قلقون بسبب فوز الحزب الاسلامي – النهضة – بـ 41 % من الأصوات. يتساءلون عن مدى تأثير هذا على حقوق الانسان بما في ذلك بالذات حقوق المرأة.
ليس مهماً من هو الحزب الفائز بالانتخابات . أفضل ضمانة لحقوق الانسان هو في وجود مجتمع مدني فاعل وواعلام حر في البلد . نحن بحاجة إلى مواطنين يقظين دائما يهتمون ويعرفون معرفة جيدة ما يجري من أحداث .
عندما أدولوا ببأصواتهم في صنادبق الاقتراع فإن التونسيات والتونسيين قد اختاروا في المرتبة الاولى القطيعة مع الماضي دون رجعة.
وبتصويتهم قالوا أيضاً: “نعم، نحن مسلمون.”
و: “نعم، نحن متسامحون.”
وأيضاً: “نعم، نحن حداثيون.”
على مجلسنا التشريعي المنتخب الجديدالآن أن يعمل على كتابة دستور جديد يحتوي هذه القيم ويضمن الحريات المدنية الفردية.
قام النظام السابق باعتقال الآلاف بسبب قناعاتهم السياسية. ولم يكتفي بسجن المعارضين بل مارس أساليب تخويف كانت أفظع، وأمكر وأعقد من عذاب السجن.
وما عانيت أنا منه كان مصير كثيرين من زملائي في النضال من أجل حقوق الانسان ومنهم زوجي عمر المستيري.
هذا كان مصير كل من تَجَرّأ برفع مرآةأمام حاكم مستبد وإظهار وجهه القبيح وتحدى دعايتها الكاذبة.
فقد طردوني من عملي وصادروا ي ممتلكاتي ومنعوني من السفر. سرقوا سيارتي وقطعوا عنا وسيلة الاتصال الهاتفية . ووصل بهم الأمر حتى أنهم لدرجة أنهم ألقوا بأكياسِ قاذورات تحتوي على أمعاء حيوانات ميتة أمام باب بيتنا. وهددوا أقاربنا وبثوا الرعب في قلوب أطفالنا وأفزعوا أصدقائنا وجيراننا. أتمنى أن يسامحني كل من تعذب بسببي.
حرمت من الحياة الخاصة لأني كنت تحت مراقبتهم المستمرة حتى أني ابتدأت أحس باالمنبوذة في وطني.
لقد سجنت، لكن ما هو أفظع من هذا أني كنت مثل بعوضة عالقة في شبكة عنكبوتية قيدت حريتها.
عندما أسسنا المجلس الوطني للحريات في تونس عام 1998 حاولنا أن لا نبالغ في سرد الوقائع. وعندما لم نكن متأكدين تماماً من صحة خبر ما لم نكن نتجاوز وننشره إذا تعذر علينا إثباته. ومؤسستنا كانت المؤسسة الاولى التي نشرت قائمة تذكر أسماء الجلادين الذين قاموا بعمليات التعذيب بالتفصيل ، و شهادات ضحايا التعذيب التي قمنا بتوثيقها.
إذا نشرتَ الحقيقة في بلد يستبد نظامه بأهله وكأنك قمت بانقلاب عليه. تقول لحكومتك: “لستُ خائفاً منكم. ولترموا بي في السجن إن كنتم ترغبون ذلك”. عندما فعلنا هذا لم تكن الحكومة تدري كيف ترد على ذلك.
تحول الخوف من جانب الى اخر.
عندما تحرر شعب بأكمله من قيود الخوف حينها ولدت الثورة.
أتمنى أن نكون قد اجتزنا حاجز الخوف وتركناه خلفنا.
أمامنا عمل كثير بعد. علينا علينا أن نطهر العقول و المؤسسات من بقايا سموم النظام الدكتاتوري. علينا أن نثبت أن بلداً عربياً مسلماً يسمح بقيام نظام ديمقراطي متسامح يحترم حقوق الانسان.
هذا لن يكون سهلاً ونحن بحاجة ماسة لتضامنكم. في سنوات العزلة لم نشاهد إلا ضغوطاً طفيفة من قبل الحكومات الاوروبية على بن علي . أما الدول التي دعمت الديكتاتور بن علي آنذاك فهي تتحمل مسؤولية اتجاه تونس: يستطيعون مرافقتنا في بناء الدولة الديمقراطية. يجب عليهم البدء باحترام ارادة الناخبين التونسيين في خياراتهم وتفهم أن هذه العملية سوف تحتاج إلى وقت.
نحن واثقون بأن نجاحنا بتحقيق الديمقراطية سوف يكون له فائدة لجارنا الاوروبي أيضاً وأن هذه الديمقراطية سوف تكون إلهاماً للشعوب العربية الأخرى في كفاحها من أجل الحرية.
أشكركم جميعاً لدعمكم وأرجو أن تحضروا وتزورونا قريباً في تونس الجديدة.