خطاب التكريم للبروفسور ديتر زنغهاز

Deutsch

كلمة تكريم الأستاذ سمير امين الفائز بجائزة ابن رشد للفكر الحر لسنة 2009

أ.د. ديتر زينغهاس

ديـتر زينغـهاس : تشخيص العصر باستلهام طوباوية خلاقة


كلمة الأستاذ ديتر زيِنغهاس في تكريم سمير أمين مناسبة تسلّمه جائزة ابن رشد للفكر الحر في الثالث من ديسمبر 2009

برلين

    سمير أمين مفكر لامع يمتاز بأفق واسع وإنتاجية كبيرة. وتشهد على ذلك أعماله إذا ما قورنت بالمسار الضيق للعديد من منظري ومخططي التنمية. فنظرتهم العلمية الضيقة ونماذجهم النظرية البحتة بعيدة كل البعد عن فكر سمير أمين الذي يتميز بقدرة نادرة على ممارسة البحوث في الخبرات الميدانية مقرونة بالمنظور التاريخي والمقارن.
تتصف تحليلاته دائماً بالإلمام بمعطيات البنى الاجتماعية وواقع السلطات السياسية وكذلك بالمخططات والإيديولجيات والذهنيات مما يجعل منه مفكراً مبدعاً ومنبعاً فكرياً لا ينضب في الدفاع عن نهج المادية التاريخية التي كانت دائماً لا تقبل الأرثوذكسية والدوغمائية أيا كانت. إن حرصه الدائم يتمحور على اكتشاف الاتجاهات الجديدة في التطور ومراجعة مواقفه، وفتح باب الحوار أو الاشتراك بجدال مفتوح بدأه آخرون. ودافعه الفكري والسياسي هو حب استطلاعه الدائم وحبه للجدل السياسي يشملان إنتاجاته العديدة: من مساهمات تحليلية عن التطورات التاريخية العالمية ما قبل الرأسمالية، إلى تأملات في مشاريع التنمية الراهنة في أقاليم محدودة. وتكشف مساهماته عن نقد جذري للرأسمالية قائم على التجربة الميدانية بالإضافة إلى طرحه رؤى تخطيطية تطل على مستقبل منشود. قال سمير أمين مرة: “لا وجود لعالم ثالث tiers mondiste إنما هناك عالم واحد mondiste فقط”. هذا وغيره يميزه عن الكثيرين من الشخصيات المسجلة في قاموس Who is Who ممن يمثلون مشاهير المنظرين للمجتمع والتنمية، بل ومنذ فترة منظري تحليل العالم أيضا. يضاف إلى ذلك أن إنجازاته بشكل عام تدل على فكر حر لا يسمح على الإطلاق بالعبث به.

    يعتبر سمير أمين من أهم مفكري العالم الثالث وأكثرهم تأثيراً. ويميزه عن الكثير من الباحثين في التنمية – سواءً أكانوا من البلدان الصناعية أم النامية – منظوره العالمي الشامل في مجمل منجزاته على امتداد ستة عقود. فكتابه “تراكم على الصعيد العالمي” هو مجموعة من التشخيصات التي تأخذ من التاريخ والبنى ودينامية التطور في العالم كله منطلقاً وهدفاً لها وليس من بعض القارات والمجتمعات أو مناطق بعينها فحسب. هذا الأنموذج في التحليل تحول إلى خصم تحليلي وسياسي لمعظم التوجهات السياسية والتحليلية السائدة للتنمية، والمنتمي منها إلى الكلاسيكية الجديدة (نيوكلاسيكية) والماركسية السوفييتية بخاصة.

I

    ولد سمير أمين في الثالث من أيلول (سبتمبر) عام 1931 في القاهرة، من أب مصري وأم فرنسية (كلاهما طبيب). أمضى طفولته وشبابه في بورسعيد؛ التحق هناك بالمدرسة الثانوية الفرنسية وأنهى دراسته فيها بحصوله على شهادة  الثانوية العامة عام 1947. منذ عام 1947 وحتى 1957 التحق بالجامعة بباريس، حيث حصل على دبلوم في العلوم السياسية عام 1952 وآخر في الإحصاء عام 1956 وأنهى دراسته عام 1957 بحصوله على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. كتب سمير أمين في سيرته الذاتية Itinéraire intellectuel (1993) أنه استثمر في ذلك الوقت الحد الأدنى من طاقته في التحضير لامتحانات الجامعة، وذلك ليتمكن من أن يعطي قدراً كبيراً من وقته للنشاط السياسي، والذي كان قد بدأه أثناء دارسته الثانوية في مصر، وتابعه بشكل واضح في باريس أيضا. وليس هذا غريباًً، فقد كانت باريس في ذلك الوقت حاضرة رأسمالية كبرى لا نظير لها تنبض بالحياة الثقافية، ونقطة الجذب الفكري للمثقفين والطلبة من كل أنحاء العالم، وليس من البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية (الفرانكوفونية) فحسب.

    التحق أمين منذ وصوله إلى باريس في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، وبات بذلك طرفاً في صراعات اليسار الفكرية والسياسية التي كانت دائرة بين المجموعات المختلفة، والتي ميزت المشهد الثقافي في الحاضرة الفرنسية لعقود قادمة. ونحن نجد جذور ابتعاد سمير أمين اللاحق عن الأنموذج السوفييتي للماركسية وتطوراته هنا في سنوات شبابه عندما شارك مع طلاب آخرين من العالم الثالث في إصدار مجلة “طلبة ضد الاستعمار” Étudiants Anticolonialistes. فالمجلة لم تحظ دائماً برضا اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي. بعض من رفاق أمين تبوأ لاحقاً مواقع قيادية في إدارات بعض دول العالم الثالث وبخاصة في أفريقيا التي نالت استقلالها في ذلك الوقت.

    في عام 1957 قدم أمين أطروحته، وكان فرانسوا بيرو François Perroux أحد أساتذته المشرفين. أعطى أمين أطروحته العنوان التالي: “جذور التخلف موجودة في التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي” (Aux origines du sous-développement, l’accumulation capitaliste à l‘échelle mondiale). كان هذا العنوان في ذلك الوقت صارخاً حتى في باريس. وجهد أساتذته المشرفون على أطروحته لإقناعه في اختيار عنوان فضفاض هو “الآثار الهيكلية للتكامل الدولي من قبل الاقتصاديات الرأسمالية. دراسة نظرية في الآلية التي أدت إلى الاقتصاديات المسماة متخلفة” (Les effets structurels de l’intégration internationale des économies précapitalistes. Une étude théorique du mécanisme qui a engendré les économies dites sous-développées). لقد انطلق سمير أمين في أطروحته من نظرية تقول إن التخلف ناتج عن الرأسمالية، والتي عرضها بوضوح حاد لم يسبقه فيه أحد من قبل. كانت الفكرة الأساسية فيها أن “الاقتصاد المتخلف” لا يمكن اعتباره حقيقة قائمة بذاتها وإنما جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الرأسمالي العالمي وأن مجتمعات التخوم تخضع باستمرار لتكييف(„adjustment“)  بنياتها لدينامية تقليد مراكز الرأسمالية العالمية أي البلدان الصناعية الرأسمالية المتقدمة، وهذا كان جوهر أطروحة سمير أمين عام 1957.
في هذا السياق يجب العودة بالذاكرة إلى خمسينيات القرن الماضي. فنظرية أمين كانت في واقع الأمر جديدة على جماعات الحوارات النظرية والسياسية في مجال التنمية، والتي كانت حينئذ ما زالت في بدايتها: ففي أمريكا اللاتينية تبلور آنذاك ما سمي بـ “النظرية التنموية” “desarrollismo” (اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي CEPAL من بينهم بريبيش  Prebisch). وقد مرت عليها عقد من الزمن قبل أن جاء الرد على هذه النظرية بنظرية مخالفة وهي نظرية التبعية. كذلك فإن تحليل النظام العالمي على طريقة فالرشتاين Wallerstein ظلت مؤجلة. فقد جاءت في وقت لاحق. حتى أن أصحاب نظريات التنمية التقليدية السائدة في ذلك الوقت وممثليها وليام لويس W. Lewis وهيرشمان Hirschman وميردال Myrdal وروستو Rostow وروزنشتاين-رودان Rosenstein-Rodan وغيرهم ممن قُدّموا كرواد للتنمية في كتاب صدر من البنك الدولي عام 1984 لم يكونوا في ذلك الوقت حقيقة من المشاهير بعد؛ فنظريات التنمية لم تتطور بالفعل إلا في ستينيات القرن الماضي. كما أن نقاشات سياسات التنمية لم تشهد الأفكار الجديدة الهامة من منظمات دولية مثل “مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية” UNCTAD والبنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ILO أخيراً إلا في نهاية الستينيات.
ومما يدعو إلى الدهشة أن سمير أمين في عام 1957 قد سبق بنقده مواقف وتحليلات خصوم لم تبرز بتفاصيلها إلا بعد مضي عشر سنين إلى عشرين سنه على ذلك. وطال نقده كذلك الماركسية السوفييتية وبرنامجها للتنمية “اللحاق والتجاوز”(„rattrapage“). هذه الوقائع والمضامين لم يجر الانتباه إليها لأن أطروحة سمير أمين التي كتبها عام 1957 نشرت في عام 1970 في كتاب موسع بعنوان “التراكم على الصعيد العالمي” L’accumulation à l’échelle mondiale.

    عاد أمين بعد الانتهاء من أطروحته إلى القاهرة، حيث عمل من عام 1957 حتى عام 1960 مديراً لقسم الدراسات التابع لهيئة التنمية الاقتصادية. أي أنه دخل ـ كما يقال ـ إلى عرين الأسد: ففي هذه الإدارة الحكومية كان تخطيط التنمية في مصر يتعارض مع قناعات سمير أمين. وتجنباً للصعوبات والمخاطر الذاتية غادر أمين القاهرة ليعمل مستشاراً في وزارة التخطيط في باماكو (مالي) 1960 إلى 1963. ترافق ذلك مع استقلال كثير من الدول الإفريقية ونمو اتجاهات سياسية متطرفة في القارة (الاشتراكية الإفريقية). في عام 1963 التزم أمين بالعمل المعروض عليه في المعهد الإفريقي للتنمية والتخطيط (IDEP) الذي أقامته الأمم المتحدة في داكار (السنغال) وبقي فيه حتى عام 1970. كما درس في تلك الأثناء كأستاذ محاضر في جامعة بواتييه Poitiers، ولاحقاً في جامعات داكار وباريس (جامعة باريس الثامنة- فينسين). واعتباراً من عام 1970 تسلم أمين رئاسة المعهد الإفريقي للتنمية والتخطيط(IDEP) ، وظل رئيساً له حتى عام 1980. نظمت في هذا الوقت عدة مؤتمرات كبيرة أفسحت المجال لنسج العلاقات بين المفكرين العاملين في قضايا التنمية من العالم الثالث.

    وهكذا عقد في عام 1972 المؤتمر الأول بين منظري “رأسمالية التخوم” (على نهج سمير أمين) وأشهر ممثلي نظرية التبعية في أمريكا اللاتينية (من بينهم كاردوسو Cardoso، وكويانو Quijano). وكنت محظوظاً أن أكون بين المشتركين في هذا المؤتمر، إذ كنت ضمن وفد ضم ثلاثة علماء من البلدان الصناعية الذين سُمح لهم رغم التحفظات بالمشاركة في ذلك المؤتمر. (وكان هذا المؤتمر هو حافزي على إصدار كتابي “رأسمالية التخوم – تحليلات التبعية والتخلف”Peripherer Kapitalismus. Analysen über Abhängigkeit und Unterentwicklung، 1974”). وقد شرح لي سمير أمين بعد ذلك أن غرضه كان أن يؤهل المعهد قرابة ألف شاب من المفكرين الأفارقة لتمكينهم من التعاطي بذهنية نقدية في أحكامهم على برامج وسياسات التنمية.

    أنهى سمير أمين عمله في المعهد الإفريقي للتنمية والتخطيط في عام 1980 وتولى منصب مدير منتدى العالم الثالث Forum du Tiers Monde الذي كان مقره في داكار أيضاً. وهذا المنتدى عبارة عن مؤسسة غير حكومية وظيفتها دعم وتنسيق الحوارات على الصعيد العالمي عبر مشاريع ومؤتمرات ومنتديات مشتركة لتعزيز التواصل ودفع رؤى التنمية من منظور بلدان أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا قدماً.
إضافة إلى ذلك، وفي مواجهة مؤتمر دافوس للاقتصاد العالمي، ترأس أمين عام 1996 المنتدى العالمي للبدائل Forum Mondial des Alternatives، والذي أصدر ميثاقه عام 1997 بعنوان “حان الوقت لتغيير مجرى التاريخ” (Il est temps de renverser le cours de l’histoire).

II

    صدر لسمير أمين نحو من خمسين كتاباً؛ وترجمت معظم كتبه إلى لغات عديدة. لكن باكورة كتبه والتي سبق ذكرها، كتاب “التراكم على الصعيد العالمي” L’accumulation à l’échelle mondiale الصادر عام 1970 بلا أدنى شك من أهم أعماله على الإطلاق. وثمة عملٌ آخر هام له هو كتاب ترجم في حينه إلى الألمانية وصدر عام 1973 تحت عنوان “التنمية اللامتكافئة” Le développement inégal. وفي الفترة الفاصلة بين الكتابين المذكورين أصدر أمين مجموعة من الدراسات التي يحلل فيها على ضوء نظريته الأوضاع الاقتصادية في بلدان مختلفة بخصوصياتها مثل مصر ومالي وغينيا وغانا ودول المغرب وساحل العاج والسنغال ومنطقة إفريقيا الغربية والمحيط العربي.
ونشرت له في عام 1979 دراسة هامة أيضاً بعنوان “الطبقة والأمة في التاريخ، والأزمة المعاصرة”Classe et Nation dans l’histoire et la crise contemporaine، والتي تجاوز فيها الحوار المحصور في نظرية التنمية وفتحه على الرحاب الواسعة لاستشراف المنظور التاريخي للتطور على الصعيد العالمي.
عالج سمير أمين عام 1981 قراءته النقدية للبديل الاشتراكي للتنمية في كتاب “مستقبل الماوية” L’avenir du maoïsme. ويمكن اعتبار كتابه “فك الارتباط” La déconnexion (1985) المحصلة المرحلية لتطور تفكيره حتى ذلك الحين. صدرت لأمين بعد عام 1989 و1990 عدة مؤلفات عالج فيها العولمة وإشكالية الأزمات المرتبطة بها مثل كتاب “إمبراطورية الفوضى” L’Empire du chaos (1991) الذي ترجم إلى الألمانية أيضا. وقد عالج روح العصر ومذهب ما بعد الحداثة، وبخاصة النوع الممارس بتعصب من بعض الجهات في كتابه “نقد روح العصر” Critique de l’air du temps (1997). أما كتاب أمين “هيمنة الولايات المتحدة ومواجهة المشروع الأوروبي لها” L’hégémonisme des États-Unis et l’effacement du projet européen عام 2000 فيعتبر مرافعة حادة تدعو إلى دعم ودفع “المشروع الأوروبي” كعنصر توازن في مواجهة الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية، وعدم مواصلة الانصياع إلى “إملاءات واشنطن” مثلما حدث في حربي الخليج وكوسوفو. عبر أمين في وقت لاحق وبشكل متكرر عن أسفه على أن هذا المشروع الأوروبي المنشود بقي قاصراً إزاء الخضوع لهيمنة واشنطن، ولم يضف أية مؤشرات ذات أهمية عن توجهاته الخاصة في السياسة العالمية. وقد فشل في مقابل الاستكانة للهيمنة الأمريكية- وهو ما شخصه أمين.

    عمّق أمين في مؤلفاته اللاحقة نقده الرأسمالية وهيكلية النظام العالمي (ما بعد الرأسمالية الشائخةAu-delà du capitalisme sénile (2002)؛ كما تدخل في الحوارات بشأن حركات وظواهر ما بعد الحداثة والثقافوية (الحداثة والدين والديمقراطية Modernité, religion et démocratie (2008).
يثبت سمير أمين في كل مؤلفاته نظرته الثاقبة كمحلل، وفي الوقت عينه تبرز جدارته ككاتب سياسي.

III

بماذا أسهم المفكر سمير أمين على صعيد تحليل النظام والتطور العالمي: ما هي بالتحديد مساهمة سمير أمين العالم، مشخّص العصر، الناقد اللاذع الذي يجادل باستمرار بوعي المثقف السياسي؟

    يثبت التاريخ العالمي أن التطور يعني التطور الرأسمالي. وخلافاً لماركس، والاقتصاد البرجوازي بخاصة، فإن أمين ينطلق من مراقبته أن الرأسمالية القائمة لا يمكن تحليلها بشكل كامل إلا بالنظر إلى مظاهرها القابلة للإدراك على الصعيد العالمي. لهذا اختار عنوان كتابه “التراكم على الصعيد العالمي”. لكن سمير أمين لا يدعي أن نهب القارات الجنوبية الذي رافق بداية الاستعمار ومذهب التجاريين (المركنتيلية  mercantilism) كان المصدر المباشر لنجاح المصنّعين الأوائل على صعيد الزراعة والصناعة الرأسمالية. كما أنه لا ينطلق من أن التطور الصناعي فيما يسمى المراكز أو حواضر الرأسمالية الكبرى ما كان له أن يتم بمعزل عن تخوم النظام الرأسمالي العالمي في القارات الجنوبية (المستعمرات والإمبراطوريات غير الرسمية الخ). في الفترة المبكرة للتطور الناجح للزراعة والصناعة والرأسمالية سهل وجود التخوم هذا التطور في أوروبا وليس في غيرها من البلدان، دون أن يكون سبباً مباشراً له. لأن دينامية التطور في المراكز المذكورة إنما نَبَعت من دينامية التراكم الداخلي الذي أفرزته الثورة الزراعية في سياق عملية القضاء على الإقطاع في أوروبا. هذه الثورة أدت في حينها ولاحقاً إلى طفرة تصنيع واسعة ومؤثرة والانتقال إلى إنتاج السلع البسيطة غير المتينة للاستخدام الوجيز لسوقٍ استهلاكية واسعة. ومن خلاله نشأ حينئذ ولاحقاً قطاع إنتاج سلعي رأسمالي كان لمنتوجاته دور في رفع الإنتاجية في القطاعين الزراعي والاستهلاكي، وفي قطاع الرأسمالية الاستثمارية ذاته أخيراً. كان يهم سمير أمين الملاحظة  ـ ضمن رؤية علمانية ـ بأن الأجور الفعلية قد ارتفعت شيئاً فشيئاً في المراكز الأوروبية المتطورة اقتصادياً بعد صراعات سياسية ناجحة عقب ارتفاع الإنتاج العام مما أدى إلى نمو دينامية سوق داخلي وأسهم في رفع مستوى الإنتاجية في كل القطاعات. وتجدر الإشارة إلى أن نقص الأيدي العاملة كان قبل هذا الوقت بكثير سبباً لدينامية مشابهة في الولايات المتحدة الأمريكية والمستعمرات الأوروبية.

    ومثلما لا يمكن تفسير دينامية التراكم في المراكز الرأسمالية الكبرى بشكل اقتصادي بحت، بل في سياق تحليل تطورات البنى الاجتماعية وظروف الأزمات السياسية (من معارك سياسية بآفاق تاريخية مفتوحة) كذلك يجب عدم النظر إلى دينامية التراكم في التخوم من زاوية اقتصادية فحسب. فقد نشأت هذه الدينامية ـ حسب رأي سمير أمين ـ بسبب كون تخوم النظام الرأسمالي العالمي بؤراً خارجية، أي ملحقات للمراكز الرأسمالية مجبرة على الانضواء تحت تقسيم دولي لعمل غير متكافئ، مما أدى إلى نشوء علاقات تبعية هيكلية غير متوازنة. ويؤدي هذا التوزيع في السوق العالمية ـ خلافاً لما تشيعه صيغ التنافس الثنائي عن نظريات التحديث ـ إلى تثبيت ملامح ظاهرة التخوم، لأن الاحتياطي من القوى العاملة الرخيصة لن ينضب، وستبقى تلك القوى رخيصة نتيجة لدينامية التراكم السائدة في التخوم، ولن يغير من هذا شيئاً ما إذا كان هناك في هذه التخوم اقتصاد يقوم على الزراعة أو استغلال المواد الخام، أو كانت هناك خطوات أولى نحو التصنيع (“تصنيع بديل للاستيراد”).

لماذا لا ينضب الاحتياطي من القوى العاملة الرخيصة؟ لماذا لا يوجد هناك تزامن بين تطوير الإنتاج وارتفاع مستوى الأجور في التخوم ؟ لماذا لا يوجد انتشار مؤثر لرأس المال يغطي مساحات واسعة؟
    الجواب في أنموذج دينامية التراكم في التخوم الذي درسه وحلله سمير أمين بالتفصيل والعمق في دراسات إقليمية لبلدان مختلفة. وكما هو الحال في “الاكتشافات” الكبيرة يمكن وصف مضمون الأنموذج بسهولة نسبياً: إن دينامية التراكم للتخوم مشوهة منهجياً. إن دينامية التراكم للتخوم مشوهة منهجياً لعدم حدوث ثورة زراعية ذات تأثير على نطاق واسع. وهي تكتسب ديناميتها من اقتصاد التصدير المهيكل للجيوب التابعة. ويقابلها وجود قطاع الاستيراد “للسلع الاستهلاكية الكمالية”، الذي يُعرّف بأنه طلبٌ يمول من أجزاء الأرباح. أما ما ينقص دينامية التراكم هذه في التخوم فهو إعادة ربط قطاع إنتاج السلع الاستهلاكية الجماهيرية وقطاع الإنتاج الصناعي من أجل ضمان تنمية ذاتية مستقلة (الإنتاج الذاتي للآلات) مع افتراض زيادة حيز الإنتاج الزراعي على نطاق واسع.

    يوضح هذا العرض أن المسألة الزراعية لدى سمير أمين كانت ولا تزال ذات أهمية مركزية في استراتيجية التنمية. من هنا خصص لهذه المشكلة الكثير من بحوثه الميدانية. ولفهم المسألة يجب أن لا تعتبر القضية الزراعية مسألة توزيع أراضي فحسب، بل مسألة كيفية إيجاد الضمانات القانونية في هذا القطاع، واستعداد القطاع الصناعي في هذا المجال وقدرته على توفير المعدات اللازمة. وهو في النهاية وحده ما يسمح بتنشيط دينامية القطاع الزراعي بشكل واسع.

    خرج أمين بناء على تحليله بالتشخيص التالي: لا يزال الانتقال من دينامية التراكم في التخوم إلى التنمية الاقتصادية الشعبية الواسعة من نوع الرأسمالية المركزية غير متوقع، إن لم يكن مستحيلاً بسبب عوائق التنمية („développement bloqué“). لهذا تأتي مناشدته من أجل “فك الارتباط” „déconnexion“/„delinking“. وهو الذي يعّرف بأنه إخضاع („soumission“) علاقات البلد الخارجية لمنطق التنمية الداخلية المتشعبة – هذا هو النقيض المطلق للتوجه المعتاد من بلدان التخوم بتلبيتها احتياجات الرأسمالية المركزية مع ما يترتب على ذلك من حتمية استقطاب الرأسمالية كما نجدها اليوم على صعيد العالم: قطب من طابع رأسمالي مركزي وقطب رأسمالي تخومي تابع. لا يمكن تصور نجاح استراتيجية “تنمية ذاتية مستقلة” قائمة على فك الارتباط دون تدخل الدولة. وتتمثل مهمة الدولة في إيجاد تلك الاستراتيجية المتنوعة التي تهدف إلى استغلال الفرص في السوق العالمية بشكل انتقائي (خاصة المتوافقة مع مشروعها الخاص) في استثمارها تنشيط التنمية الداخلية على أوسع نطاق، وذلك جنباً إلى جنب مع القوى الاجتماعية المهتمة. وقد ناقش سمير أمين في عام 1982 كتابي “التعلم من أوروبا” Von Europa lernen، حيث أورد تعليقاً منه على نظرية مماثلة.

    كان واضحاً لسمير أمين أن مثل هذا الخيار للتنمية (فك الارتباط، وليس الاكتفاء الذاتي!) يتطلب شروطاً سياسية مناسبة. وأدرك من دراساته الإقليمية للبلدان، وكانت قد اقتصرت في البداية على شمال إفريقيا وإفريقيا السوداء، أن النخبة، وبالأخص البرجوازية الوطنية التي تركز قبل كل شيء على مشروع وطني، لم تكن موجودة حتى ولا هي في بداية التكوين. بدلاً من ذلك راقب ظهور البرجوازية الفاسدة (الكومبرادورية) في كل مكان (هو يعني بأقل أو أكثر ما وصفه أندريه غوندر فرانك André Gunder Frank لاحقاً بـ “البرجوازية الرثة” „Lumpenbourgeoisie“  ). هذه البرجوازية الفاسدة (الكومبرادورية)، وهو ما استنتجته البحوث الميدانية، لا يمكنها تصور مستقبلها إلا من خلال تكامل بلدانها في سوق رأسمالية عالمية غير متكافئة الأجزاء، لأنها هي نفسها المستفيدة الفعلية من هذا التكامل. فك الارتباط لا يمكن أن يكون بالتالي إلا أداة موجهة لتحقيق تنمية أخرى خارج نطاق الرأسمالية (بما في ذلك أنموذج الدولة الاشتراكية). هذا المنطق جعل سمير أمين يتعامل أيضًا بعمق مع مسار التنمية الصينية.

IV

    أنموذج التنمية هذا الذي طوره سمير أمين باستمرار بدقة، وواظب على تصحيح تفاصيله يتناقض منذ البداية مع أي أنموذج للتطور التنموي المستقيم. فقد تركزت تصوراته بالتالي ضد الأشكال البرجوازية أو الكلاسيكية الجديدة “التنموية”developmentalism  لنظرية التطور. وعلى نحو خاص ناقض سمير أمين صراحةً مفهوم التنموية desarrollismo أيضا، المنبثق عن مدرسة CEPAL (اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي). ورغم أن سمير أمين اعتبر هذا المفهوم نظرياً معقولاً نسبياً (إن لم يكن مقنعاً تماماً)، إلا أنه كان في نظره وهماً سياسياًً. واعترض في أنموذجه على إيديولوجية التنمية الماركسية السوفييتية أيضاً التي كانت في مرحلة النضال التحرري من الاستعمار، وكذلك في مرحلة إعادة البناء ما بعد الاستعمار، قد حظيت على تعاطف كبير مضاعف من نخب العالم الثالث الجديدة. وكان من المنطقي أن نجد سمير أمين لاحقاً في السبعينيات والثمانينيات قد واجه كثيراً من سياسات التنمية والتخطيط التنموي بالشك والنقد الجذري، مثل خطط تكوين نظام عالمي اقتصادي جديد (ومفاهيمه التشغيلية)، واستراتيجية الاحتياجات الأساسية، وبرامج منظمة العمل العالمية ILO المتعلقة بالقطاع غير الرسمي وما إلى ذلك من مشاريع.

    وحسب قناعاته فإن الهدف ليس هو “اللحاق والتجاوز” بالعالم الأول بل تنمية أخرى (أخذ خيارات أخرى) „faire autre chose“!. ولكن استراتيجية تنمية من نوع آخر في دينامية التراكم لدى التخوم المحرومة أو لمجموعة مهمشة من السكان تفترض مقدماً تسييسها وتطوير عملية الديمقراطية فيها. بعد مرحلة تحرير الشعوب libération des peuples في أعقاب نجاح النضال التحرري من الاستعمار يعود الأمر الآن إلى التحركات الثورية الاجتماعية، وثورة الجماهير révolution des masses: لأن التنمية الاقتصادية كانت لدى أمين دائماً اقتصاداً سياسياً وعملية ثقافية ثورية. حيث أن أخذ الخيارات الأخرى faire autre chose غير ممكن دون الوعي اللازم.

V


    اعتماداً على الفترة الزمنية التي عالجها سمير أمين في أطروحته لاحظ وجود ثلاثة مشاريع اجتماعية: الفورديةFordism  [مصطلح من غرامشي، نسبة إلى هنري فورد ومبدأ العمل ورأس المال، يرمز لشكل من الإنتاج السلعي في مرحلة اقتصادية ميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى – المترجم] ونتائجها (على الأقل في أوروبا) بظهور دولة الرفاهية الاجتماعية الديمقراطية، ثم “السوفييتية” كمشروع نقيض للتطور الرأسمالي، والنظرية التنموية desarrollismo في أميركا اللاتينية أو developmentalism كمشروع للحاق بركب التنمية. كان أمين قد شَخَصَ قبل عام 1989/1990، وبشكل خاص في تسعينيات القرن الماضي في كتابات مختلفة فشل هذه المشاريع الثلاث. فدولة الرفاهية الاجتماعية الديمقراطية وآلياتها التنظيمية تتآكل ـ حسب رأيه ـ لأن عولمة رأس المال ستقوض خيارات السيطرة السياسية على الصعيد الوطني وستقضي على إمكانات توجيه الإدارة السياسية لبعض نواحي الدولة. أما آليات رقابة مناسبة على الصعيد الإقليمي أو حتى العالمي التي يُفترض أن تتشكل، كما هو الأمر في المؤسسات الدولية، فهي ليست موجودة أو لم توجد بعد. والأنموذج السوفييتي فشل حسب رأيه بتناقضاته الداخلية، وبخاصة لأنه أخفق في الانتقال من الاقتصاد الواسع إلى الاقتصاد المكثف نتيجة لعدم جرأته أو منعه إجراء إصلاحات سياسية إلى جانب عوامل أخرى. وبالتالي لم يشارك أمين بتلك الآمال على هذا الأنموذج البديل، التي كانت قد انتشرت على نطاق واسع في العالم الثالث لعقود من الزمن، ثم دفنت في نهاية المطاف. وأخيراً فشلت مفاهيم باندونغ Bandung كعنوان للحاق بركب التنمية. والنتيجة هي تمايز داخل دول العالم الثالث بين مراكز قليلة يعتبرها سمير أمين بؤراً خارجية جديدة شبه صناعية للبلدان الصناعية الفعلية ومناطق مهمشة مما يسمى العالم الرابع” quart mondialisation، أي “إضافة عالم رابع” Verviertweltlichung   لا يشتمل على أجزاء واسعة من القارات الجنوبية فحسب بل ويضم كذلك أجزاء من البلدان الاشتراكية سابقاً.

    وبناءً على هذه المراقبات فإنه ليس بالغريب أن يستنتج سمير أمين ما تشير إليه بشكل مركز بعض عناوين كتبه في التسعينيات: الاضطراب الكبير Le grand tumulte (1991)؛ إمبراطورية الفوضى L’Empire du chaos (1991). إن عالماً محتملا خالياً من آليات تنظيمية سليمة على المستوى الوطني والدولي، خالياً من أنموذج بديل ملهم ودون رؤى واضحة لنجاح التنمية؛ عالماً فيه مع ذلك تزايد في الاستقطاب على الصعيد العالمي وفي بعض المجتمعات، لم يعد من السهل أبدا مواصلة تحمله ويصبح مسيّساً أكثر وأكثر. إن عالماً على هذه الشاكلة يجعلنا نخشى وقوع الأسوأ، ناهيك عن مشاكل العالم غير المذكورة (مشاكل البيئة وما إلى ذلك).

    يرى سمير أمين أن الأزمة العالمية للرأسمالية والتناقضات الأساسية للنظام أصبحت أكثر حدة في الخمس وعشرين سنه الماضية- هذا على الرغم من الزيادة الدورية في معدلات النمو المؤقتة التي تجعل التناقضات الأساسية للنظام مثل الاتجاه نحو الاستقطاب، نحو عدم المساواة ونحو الإقصاء تزداد وضوحاً. في هذا الوقت ينتشر فيروس ليبراليliberale Virus  أي، هوس تحرير القواعد من كل شيء. “الفيروس الليبرالي. والحرب الدائمة لأمركة العالم” Le virus libéral. La guerre permanente et l’américanisation du monde  (2003). فأزمة الأسواق المالية العالمية التي تمثل مزيجاً من تزايد مستمر في تفاوت الدخل وتحرير الأسواق المالية وتصرفات تجارية غير رزينة، إضافة إلى عوامل أخرى تنبأ سمير أمين بها في وقت مبكر جداً: مثلاً في 2001: “لكن “الفقاعة المالية” لا يمكن أن ترتفع إلى أجل غير مسمى؛ سوف تنفجر في يوم ما، وهي بالفعل مدعاة للقلق. لهذا يقترح بعض المصلحين إزالة حوافز المضاربة قصيرة الأجل للحد من المخاطر، عبر ضريبة توبين الشهيرة على سبيل المثال “. وفي تطور الأسواق المالية برفع حدودها وانتفاخها، وبديناميتها الخاصة (مرجعية ذاتية) دون تصحيح ذاتي إنما هي مثال نمطي لما وصفه أمين بـ”صنمية السوق” Fetischisierung des Marktes.

    وما هذه وغيرها من التطورات الحاضنة للكوارث، وفي العقدين الماضيين بخاصة، إلا نتيجة لسلوك مبني على غريزة القطيع السياسي ولا سيّما في المجتمعات الرأسمالية الصناعية الرائدة: كلهم تبعوا الأرثوذكسية المزدهرة في العالم الانجلوساكسوني: TINA (ليست هناك بدائل، There is no alternative.“) الذي جعل سمير أمين يواصل تشخيص هيمنة الولايات المتحدة التي تشمل الآن أيضاً تطور “إمبريالية جماعية” خاصة بين المجتمعات التي تسمى بالثالوث (الولايات المتحدة أو أمريكا الشمالية، الاتحاد الأوروبي – أوروبا، اليابان). هذا النادي يحاول احتكار مزيد من الحقول الهامة لتنمية العالم: التكنولوجيا، المنابع المالية، الحصول على موارد الثروات الطبيعية في الكرة الأرضية، وسائط الاتصالات والإعلام وكذلك أسلحة الدمار الشامل. ثم إن ما يطلق عليه شبه التخوم سوف يبقى تابعاً مرفقاً بهذا النادي للإمبريالية الجماعية. إن الانتقال من مجموعة الدول الصناعية الثمانية إلى مجموعة العشرين الذي أعلن عنه على المستوى السياسي العالمي مؤخراً قد يكون خطوة باتجاه اختيار عضو جديد تابع. أما بقية العالم فسيبقى مجرد “البقية “. ففيه ستتواصل التدخلات العسكرية، أي في المناطق التي تكون فيها مصالح. ونظراً لحالة الفوضى في كثير من بلدان العالم فإن الاحتمال محدود بحدوث تدخل ناجح وفعال من حيث التكلفة.

هل هناك طريقة للخروج من الوضع المشبع بالكوارث؟ سمير أمين لم يكن خبيراً ثاقب البصيرة بتشخيص أمراض العصر فحسب بل وناشطاً سياسياً بأفكار برنامجية واضحة أيضاً. وسأورد هنا بإيجاز بعض تلك الأفكار:

1- هناك حاجة لـ “بداية جديدة للتنمية” أي خطة نقدية بديلة للتنمية، لا “للحاق بركب التنمية”، بل على نحو آخر، تنمية ذات توجه غير رأسمالي. أي حسب رؤية سمير أمين “تنمية اشتراكية”، إنما ليس من نوع بعض مشاريع التنمية الاشتراكية الماركسية السوفييتية. فعلى البداية الجديدة أن تنبثق من حركات اجتماعية، وهو ما كان حافز سمير أمين في نشاطاته وجهوده على الصعيد العالمي في إطار عمله في مختلف المنظمات غير الحكومية. لأن بداية جديدة لا يمكن توقعها عادة في صفوف النخبة.

2- علاوة على ذلك يقدم سمير أمين فرضية منطقية ومتسقة: دون فك الارتباط (إنني أكرر هنا أن هذا لا يتطابق مع تحقيق الاكتفاء الذاتي) لن تحصل بداية جديدة للتنمية. ففك الارتباط يعني “خضوع العلاقات الخارجية لمتطلبات البناء الداخلي، وليس العكس (أي التكيف المتحيز مع الاتجاهات ذات التأثير على الصعيد العالمي)”.

3- ينادي سمير أمين بقوة بأقلمة العالم (من أجل عالم متعدد الأقطاب Pour un monde multipolaire (2005). ويتعلق الأمر هنا بنداء من أجل إقليمية مقيدة “الاعتماد الجماعي على الذات” كأساس لإعادة هيكلة العلاقات العالمية والاتفاق على متطلبات الرقابة على المستوى العالمي.

    ويُطرح السؤال الآن: ألا تعتبر النقاط التي قدمت هنا بإيجاز في مجموعها طوباوية (يوتوبيا) خالصة؟ إجابة سمير أمين على هذا السؤال هي: أجل، لهذه المقترحات البرنامجية منطق “طوباوي خلاق”، فالتاريخ ليس محكوماً بـ “قوانين اقتصادية بحته” متداولة وكأنها معصومة من الخطأ بل ينتج عن التفاعلات الاجتماعية للاتجاهات التي تتجلى في هذه القوانين وتحدد بدورها العلاقات الاجتماعية التي تعمل في إطارها هذه القوانين. إن القوى “المناهضة للأنظمة” تؤثر في تشكيل الواقع التاريخي مثلما يؤثر المنطق “البحت” في نظرية “لتراكم الرأسمالي”.

تحرك سمير أمين طيلة حياته في حقل من الأفكار يسوده التجاذب بين أشكال المنطق المتناقضة.

أ.د. ديتر زينغهاس سيرة حياته والتعريف بإعماله

أ.د. ديتر زينغهاس

ولد الأستاذ د. ديتر زينغهاس سنة 1940 في بلدة جايزلِنجن/ شتايجه. درس علم السياسية والاجتماع، التاريخ والفلسفة في جامعات توبنجن، أمهرست (ماساشوستس)، فرانكفورت وآن آربور (ميشيجان). رسالة الدكتوراه عام 1967 بعنوان “في نقد الردع، مساهمة في نظرية في السياسة الدولية”. بعد عودته من عمله كباحث من عام 1968 ولمدة سنتين في مركز الشؤون الدولية في جامعة هارفرد شغل من 1970-1978 منصب المنسق للطاقم البحثي في جمعية الأبحاث لشؤون السلام والصراع في ولاية هيسين ألمانيا (Hessischen Stiftung Friedens- und Konfliktforschung – HSFK). من 1972-1978 بروفيسور في مجال العلاقات الدولية في جامعة فرانكفورت. من 1978-2005 بروفيسور للسياسات والمجتمعات الدولية وخصوصا في أبحاث السلام والصراع والتطوير في معهد دراسات الثقافات المتداخلة والدراسات الدولية (InIIS) في جامعة بريمن ليغدو من عام 2005 حتى اليوم عضوا معتمدا فيها.

عمل زينغهاس من 1986-1987 ومن 1992-1994 أستاذاً باحثا في مؤسسة العلم والسياسة Stiftung Wissenschaft und Politik في إبنهاوزن قضاء ميونخ.

نشط بأبحاثه بمواضيع السلام من خلال عدة مناصب. منها أنه كان من 1979-1985 عضوا في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية للعلوم السياسية (International Political Science Association – IPSA)؛ من 1985-1990 عضوا في “Issue Group on Peace” في مجلس العلوم الاجتماعية الدولي في باريس (International Social Science Council – ISSC). من 1990-1996 عضوا في اللجنة العليا للأبحاث في السلام والصراع في اتحاد الأبحاث الألماني (Deutschen Forschungsgemeinschaft – DFG)؛ 1991 عضوا في مجموعة دراسة الأمن العالمي التابعة للجمعية اﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ في بون (Deutsche Gesellschaft für Auswärtige Politik)؛ من 1990-1995 عضوا في لجنة حقوق الإنسان للشعوب في منظمة الصليب الأحمر الألماني في بون؛ من 1995-2000 عضوا في اللجنة الاستشارية في الأكاديمية الاتحادية للسياسات الأمنية في بون (Bundesakademie für Sicherheitspolitik). كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية واللجان الأكاديمية. منذ 1973 عضوا في تحرير مجلة Leviathan للعلوم الاجتماعية.

حصل عام 1987 على جائزة International Peace Research Award وعام 1999 على Göttinger Friedenspreis من مؤسسة Dr. Roland Röhl.

مراكز ثقل أبحاثه: أبحاث في السلام؛ الاستراتيجية العسكرية؛ ديناميكية التسليح؛ رقابة التسليح؛ تفكيك التسليح؛ العالم الثالث؛ مشاكل العنف؛ تحليل تركيبات الصراعات العالمية؛ نظرية السلام ومشكلات المشاريع الحضرية؛ مشاريع التطوير الأوروبية والدولية ما بعد حقبة الحرب الباردة؛ أبحاث سياسات التنمية؛ مشكلات السلام في الموسيقى الكلاسيكية.

من أعماله (في الأقواس المربعة مكان نشر الترجمات):

  • Abschreckung und Frieden (Frankfurt/Main 1969);
  • Aggressivität und kollektive Gewalt (Stuttgart 1971);
  • Rüstung und Militarismus (Frankfurt/Main 1972) [Mexiko-Stadt 1974];
  • Aufrüstung durch Rüstungskontrolle (Stuttgart 1972);
  • Gewalt – Konflikt – Frieden (Hamburg 1974);
  • Weltwirtschaftsordnung und Entwicklungspolitik (Frankfurt/Main 1977) [Jakarta 1988];
  • Von Europa lernen (Frankfurt/Main 1982) [Leamington Spa/Dover 1985; Barcelona/Caracas 1985; Seoul 1990; Damaskus 1996];
  • Die Zukunft Europas (Frankfurt/Main 1986);
  • Europas Entwicklung und die Dritte Welt (Frankfurt/Main 1986);
  • Konfliktformationen im internationalen System (Frankfurt/Main 1988); Europa 2000.
  • Ein Friedensplan (Frankfurt/Main 1990) [Tokyo 1992];
  • Friedensprojekt Europa (Frankfurt/Main 1992) [Venedig 1999];
  • Wohin driftet die Welt? Über die Zukunft friedlicher Koexistenz (Frankfurt/Main 1994);
  • Zivilisierung wider Willen. Der Konflikt der Kulturen mit sich selbst (Frankfurt/Main 1998) [London/New York 2001; Peking 2004; Tokyo 2006; Seoul 2007; Teheran 2009];
  • Klänge des Friedens. Ein Hörbericht (Frankfurt/Main 2001); Zum irdischen Frieden. Erkenntnisse und Vermutungen (Frankfurt/Main 2004) [Oxford/New York 2007].

ما نشر كمحرر

  • Den Frieden denken (Frankfurt/Main 1995);
  • Frieden machen (Frankfurt/Main 1997);
  • Konstruktiver Pazifismus im 21. Jahrhundert (Münster 2006);

ما نشر كمحرر مع آخرين

  • Vom hörbaren Frieden (Frankfurt/Main 2005);
  • Global Governance für Entwicklung und Frieden (Bonn 2006);
  • Sektorale Weltordnungspolitik (Baden-Baden 2009);
  • Den Frieden komponieren? (2009 i.V.).

أنصت للسلام! سي دي روم بموسيقى كلاسيكية وتعليقات

“Frieden hören!” – Listening Peace – Approaching peace via classical music, CD-ROM with musical examples, commentaries and back ground information (Tübingen 2003:www.friedenspaedagogik.de

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial