الأزمة الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة
كلمة الأستاذ الدكتور سمير أمين بمناسبة منحه جائزة ابن رشد للفكر الحر 2009
تقديم
الرأسمالية: مرحلة عابرة في التاريخ
إن مبدأ التراكم بلا نهاية وهو أساس الرأسمالية هو المرادف للنمو الأسي المتسارع، وهو مثله مثل السرطان، يؤدي للموت. وكان جون ستيوارت ميل يفهم هذه الحقيقة ولكنه تصور أن “حالة من الثبات” يمكن أن تقف هذه العملية غير العقلانية، كما كان كينز يشاركه في تصوره لهذه العقلانية. ولكن أياً منهما لم يفهم كيف يمكن فرض التجاوز الضروري للرأسمالية، ولكن ماركس، بفهمه للدور الجوهري لصراع الطبقات الجديد، هو الذي فهم كيف يمكن قلب سلطة الطبقة الرأسمالية، المركزة اليوم في أيدي فئاتها العليا.
والتراكم، وهو المرادف كذلك لعملية الإفقار، يرسم لنا الإطار الموضوعي للصراع ضد الرأسمالية. ولكن هذا الصراع يعبر عنه بشكل رئيسي، التباين المتعاظم بين رفاهية مجتمعات المركز المستفيدة من الريع الإمبريالي، وبين بؤس التخوم المسودة. وهكذا يصير هذا الصراع المحور المركزي للبديل: “الاشتراكية أو الهمجية”.
والموضوع الرئيسي لهذا الخطاب هو أن الأزمة الحالية ليست أزمة مالية، ولا هي مجموع الأزمات المتراكمة لنظام، ولكنها أزمة الرأسمالية الإمبريالية للاحتكارات، التي تتعرض سيطرتها العليا المنفردة للمساءلة مرة أخرى من جانب البرولتاريا بصفة عامة، ومن جانب شعوب وأمم التخوم المسودة حتى لو كانت بازغة ظاهرياً.
وعلى ذلك فالتحدي الحقيقي هو الآتي: هل ستتقابل هذه الصراعات لتفتح الطريق – أو عدة طرق – أمام الانتقال الطويل للتحول للاشتراكية العالمية؟ أو هل ستبقى متفرقة، بل هل ستتعارض الواحد مع الآخر فتفقد فاعليتها، وبذا تترك المبادرة لرأس المال الاحتكاري؟ وهذا الكتاب لا يحاول الرد على هذا التساؤل، بل يكتفي بأن يقدم العناصر التي تسمح بتحليل التحدي الذي نتحدث عنه.
الإفقار على المستوى العالمي في مركز القلب من أزمة الحضارة الرأسمالية
لإثبات هذه العلاقة المركزية بالنسبة لتحليلي، بدا لي من الضروري في البداية أن أخضع التاريخ الحديث لاختبار “المدى الطويل”. فكان من الضروري الرجوع لبداية تكوين الرأسمالية على أساس التناقضات في الأنظمة السابقة عليها (“الأنظمة الخراجية” كما أسميها)، وبهذا أقف مع الأقلية من المفكرين الذين لا يؤمنون بأن الرأسمالية قد نتجت عن “المعجزة” الأوروبية، أو “الاستثناء الأوروبي”. فأنا أؤكد، على العكس من هؤلاء، أن التناقضات الأساسية ذاتها كانت موجودة في داخل جميع الأنظمة الخراجية السابقة على الحداثة، وأن تجاوزها عن طريق الرأسمالية كان في سبيله للحدوث في البلدان غير الأوروبية.
والرأسمالية “الأوروبية” لم تكن سوى أحد الأشكال الممكنة للرد على ضرورة التطور العام، ولذا فمن المهم توضيح القسمات الخاصة لهذا الشكل. وقد لخصت هذه القسمات في جملة بسيطة وهي: التراكم بالنهب – لا في المرحلة الأولي (بالتراكم البدائي أو الأولي) – في جميع مراحلها. فهذه الرأسمالية “الأطلنطية”، بمجرد نشأتها، أخذت في غزو العالم وأعادت تشكيله على أساس الاستمرار في نهب المناطق التي استولت عليها، والتي صارت التخوم المسودة للنظام.
ولا يتعلق الأمر بالتاريخ (الماضي الذي جرى تجاوزه) وإنما بالحاضر (وبالمستقبل طالما بقينا في إطار الرأسمالية التاريخية)، وبالرأسمالية القائمة – التي لا يُتصوّر قيام غيرها. وهذا يعني أنه علينا أن ندرس جميع تناقضات الرأسمالية – في أشكالها القديمة والجديدة – والتحديات التي تمثلها – في تعبيراتها القديمة والجديدة كذلك – في هذا الإطار. علينا أن نجمعها حول المحور المركزي للعولمة المستقطِبة وهي الشكل الخاص للعولمة الرأسمالية منذ نشأتها، أي منذ خمسة قرون وحتى اليوم.
وهذه العولمة ليست جديدة، بل قد بدأت مع تدمير الأمريكتين وإعادة تشكيلهما وفق متطلبات التراكم عن طريق النهب، والذي تم في القرن التاسع عشر، منذ عام 1850 تقريباً.
ومع ذلك فقد فشلت هذه العولمة “المنتصرة” في فرض وجودها بشكل مستقر، فبعد أكثر بقليل من نصف قرن من الانتصار، الذي بدا وكأنه يعني “نهاية التاريخ”، اهتزت قوائمها تحت تأثير الثورة الروسية، والصراع المنتصر لتحرير بلدان آسيا وأفريقيا الذي شغل تاريخ القرن العشرين، وكون الموجة الأولى للصراع من أجل تحرير العاملين والشعوب.
ومن هنا فالرأسمالية التاريخية تحمل ما شئت من الصفات فيما عدا الثبات والبقاء، فهي لا تعدو كونها مرحلة عابرة من التاريخ. والطعن الأساسي في قيامها – الذي تعتقد الغالبية من مفكري “اليسار” أنه غير “ممكن” (بل حتى غير مرغوب فيه) – يشمل تهديدها عن طريق الصراع من أجل تحرير العاملين (البرولتاريا في مجموعها حسب تعبيري)، وصراع الشعوب المسودة (أي شعوب التخوم التي تكوِّن 85% من الإنسانية)، ولا يمكن الفصل بين هذين الجناحين من الصراع. فلا يمكن الخروج من إسار الرأسمالية عن طريق نضال البرولتاريا في مجموعها وحده، ولا عن طريق نضال الشعوب المسودة وحده. فلا خروج من الرأسمالية إلا إذا ارتبط هذان الجناحان من التحدي الواحد بالآخر، وبقدر قوة هذا الارتباط. وليس من “المؤكد” أن يتحقق هذا الارتباط وفي هذه الحالة قد يجري “تجاوز” الرأسمالية بانهيار الحضارة، بل ربما حتى انتهاء الحياة البشرية. ومن ناحية أخرى، من الممكن تحقق هذا الارتباط.
من أزمة طويلة لأخرى
ربما يكون الانهيار المالي في سبتمبر 2008 قد فاجأ الاقتصاديين التقليديين “للعولمة السعيدة”، وأربك بعض مخترعي خطاب العولمة المنتصرة منذ “سقوط جدار برلين”، كما يقولون، لكنه لم يفاجئنا نحن. فقد كنا ننتظر وقوعه – دون التنبؤ بتاريخ محدد على طريقة المنجمين – لأنه ببساطة يدخل ضمن تطور الأزمة الطويلة الأمد للرأسمالية الشائخة التي بدأت منذ أوائل سبعينات الفرن الماضي.
ومن المفيد العودة لأزمة الرأسمالية الطويلة في القرن العشرين، فالتشابه بين مراحل تطور هاتين الأزمتين مثير للعجب.
دخلت الرأسمالية الصناعية المنتصرة للقرن التاسع عشر في أزمة ابتداءً من عام 1873، فقد تدهورت معدلات الربح للأسباب التي أوضحها ماركس. وكان رد فعل رأس المال القيام بحركة مزدوجة للتركيز، وللتوسع المعولم. فقد اغتصبت الاحتكارات الجديدة لنفسها جزءاً من إجمالي فائض القيمة الناتج من استغلال العمال، كما أسرعت في استكمال الغزو الاستعماري لكوكب الأرض. وسمحت هذه التحولات الهيكلية بقفزة جديدة للأرباح، وبدأت “المرحلة السعيدة” – من 1890 وحتى 1914 – للسيادة المعولمة لرأسمال الاحتكارات المالية. وامتدح الخطاب السائد للمرحلة الاستعمار (بالحديث عن “المهمة الحضارية”)، ووصف العولمة بأنها مرادفة للسلام، وانضمت أحزاب الاشتراكية الديمقراطية العمالية لهذا الخطاب.
ومع ذلك فقد انتهت “المرحلة السعيدة” التي اعتبرها أغلب المفكرين المرموقين في ذلك الوقت “نهاية التاريخ” بالحرب العالمية الأولى، وكان لنين وحده الذي توقع ذلك. وكانت المرحلة التالية التي استمرت حتى غداة الحرب العالمية الثانية، مرحلة “الحروب والثورات”. وبعد عزل الثورة الروسية (“الحلقة الضعيفة” للنظام) في عام 1920، وبعد هزيمة الآمال في الثورة في أوروبا الوسطى، أعاد رأس المال المالي نظام “المرحلة السعيدة” رغم كل الاعتبارات. وأدت هذه الإعادة للانهيار المالي لعام 1929، والكساد الذي ترتب عليه واستمر حتى الحرب العالمية الثانية.
وهكذا “فالقرن العشرون الطويل” – 1873 ـ 1990 – هو قرن ظهور أزمة النظام العميقة الأولى للرأسمالية الشائخة (لدرجة أن لنين اعتبر أن رأسمالية الاحتكارات هي “المرحلة العليا” للرأسمالية)، وكذلك قرن الموجة الأولى المنتصرة للثورات ضد الرأسمالية (في روسيا والصين)، والحركات المعادية للإمبريالية لشعوب آسيا وأفريقيا.
وبدأت أزمة النظام العميقة الثانية في عام 1971، مع تخلي الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب لتحويل الدولار، أي بعد قرن كامل تقريباً من بداية الأزمة الأولى. وهبطت معدلات الأرباح والاستثمار والنمو (ولم تعد أبداً لقيمتها في السنوات 1945/1975). ورد رأس للمال على التحدي كما في الأزمة السابقة، بحركة مزدوجة للتركيز والعولمة، وهكذا أقام هياكل “المرحلة السعيدة” الثانية (1990/2008) للعولمة المالية التي تسمح للمجموعات الاحتكارية بتحقيق الريع الاحتكاري. واستمعنا للخطاب القديم مرة أخرى: فالسوق هو الذي يضمن الرواج والديمقراطية والسلام؛ إنها “نهاية التاريخ”. وانضم اشتراكيو أوروبا كما في السابق للبرالية الجديدة. ومع ذلك فقد ارتبطت هذه “المرحلة السعيدة” الجديدة منذ بدايتها بالحرب، وهي حرب الشمال ضد الجنوب المعلنة منذ عام 1990. وكما أدت العولمة المالية الأولى إلى 1929، أدت نظيرتها الثانية إلى 2008. ونحن الآن على شفا لحظة حرجة من الزمان قد تكون الفاتحة لموجة جديدة من “الحروب والثورات”، خاصة والسلطات القائمة لا تفكر إلا في إعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الانهيار المالي.
والتشابه بين تطور هاتين الأزمتين الطويلتين للنظام الرأسمالي الشائخ ملفت للأنظار، ولكن هناك مع ذلك اختلافات لها أهمية سياسية.
الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة؟
خلف الأزمة المالية تقف الأزمة النظامية لرأسمالية الاحتكارات
الرأسمالية المعاصرة هي قبل كل شيء رأسمالية الاحتكارات بكل ما يعنيه ذلك (الأمر الذي لم يكن إلا جزئياً حتى الآن). وأعني بهذا أن الاحتكارات هي وحدها التي تتحكم في إعادة إنتاج نظام الإنتاج في مجمله، وهي “مالية” بمعنى أنها وحدها التي تسيطر على سوق رؤوس الأموال. وهذه الطبيعة المالية تضفي على أسواق المال والنقود – وهي أسواقهم التي يتنافسون على السيطرة عليها – صفة السوق السائدة التي تسيطر بدورها على أسواق العمل وأسواق تبادل السلع.
وهذه الطبيعة المالية المعولمة تحول الطبقة البرجوازية الحاكمة إلى أوليجاركية تجمع الريع، فالأوليجاركيون ليسوا من الروس فقط كما يقال كثيراً، بل هم المسيطرون في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
ويجب تحديد الشكل الجديد للعولمة الرأسمالية التي تقابل هذا التحول من نظيرتها في “المرحلة السعيدة” الأولى، وقد عبرت عن ذلك في جملة واضحة وهي: تحول الإمبريالية من صيغة الجمع (أي القوى الإمبريالية المتصارعة باستمرار فيما بينها)، إلى الإمبريالية الجماعية للثالوث (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان).
والاحتكارات التي ظهرت رداً على أزمة الأرباح الأولى قامت على أسس زادت من عنف المنافسة بين القوى الإمبريالية الرئيسية في تلك المرحلة، وأدت إلى الصراع العسكري الكبير الذي بدأ في عام 1914، واستمر عبر سنوات سلام فرساي ثم الحرب العالمية الثانية حتى عام 1945. وقد أطلقنا أريجي، وفرانك، وفالرستاين، وأنا منذ عام 1970، على هذه المرحلة اسم “حرب الثلاثين عاماً”، وقد تابعنا آخرون في استخدام هذا الوصف.
وفي المقابل، قامت الموجة الثانية من التركيز الاحتكاري في أعوام السبعينيات على أسس مختلفة تماماً، في إطار نظام أطلقتَ عليه: “الإمبريالية الجماعية” للثالوث (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان). وفي هذه العولمة الإمبريالية الجديدة لا تسيطر المراكز عن طريق سيادة احتكارات الإنتاج الصناعي (كما كان الحال حتى الآن)، ولكن عن طريق وسائل أخرى (السيطرة على التكنولوجيا، والأسواق المالية، والحصول على الموارد الطبيعية للكوكب، ووسائط المعلومات والاتصال، وأسلحة الدمار الشامل). وهذا النظام الذي أسميته “التمييز العنصري (الأبارتهيد) على المستوى العالمي”، ينطوي على الحرب الدائمة ضد الدول والشعوب المعارضة، وهي الحرب التي بدأت منذ عام 1990، بعملية السيطرة العسكرية على العالم من جانب الولايات المتحدة وحلفائها التابعين في حلف الأطلنطي.
والطبيعة المالية لهذا النظام، ترتبط في تحليلي بطبيعته الاحتكارية المؤكدة، فهي علاقة عضوية أساسية. وهذا الرأي الذي فصلته في الكتاب، ليس السائد في الأدبيات الكثيرة للاقتصاديين التقليديين، بل حتى في أغلب الكتابات الانتقادية المتعلقة بالأزمة الحالية.
وهذا النظام في مجموعه هو الذي يمر حالياً بالصعوبات
والوقائع أمامنا: فالانهيار المالي لم يعد يؤدي لمجرد تراجع أو ركود مؤقت، بل إلى كساد عميق. وحتى قبل ذلك، كانت الأبعاد الأخرى لأزمة النظام بادية للعيان. فنحن نذكر العناوين العريضة – أزمة الطاقة، والأزمة الغذائية، وأزمات البيئة والتغيير الإيكولوجي – ونطالع كل يوم التحليلات المتعلقة بهذه التحديات المعاصرة، وبعضها جيد جداً.
ومع ذلك فأنا أنتقد بشدة هذه الطريقة في معالجة الأزمة النظامية للرأسمالية التي تعزل الأبعاد المختلفة للتحديات بعضها عن البعض. بناء عليه أعيد تسمية “الأزمات” المختلفة بوصفها الأوجه المتعددة لذات التحدي وهو الموجه لنظام العولمة الرأسمالية المعاصرة (لبرالية كانت أم لا)، القائمة على أساس أن الريع الإمبريالي يُجبى على المستوى العالمي لصالح رأسمالية الاحتكارات.
وتجري المعركة الحقيقية على هذه الأرض الحاسمة بين الاحتكارات التي تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج الظروف التي تسمح لها بالاستيلاء على الريع الإمبريالي، وبين ضحاياها جميعاً وهم العاملين والشعوب.
وهكذا، “فأزمة الطاقة” ليس سببها ندرة بعض مواردها (البترول بالطبع)، ولا من باب أولى الآثار المخربة لأنماط الإنتاج والاستهلاك الشرهة في استخدام الطاقة السائدة حالياً. وهذه جميعاً أوصاف صحيحة ولكنها مجرد حقائق بسيطة معروفة للكافة. ولكن الأزمة ناتجة عن رغبة الاحتكارات الإمبريالية الجماعية في أن تضمن احتكارها للحصول على الموارد الطبيعية للكوكب سواء أكانت نادرة أم لا، بحيث تحصل على الريع الإمبريالي، وسواء بقي استخدام هذه الموارد على حاله (الإسراف في الطاقة)، أو جرى اتباع سياسات “بيئية” صحيحة جديدة.
وبالطريقة نفسها، فأزمة الغذاء ليس سببها التوسع في إنتاج الوقود من المصادر النباتية على حساب الغذاء، رغم أن هذا التوسع حقيقي وضار، ولكن سببها الحقيقي هو التراكم عن طريق النهب لفلاحي العالم، الذين اتسعت حركتهم خلال سنوات “المرحلة السعيدة” التي قاربت على الانتهاء تحت أعيننا اليوم. وهذا النهب للفلاحين (في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) هو الشكل الرئيسي لعملية الإفقار (بالمعنى الذي يرسمه ماركس لهذا “القانون”) المرتبط بالتراكم. وهذا النهب مرتبط ارتباطاً لا ينفصم باستراتيجية حصول الاحتكارات على الريع الإمبريالي سواء أُنتج الوقود من مواد الغذاء أم لم يُنتج.
الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة؟
العنوان الذي اخترته لهذا الكتاب، كنت قد اقترحته بالاشتراك مع أندريه جوندر فرانك في عام 1974.
فقد قادنا التحليل الذي اقترحناه للأزمة الكبرى التي كنا نعتقد أنها بدأت بالفعل إلى الاستنتاج بأن رد فعل رأس المال سيكون بالقيام بموجة جديدة من عمليات التركيز وعلى أساسها سيقوم بنقل المصانع على نطاق واسع، وهو ما أثبتته الوقائع التالية تماماً. وقد كان عنوان مداخلتنا في ندوة “المانيفستو” في روما في ذلك التاريخ، هو: “دعونا لا ننتظر 1984” (في إشارة لكتاب جورج أورويل الشهير بنفس العنوان). فقد دعونا اليسار الراديكالي وقتها للتوقف عن مساعدة رأس المال على “الخروج من الأزمة” لاتباع استراتيجيات تؤدي “للخروج من الرأسمالية المتأزمة”.
وقد تابعت خط التحليل هذا بعناد لا أعتذر عنه. وقد اقترحت رؤية للأشكال الجديدة لسيطرة المراكز الإمبريالية مبنية على أُسس للسيطرة تختلف عن الشكل القديم للاحتكارات الصناعية الأمر الذي أكده صعود الاقتصادات “البازغة” مؤخراً. وقد سميت العولمة الجديدة “بالتمييز العنصري (الأبارتهيد) على نطاق العالم”، الذي يؤدي للإدارة العسكرية للعالم، ويستمر، تحت ظروف جديدة، في عملية الاستقطاب المرتبط بتوسع “الرأسمالية كما هي في الواقع”.
هل ستكون الموجة الثانية لتحرير الشعوب مجرد “تكرار” للقرن العشرين أم أفضل؟
ليس هناك من بديل للمستقبل الاشتراكي.
تحكم عالمنا المعاصر الاحتكارات المالية للولايات المتحدة وأوروبا واليابان، التي لا تسيطر على الحياة الاقتصادية وحسب، وإنما على الحياة السياسية واليومية كذلك. وهناك كذلك الاحتكارات الروسية التي تحاول الدولة الروسية السيطرة عليها، وفي الصين هناك رجال الدولة. وفي بقية بلدان الكوكب نجد الأوتوقراط (المتخفين أحياناً وراء بعض مظاهر “الديمقراطية الانتخابية” ذات المستوى المنخفض).
وتمر إدارة العالم تحت هذه الاحتكارات بحالة أزمة.
وتعتقد احتكارات الشمال أنها ستبقى في مراكز السلطة بعد انتهاء الأزمة، فهي لا تشعر بالتهديد. أما الأوتوقراطيات في الجنوب فحالتها الهشة بينة، وهذا يعني أن العولمة الحالية هشة بدورها. فهل ستتعرض للتشكيك في بقائها تحت تأثير ثورة الجنوب كما حدث في القرن العشرين؟ هذا أمر محتمل، ولكنه محزن، لأن الإنسانية لن تبدأ السير على طريق الاشتراكية، وهي البديل الوحيد للفوضى، إلا إذا هُزمت سلطة الاحتكارات وحلفائها وخدامها في بلدان الشمال والجنوب معاً.
عاشت أممية الشعوب في مواجهة كوزموبوليتية الاحتكارات.
هل من الممكن عودة رأسمالية الاحتكارات المالية المعولمة لاعتلاء صهوة الحصان؟
الرأسمالية “لبرالية” بطبيعتها لا بالمعنى الجميل للكلمة، ولكن بمعنى التحقيق الكامل لسيطرة رأس المال لا على العمال والاقتصاد فحسب، ولكن على جميع مظاهر الحياة الاجتماعية. فلا يوجد “اقتصاد السوق” (وهو التعبير الشائع عن الرأسمالية)، دون “مجتمع السوق”، ورأس المال يجري وراء هذا الهدف الوحيد. إنه يجري وراء المال … التراكم في حد ذاته. وقد فهم ماركس هذه الحقيقة جيداً، ومن بعده بعض المفكرين الانتقاديين مثل كينز، ولكن لم يفهمها الاقتصاديون التقليديون بمن فيهم اليساريون.
وقد فرضت الطبقات الحاكمة بعناد هذا النموذج للسيطرة الكاملة لرأس المال طوال سنوات الأزمة الطويلة وحتى عام 1945. وكان الانتصار الثلاثي للديمقراطية، والاشتراكية، وحركة تحرير الشعوب، هو وحده الذي سمح باستبدال التعايش الصدامي للأنظمة الثلاثة المقننة: “دولة الرفاهية” للاشتراكية الديمقراطية في الغرب، والاشتراكية كما هي في الواقع في الشرق، والوطنية الشعبية في الجنوب، بالنموذج الرأسمالي القح. لكن انقطاع أنفاس هذه الأنظمة الثلاث، ثم انهيارها، سمح بعودة السيطرة الكاملة لرأس المال النيولبرالي.
وقد جمعت بين هذه “اللبرالية” وبعض الصفات الجديدة الأخرى فيما أطلقت عليه اسم “الرأسمالية الشائخة”.
وكان الكتاب الذي ظهر في عام 2001 حاملاً هذا الاسم من الأعمال النادرة في تلك الحقبة، التي بدلاً من اعتبار النيولبرالية المالية المعولمة “نهاية التاريخ”، حللها كنظام شائخ غير مستقر محكوم عليه بالانهيار ابتداءً من بعده المالي (كعب أخيل، كما كتبت).
وقد ألقى الاقتصاديون التقليديون آذاناً صماء لكل ما يمس أفكارهم الجامدة الدوجماطيقية، للدرجة التي جعلتهم لا يتصورون وقوع الانهيار المالي لعام 2008. أما من اعتبرتهم وسائط الإعلام من المنتقدين فلا يستحقون هذا الوصف، فستيجليتس مثلاً يعتقد أنه من الممكن عودة النظام بشكله السابق – اللبرالية المالية المعولمة – إلى وضع القيادة بشرط القيام ببعض التصحيحات. أما أماراتيا سين فيعظ بتطبيق مبادئ الأخلاق دون أن يجرؤ على النظر إلى الرأسمالية على حقيقتها الحتمية في الواقع.
دفعت الكوارث الاجتماعية التي سببتها اللبرالية – الجنة الدائمة للرأسمالية كما وصفتها – لبعض الحنين للماضي القريب أو البعيد. ولكن هذا الحنين ليس الرد على التحدي، فهو نتيجة لغياب الفكر النظري الانتقادي بما سمح بعدم فهم التناقضات الداخلية، وحدود أنظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل التآكل والتخبطات ثم انهيار هذه الأنظمة تبدو وكأنها كوارث غير متوقعة.
ومع ذلك، ففي الفراغ الذي خلقه غياب الفكر النظري الانتقادي، أخذ وعي ذو بعد جديد بالأزمة النظامية للحضارة يشق طريقه، وأشير هنا للمدافعين عن البيئة. ولكن الخضر الذين قرروا أن يميزوا أنفسهم بوضوح عن الزرق (المحافظون واللبراليون)، وعن الحمر (الاشتراكيون)، وضعوا أنفسهم في مأزق لأنهم لم يدمجوا البعد البيئي للتحدي مع الانتقاد الجذري للرأسمالية.
كانت جميع الظروف مهيأة إذن لانتصار – المؤقت فعلاً وإن بدا أنه “نهائي” – البديل المسمى “الديمقراطية اللبرالية”. وهو فكر بائس – بل إنه ليس فكراً بالمرة – يتجاهل قول ماركس القاطع بشأن هذه الديمقراطية البرجوازية التي تتجاهل أن من يقررون ليسوا هم المعنيين بهذه القرارات المتخذة. من يقررون اليوم، مستندين للسلطة المستمدة من المِلكية، هم أصحاب رأس المال الاحتكاري والدول التابعة لهم. وبطبيعة الأشياء فالعمال والشعوب الخاضعة لهم هم ضحايا هؤلاء المتمكنين. وكان من الممكن أن تنجح هذه الأوهام لبعض الوقت حيث لم يتمكن ذوو الأفكار الدوجكاطيقية من أن يفهموا أسباب تخبط هذه النظم لما بعد الحرب العالمية. لذلك بدا أن “الديمقراطية اللبرالية” هي “أفضل النظم الممكنة”.
ولكن الكارثة اللبرالية تفرض إعادة الانتقاد الجذري للرأسمالية على أسس الفكر الماركسي كما يقتضي الأمر، وهذا الكتاب يدخل في إطار مساهمة المؤلف في هذا الجهد.
واليوم، تعمل السلطات القائمة، التي لم تتوقع ما حدث، على إعادة النظام ذاته كما كان. ونجاحهم في ذلك، مثل نجاح المحافظين في عام 1920 – الذي أدانه كينز في حينه دون استجابة – لن يؤدي إلا إلى مضاعفة عنف التناقضات التي أدت للانهيار المالي في عام 2008. والاجتماع الأخير لمجموعة العشرين (في لندن في أبريل 2009) لا تعني بالمرة “إعادة بناء العالم”، وليس من المصادفة أن تبعتها فوراً قمة الأطلنطي وهي الذراع المسلح للإمبريالية اليوم، وما أكدته من تعزيز جهدها العسكري في أفغانستان، فالحرب الدائمة للشمال ضد الجنوب يجب أن تستمر.
وليس أقل خطورة أن اقتصاديي “اليسار” قد انضموا منذ وقت طويل لأغلب أطروحات الاقتصاد الشائعة، وأقروا بالفكرة – الخاطئة – عن رشاد السوق. فقد ركزوا جهودهم على تحديد شروط هذا الرشاد، متخلين بذلك عن ماركس – الذي أثبت عدم رشاد السوق من وجهة نظر تحرير العاملين والشعوب – باعتبار أن فكره “قد عفا عليه الزمن”. إنهم يعتقدون بمرونة الرأسمالية، وأنها تتكيف مع متطلبات التقدم التكنولوجي (وحتى الاجتماعي إذا فُرض عليها ذلك). واقتصاديو “اليسار” هؤلاء لم يكونوا على استعداد لفهم أن الأزمة التي انفجرت كانت حتمية، وهم أقل استعداداً لمواجهة التحديات التي تواجه الشعوب بسبب هذه الأزمة. ومثل بقية الاقتصاديين الشائعين، يعملون على تخفيف حدة الأضرار، دون أن يفهموا أنه لتحقيق ذلك يجب اتباع طريق آخر، وهو تجاوز المنطق الأساسي للرأسمالية. وبدلاً من محاولة الخروج من الرأسمالية المتأزمة، يتصورون أنه من الممكن الخروج من أزمة الرأسمالية.
هل من الممكن حدوث تقدم في نضال تحرير الشعوب؟
تتميز الإدارة السياسية لسيطرة رأس المال الاحتكاري على العالم، بالضرورة، بالعنف الشديد. فللاحتفاظ بوضعها كبلدان متمتعة بالرفاهية، تضطر بلدان الثالوث الإمبريالي للاستحواذ على الموارد الطبيعية للعالم لها وحدها. ولتحقيق هذا الهدف تكتسب العولمة الإمبريالية طابعها العسكري، وهو ما أطلقت عليه “إمبراطورية الفوضى” (وهو عنوان أحد كتبي في 2001)، وقد استخدم البعض هذا الوصف بعد ذلك.
وتنفيذاً لسياسة واشنطن للسيطرة العسكرية على العالم والتي أدت لعدد من “الحروب الوقائية” بحجة “الحرب على الإرهاب”، ادعى حلف الأطلنطي لنفسه الحق في “تمثيل الجماعة الدولية” مهمشاً بذلك الأمم المتحدة وهي الهيئة الوحيدة الجديرة بذلك الحق.
وبالطبع فالأهداف الحقيقية لا يمكن التصريح بها، ولإخفائها اختارت القوى المسيطرة أن تستخدم خطاب الديمقراطية، وأعطت لنفسها “الحق في التدخل” لفرض “احترام حقوق الإنسان”!
وفي الوقت نفسه، أفرغت السلطة المطلقة للاحتكارات ممارسات الديمقراطية البرجوازية من مضمونها. ففي حين كانت الأوضاع القديمة تقتضي التفاوض السياسي بين المكونات الاجتماعية للكتلة الحاكمة من أجل إعادة إنتاج سلطة رأس المال، فرضت الإدارة السياسية الجديدة للاحتكارات، عن طريق عملية لاتسييس منظمة، نظام “الوفاق العام” (طبقاً للنموذج الأمريكي)، ليحل المستهلك والمتفرج السياسي محل المواطن النشط الضامن للديمقراطية الحقيقية. وهذا الفيروس اللبرالي (طبقاً لعنوان كتيب نشرته في عام 2005)، يلغي فرصة اختيار البدائل الممكنة، ويقيم بدلها الوفاق حول اختيار الديمقراطية البرلمانية الشكلية.
وأساس المأساة هو انقطاع أنفاس النماذج الثلاثة للإدارة الاجتماعية التي أشرنا إليها أعلاه، ثم انهيارها. وهكذا انتهت الموجة الأولى للنضال من أجل التحرر ولم تبدأ الموجة الثانية بعد، وفي الظلام الذي يفصل الموجتين تحوم الوحوش، كما يقول جرامشي.
وفي الشمال، تؤدي هذه التطورات إلى تفريغ الديمقراطية من مضمونها، يختفي هذا التراجع تحت ستار خطاب “ما بعد الحداثة” الذي يدعي اختفاء الأمم والطبقات من المسرح السياسي ليحل محلها “الفرد” الذي صار العضو الفاعل في التحول الاجتماعي.
وفي الجنوب، تحتل أوهام أخرى واجهة المسرح، مثل وهم تنمية رأسمالية مستقلة في إطار العولمة تسود بين الطبقات المسيطرة والمتوسطة للبلدان “البازغة”، ويشجعها النجاحات التي تحققت في العقود القريبة. وهناك كذلك الأوهام الماضوية (الدينية أو العرقية) في البلدان المتروكة لحالها.
والأمر الأخطر هو أن هذه التطورات تساعد على الالتفاف حول “أيديولوجية الاستهلاك” بافتراض أن النمو الكمي للاستهلاك يعني التقدم. وقد بين ماركس أن طريقة الإنتاج هي التي تحدد طريقة الاستهلاك وليس العكس كما يدعي الاقتصاد الشائع. وهنا يضيع الأمل في مستوى أعلى للرشاد الإنساني وهو أساس المشروع الاشتراكي، وتضيع الفرص الهائلة التي يمنحها التقدم التكنولوجي للإنسانية لتحقيق الازدهار للأفراد والمجتمعات في الشمال كما في الجنوب، تحت تأثير التبديد المستمر لها من أجل تحقيق التراكم الرأسمالي المتواصل. والأخطر من ذلك، هو الارتباط بين التقدم المستمر في الإنتاجية الاجتماعية وبين آليات الإفقار (الواضح على المستوى العالمي كما في حالة الهجوم على المجتمعات الفلاحية) وقد شرح ماركس هذه الفكرة بوضوح.
والوقوع في الانحراف الأيديولوجي الناتج عن الرأسمالية ليس وقفاً على المجتمعات المرفهة للمراكز الإمبريالية، فشعوب التخوم، وإن كانت غالبيتها العظمى محرومة من المستويات المعقولة للاستهلاك، فإن طموحها للوصول إلى مستويات استهلاك مناظرة للشمال المرفه، قد بعميها عن حقيقة أن تطبيق منطق الرأسمالية التاريخية يجعل من المستحيل تعميم مستواها في الاستهلاك على الكوكب بأكمله.
من السهل أن نفهم إذن أن ازدياد حدة التناقضات الداخلية الراجعة للتراكم الرأسمالي هي السبب المباشر للانهيار المالي في عام 2008. ولا يمكن تصور الخروج من الفوضى الناتجة عن ازدياد حدة التناقضات الداخلية للنظام دون تدخل قوى تحمل فكراً بديلاً (وفي هذا السياق حددت “الطريق الثوري” في مواجهة فكرة تجاوز نظام فقد جدواه تاريخياً بمجرد “التقادم”). وفي ظل الأوضاع الراهنة، تبقى حركات الاحتجاج الاجتماعية، على الرغم من ارتفاع وتيرتها بوضوح، عاجزة في مجموعها عن التشكيك في النظام الاجتماعي المرتبط برأسمالية الاحتكارات لعدم امتلاكها لبرنامج سياسي في مستوى التحديات.
ويختلف الحال كثيراً اليوم عن الوضع السائد في حقبة الثلاثينيات حيث كانت تتواجه قوات تنادي بخيارات اشتراكية من جانب، وأحزاب فاشية من الجانب الآخر، ونتج عن هذه المواجهة قيام الجبهة الشعبية والصفقة الجديدة (New Deal) من جانب، والحلول الفاشية من الجانب الآخر.
وتعمق الأزمة شيء لا يمكن تجنبه، حتى في حالة نجاح عودة نظام سيطرة رأس المال الاحتكاري للسلطة – وهو أمر لا يمكن استبعاده. وفي هذه الحالة لا يمكن استبعاد تجذر أشكال النضال، رغم ما قد يواجهه ذلك من عراقيل.
ويعني هذا التجذر في بلدان الثالوث، وضع شعار نزع ملكية الاحتكارات على جدول الأعمال، وهو أمر يبدو مستبعداً في المدى القريب. وبناء عليه لا يمكن استبعاد فكرة استمرار استقرار مجتمعات الثالوث حتى بالرغم من الاضطرابات الناتجة عن الأزمة. وفي المقابل هناك احتمال قائم “بتكرار” موجة نضال التحرر التي سادت في القرن الماضي وبالتالي تهديد النظام من جانب بعض تخومه.
وهنا احتمال لمرحلة جديدة “لصحوة الجنوب” (طبقاً لعنوان كتابي الصادر في عام 2007 الذي يعتبر مرحلة باندونج كالمرحلة الأولى لتلك الصحوة). وفي أحسن الظروف يمكن للتقدم الناجح في هذا الاتجاه أن يفرض على الإمبريالية التراجع عن مشروعها الإجرامي الجنوني بالسيطرة العسكرية على العالم. وفي هذه الحالة يمكن للحركة الديمقراطية في بلدان المركز أن تساهم بإيجابية في تحقيق هذا الهدف. وفضلاً عن ذلك، فانخفاض الريع الإمبريالي الذي تستفيد منه هذه المجتمعات، والراجع لإعادة ضبط التوازنات الدولية لمصلحة الجنوب (وخاصة لمصلحة الصين) سيعمل على إيقاظ الوعي الاشتراكي. ولكن من ناحية أخرى، ستبقى مجتمعات الجنوب في مواجهة ذات التحديات مما يضع حداً لتقدمها.
ويبقى سيناريو “التكرار الدقيق” أقل من أن يحقق سير الإنسانية في الطريق الطويل نحو الاشتراكية العالمية، فأحد الشروط المهمة الضرورية لجعل هذا الهدف ممكناً هو بالتأكيد تجديد الفكر الماركسي الخلاق.
أختم إذن بتكرار عبارة جرامشي: تحليل متشائم، ولكن إرادة متفائلة.