كلمة فاطمة أحمد إبراهيم
بمناسبة فوزها بجائزة إبن رشد لفكر الحر
برلين 8/12/2006
السادة قيادة وأعضاء مؤسسة ابن رشد للفكر الحر
السيدات والسادة، الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقاً أن لساني لعاجز عن شكري وتقديري لكم، ولمؤسستكم العظيمة، لتكريمكم لي بأكثر مما أستحق. إن قيمة هذا التكريم الحقيقية، تكمن وتتجسد في أمرين هامين:
الأول:
اهتمامكم بالمرأة وأدائها.
والثاني:
تشجيعكم ودفعكم للمنظمات النسائية في العالم العربي لتطوير أدائها. وتشجيع القيادات النسائية لبذل المزيد من الاهتمام والجهد، لتطوير جماهير النساء، وبخاصة الأجيال الناشئة. الأمر الذي سيؤدي إلى تطوير المجتمعات.
هذا والمعروف إن اليد الواحدة لا تصفق، وأن القيادات هي تجسيد نشاط وإنجازات منظماتها، وعليه فإنني أعتبر تكريمكم العظيم المقدر لي، هو تكريم موجه للاتحاد النسائي السوداني قيادة وقاعدة– أتمني لكم المسير قدماً في هذا الطريق.
السيدات والسادة، الحضور الكريم
أرجو أن تسمحوا لي أن أقدم لكم نبذة عن تاريخ ونشاط الاتحاد النسائي السوداني، الذي أتشرف برئاسته – وتجربة نساء رائدات وضعن أساساً متيناً لنضال المرأة ومهدن طريقاً وعراً لكل الأجيال.
لقد تكون الاتحاد النسائي في 31 يناير 1952. وهو أول تنظيم نسائي بعد رابطة المرأة المثقفة التي تكونت في عام 1947، توقف نشاطها تماماً بعد عامين فقط. وفي ذلك الحين، كانت بلدنا لا تزال ترزح تحت حكم الاستعمار البريطاني. وكانت جماهير النساء أكثر أمية و اضطهاداً. وكان اضطهادهن مجسماً حتى في تصميم المنزل، حيث يخصص القسم الأكبر والأجمل للرجال. وبالرغم من أن المرأة هي التي تقوم مثلاً بإعداد الطعام، إلا أن المطايب تقدم للرجال أولاً، ثم تأكل النساء ما تبقى.
وهذا لا يزال جزء من التقاليد في بعض أنحاء بلادنا. وما زلنا نواجه بعادة الخفاض الفرعوني (ختان الإناث) الضارة التي تجري للبنت وهي في سن الطفولة، بغرض حماية بكارتها. وكذلك تجرى عملية الشلوخ – رسم بآلة حادة على جلد الوجه – عند معظم القبائل كجزء من التجميل للبنات، وكتمييز للقبيلة، و التي تتم في سن مبكرة، وهي لا تقل بشاعة وألماً عن الخفاض الفرعوني. هذا والفتاة في كثير من الحالات لا تستشار عند زواجها، وعند كثير من القبائل تحجز لابن عمها منذ ولادتها.
وباختصار فإن حقوق الأسرة تصب في مصلحة الرجل، وتمنحه سلطة مطلقة على المرأة، ومن حق الرجل أن يتزوج أربع نساء، ومن حقه أن يطلق حسب مزاجه، وفي حالة الطلاق، فقد منح قانون الطاعة الزوج حق إرجاع زوجته إذا غيّر رأيه، بواسطة الشرطي، بدون وضع اعتبار لرغبتها، ومدى تضررها. إضافة إلي ذلك فان قانون الأسرة قد منح الأم حق حضانة الابنة حتى التاسعة، والابن حتى السابعة، ثم ينتزعهما الأب. ولم يكن يوجد قانون يلزم الأب بالإنفاق على أطفاله في حالة الطلاق.
والغريب في الأمر، إنه حتى في جنوب السودان، حيث تدين الأغلبية من السكان بالدين المسيحي، نجد أيضاً تعدد الزوجات، بالرغم من أن الدين المسيحي لا يسمح به. والسبب في ذلك أن المرأة هناك تشكل أيضاً قوة اقتصاديةً هامة في الإنتاج الزراعي، وإنتاج مواد الطعام. وعليه كلما زاد عدد الزوجات، كلما زاد دخل الزوج، وكلما زاد عدد أبنائه، الأمر الذي يكسبه ثروة ومكانة اجتماعية. وهذا مثال واقعي يثبت أن تأثير التقاليد والمكاسب الاقتصادية أقوى من تأثير الأديان، هذا وفي كثير من الحالات، وبخاصة بالنسبة للإسلام، يتم خلط متعمد بين العادات والإسلام، لضمان تمسك الشعوب بالعادات حتى لو كانت مضرة.
هذا وعلى نطاق المجتمع، تتعرض المرأة السودانية أيضاً للاضطهاد وعدم المساواة بالرجل، مثلاً نسبة الأمية بين النساء أعلى بكثير من نسبتها بين الرجال، بالرغم من أن الأم هي التي تُنتج المجتمع كله، رجالاً ونساءً، وتنشئ الأطفال. وكذلك فإن عدد مدارس البنات أقل بكثير من عدد مدارس البنين. والأغلبية العظمى من النساء لا تخرج للعمل. ولوقت غير قصير كان عمل النساء محصوراً في التعليم والتمريض فقط. كما كانت تتقاضى المرأة أربعة أخماس (80%) أجر زميلها في العمل، بالرغم من أنها تحمل نفس المؤهلات وتؤدي نفس نوع وكمية العمل ولا تتساوى المرأة بالرجل في فرص العمل، ولا في التأهيل والتدريب والترقي والمعاش، ولا تُمنح عطلة ولادة مدفوعة الأجر. وقانون المشاهرة يجبر المرأة العاملة على الاستقالة بعد الزواج، لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت، شهراً بشهر، مما يعرضها للفصل من العمل في أي وقت، ويحرمها من فوائد ما بعد الخدمة. أما في مناطق الزراعة، فإن عمل المرأة يعتبر جزءاً من عمل الرجل، ولا تتقاضى أجراً عليه. وفي بعض المناطق مجرد ذكر اسم امرأة أمام الغرباء يعتبر عيباً وإساءة للأسرة.
خطتنا لتحقيق المساواة والديمقراطية والسلام
منذ البداية كان واضحاً أمامنا، أننا لن نستطيع تحويل الاتحاد إلى تنظيم جماهيري واسع القاعدة، حتى يصل النساء في بيوتهن وقراهن، وفي مدارسهن وأماكن عملهن، إذا لم نحافظ على استقلاله من أي نفوذ حزبي أو سلطوي، وبالفعل حققنا ذلك ثم قمنا بتكوين فروع له في كل أنحاء السودان، وبما فيها الجنوب. وفي كثير من المدن، كونا فروعاً في الأحياء السكنية.هذا سهل مهمة الوصول للنساء في بيوتهن. ووفر فرص تدريب كوادر قيادية شابة في نفس المدن والقرى والأحياء. وبالطبع لأنهن أدرى من القيادات المركزية بأحوال ومطالب النساء العاجلة في تلك الأماكن، وأكثر تأثيراً في مناطقهن. ثم كون الاتحاد النسائي لجاناً قيادية من الطالبات داخل المدارس الثانوية. وكذلك كون روابط للطالبات في الجامعات. إضافة إلي ذلك فقد حرص الاتحاد النسائي على تخصيص مقعد في اللجنة التنفيذية لمندوبة من نساء الجنوب، حتى يربط فروع الجنوب باللجنة التنفيذية مباشرةً وكذلك خصص مقعداً للنساء العاملات النقابيات. وهدفه أن يشجع النساء العاملات على الاشتراك في النقابات، وفي نفس الوقت يضمن تعاون النقابات مع الاتحاد النسائي، للعمل سوياُ من أجل مساواة المرأة العاملة بزميلها في العمل.
أما تجربة الاتحاد النسائي في بناء فروع له في القرى، فقد كانت فريدة. كان أهل الريف وبالأخص قرى ريف الخرطوم منفتحين من البداية يرحبون عملنا ويشجعوننا كل التشجيع.
كون الاتحاد النسائي لجاناً مختصة بكل قضية من قضايا المرأة، من الأعضاء في القاعدة، تقودها إحدى العضوات من اللجنة التنفيذية. ونتيجة لذلك تمكنا من تنظيم جمعيات ربات البيوت التعاونية بالأحياء، والفكرة كان الهدف منها أن تكتشف ربة البيت، الارتباط الوثيق المباشر بين حياتها الخاصة ومعيشتها وبين سياسة الدولة الاقتصادية وقوانينها، ومدى تأثيرها على لقمة عيشها، وتعليم أبنائها، وإلى جانب ذلك، كنا نعقد اجتماعات أسبوعية لممثلات من فروع الأحياء بالعاصمة، لتدريبهن فيها على إدارة الاجتماعات وابتكار الأنشطة وإدارتها.
تبلور الوعي وتغير تكتيكاتنا الإستراتيجية
في بداية تكوين الإتحاد، بدأنا بالنشاط الإصلاحي والخيري، إذ قمنا بتكوين مدارس لمحو الأمية بين النساء، وتقديم دروس عن الاسعافات الأولية، وأنشأنا مدرستين متوسطتين للبنات وكذلك كنا نقوم ببعض الأعمال الخيرية بجمع النقود والمواد الغذائية وتوزيعها على الفقراء.
ولكن سرعان ما أدركنا أن النشاط الإصلاحي والخيري لن يحل مشاكل المحتاجين، وإن إمكانياتنا المحدودة لن تحل مشاكل التعليم، ولن تمحو أمية النساء. وأن توزيع الطعام والنقود والملابس، لن يحل مشكلة الفقر والاحتياج. والاتحاد النسائي بالطبع يعلم أن حل مشاكل الجماهير يقع على عاتق الحكومة. وعليه قرر القيام بحملة مطلبيه سلمية لدفع الحكومة للعمل على حل تلك المشاكل على مستوى القطر.
مع الاستمرار في العمل الإصلاحي والخيري، وفي نفس الوقت أدرك أن مساواة المرأة بالرجل، والقضاء على اضطهادها، لن يتم إلا بمطالبة الحكومة بتغيير سياستها وتشريعاتها، التي أدت إلى عدم مساواة المرأة بالرجل في الحقوق.
وبالتأكيد لن تستجيب السلطة الحاكمة لمطلبنا، إذا لم نحول المرأة إلى قوة سياسية تتبارى الأحزاب للحصول على صوتها في الانتخابات، لتصل إلى كراسي الحكم. ولنحقق ذلك، أدركنا ضرورة وجود منبر صحفي نسائي، ليرفع مستوى وعي النساء، ويوحد جهودهن. ولهذا قدمت اقتراحا للجنة الاتحاد النسائي التنفيذية بإصدار مجلة نسائية، ولكن رفض اقتراحي بأغلبية ساحقة، بحجة أن المجتمع يرفض اشتغال المرأة في الصحافة، بل وحتى مجرد نشر أسمها في الصحف.
فقررنا إصدارها باسمي بالتعاون مع الزميلات، اللائى أيدن الاقتراح، فقدمنا طلبنا للجهات المسئولة لإصدارها. فرفضته السلطات المختصة، فذهبت للسيد إسماعيل الأزهري، رئيس الوزراء آنذاك، فوافق على أن يتدخل، ولكن بشرط أن لا نتدخل في السياسة، فلم نلتزم بذلك أمامه. وبالفعل صدرت صوت المرأة في يوليو 1955. وقد سبقتها في الساحة مجلة بنت الوادي التي أسستها تاكوي سركسيان، ولكنها توقفت سريعاً. هذا وقد لعبت مجلة صوت المرأة دوراً كبيراً في توعية النساء، وفي الدفاع عن حقوقهن، وفي نقل تجارب النساء في جهات العالم الأخرى.
مع كل ما تقدم يتضح أن الأنظمة السياسية الحاكمة هي المسئولة عن انتهاك حقوق الإنسان، وعن الاستغلال الطبقي، وعن الاضطهاد العنصري.، وقوانينها هي التي تكيف المجتمع، وبالتالي تكيف حياة الجماهير. والملاحظ أن العالم كله يحكمه الرجال، مع حفنة بسيطة من النساء، اللائى ينتمين إلى الأحزاب الحاكمة، ويلتزمن بسياستها، حتى لو كانت ضد بنات جنسهن، وضد حقوق الأطفال. وعليه فإن انتشار الحروب والعنف وكل أنواع الاستغلال والاضطهاد هي نتائج سياستهم وتشريعاتهم. والنساء والأطفال هم أول الضحايا.
وعليه فإن النساء لن يستطعن إيقاف الحروب وتحقيق العدالة الاجتماعية، ما لم يصبحن جزءً من صانعي القرار. ولتحقيق ذلك، يجب أن يوحدن جهودهن، ويتعاون مع الرجال الذين يؤيدون مساواة المرأة، إذ ليس كل الرجال ضد مساواة المرأة، وليست كل النساء مع مساواة المرأة.
والآن تواجهنا مشاكل إزالة أثار الحرب المدمرة التي استمرت في جنوب السودان لعدة عقود وتلك التي ما زالت نارها تشتعل في غرب السودان وشرقه، و التي يعاني منها علي وجه الخصوص النساء والأطفال علي مختلف وجوهها الاجتماعية والنفسية والمادية.
هذا وبعد كل ما تقدم فقد طالب الاتحاد النسائي بحقوق المرأة السياسية، حق التصويت وحق الترشيح في عام 1953، فشنت الجبهة الإسلامية، وأئمة المساجد حملة شعواء ضد الاتحاد، بحجة أن الإسلام ضد حقوق المرأة السياسية وضد مساواتها بالرجل. واستقالت على أثر ذلك امرأتان من عضوية الاتحاد باللجنة التنفيذية، وعندها أدركنا مدى خطورة تلك الهجمة على الاتحاد النسائي، باسم الإسلام، في قطر تدين غالبية سكانه بالإسلام. ومعظمهم أميين، لم يقرءوا أحكام الإسلام من مصدره الأساسي، القرآن الكريم، بل تلقوها من شيوخ اعتمدوا على من سبقوهم في تفسيرهم. وتم خلط بين أحكام الإسلام والعادات، ولهذا أدركنا أن الوسيلة الوحيدة لصد تلك الهجمة الظالمة هي استعمال سلاح الدين نفسه.
وبدراسة القرآن الكريم، وبمساعدة بعض رجال الدين، أصبح في إمكاننا، تقديم أدلة قاطعة، بأن الإسلام لم يفضل الرجل على المرأة، ولم يحرمها من المساواة. ولم يبح تعدد الزوجات بصورة مطلقة. ولم يحرم اشتراك المرأة في السياسة.
هذا وفي عام 1964 نالت المرأة السودانية الحقوق السياسية، حق التصويت وحق الترشيح. فإذا بالجبهة الإسلامية، بدون حياء ترشح ثريا امبابي لدخول البرلمان. فنظمنا حملة كشفنا فيها تلاعبهم بالإسلام. قبل عشرة سنوات نكروا أن مجرد المطالبة بالحقوق السياسية ضد الإسلام. وبعد نيل الحقوق أقبلوا على ممارستها للاستفادة منها. فهل تغيرت أحكام الإسلام خلال تلك المدة؟. هذا وفي الجانب الأخر تم ترشيحي، ففزت وأصبحت أول عضو في برلمان منتخب في نظام تعدد حزبي ديمقراطي، في السودان.
والسبب الأساسي في حصول الاتحاد النسائي على الحقوق السياسية، وفوز مرشحته في الانتخابات، هو نجاح الاتحاد النسائي في إشراك جماهير النساء، وبما فيهن ربات البيوت في مقاومة حكم إبراهيم عبود العسكري.
وفي داخل البرلمان قدمت لجنة الدفاع عن مساواة المرأة العاملة، ومثلت فيها النقابات واتحادات الشباب والطلاب وبعض الشخصيات الرجالية والحزبية مشاريع القرارات التي أعدها الاتحاد النسائي. ونظمت تلك حملات واسعة لإقناع قيادات الأحزاب والنواب، لإجازة مشاريع قوانين حقوق المرأة. وبالفعل أجاز البرلمان الحقوق التالية في عام 1968:
· حق الاشتراك في كل مجالات العمل، وبما فيها القضاء والقضاء الشرعي، والسلك الدبلوماسي، والقوات المسلحة، وجهاز الشرطة. وقد كان عملها من قبل محصورا في التعليم والتمريض فقط. وعلى اثر ذلك، أخذت المرأة السودانية، تشترك في الأحزاب السياسية والنشاط العام، وفي المؤتمرات داخل البلاد وخارجها.
· الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والمساواة في العلاوات والمكافآت، والبدلات، وفي حق المعاش،وفي الترقي والتدريب والتأهيل.
· عطلة الولادة مدفوعة الأجر للأم العاملة، أسبوعان قبل الولادة وأربعة أسابيع بعدها، مع ساعات للرضاعة.
تم إلغاء قانون المشاهرة، الذي يفرض على المرأة العاملة، تقديم استقالتها بعد الزواج، لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهراً بشهر. مما يعرضها للفصل في أي وقت، ويحرمها من فوائد ما بعد الخدمة.
إنجازات الاتحاد النسائي في مجال قوانين الأسرة
لقد تقدم الاتحاد النسائي بمذكرة لقاضي القضاة الشرعي، يطلب فيها إجراء بعض التعديلات في قانون الأسرة. ودعمها ببراهين من مبادئ الإسلام، فلم يتردد قاضي القضاة في الاستجابة، وهي:
· منح الفتاة حق الاستشارة عند الزواج – وأي زواج يعقد بدون رضاها، يمكن فسخه بواسطة المحكمة الشرعية.
· منع زواج البنت قبل سن البلوغ.
· إلغاء قانون بيت الطاعة، الذي يجبر الزوجة على الرجوع لزوجها بواسطة الشرطي في حالة تراجع الزوج عن الطلاق، وبغض النظر عن رغبتها حتى و لو كانت متضررة. ولكنهم أضافوا جملة (على أن ترد له المهر).
· منحت الأم حق حضانة الابنة حتى الزواج، والابن حتى سن البلوغ. وقد كان من قبل، الابنة حتى التاسعة، والابن حتى السابعة، ثم ينتزعهم الأب.
· إلزام الأب بإعاشة أطفاله بعد الطلاق، ولم يكن من قبل ملزماً بذلك، ولكنهم أضافوا جملة: (في حدود نصف دخله). وبهذا لم يضعوا أي اعتبار لعددهم واحتياجاتهم.
لكل تلك الإنجازات، منحت الأمم المتحدة الاتحاد النسائي جائزة حقوق الإنسان في عام 1993. وهكذا أصبح أول تنظيم نسائي في كل العالم ينال تلك الجائزة، والوحيد حتى الآن.
الاتحاد النسائي ومقاومة الأنظمة العسكرية
بعد انقلاب إبراهيم عبود العسكري، لم تعطل الحكومة العسكرية مجلة صوت المرأة لان ترخيصها ليس باسم الاتحاد، ولكنها منعت الاتحاد النسائي. فانبرت مجلة صوت المرأة لتوعية جماهير النساء وتعبئتهن لمقاومة النظام العسكري. فخصصت صفحتين في الوسط للكاريكاتير الساخر، وهي أول صحيفة سودانية تستعمل الكاريكاتير للمقاومة السياسية. وحتى بالنسبة للنساء الأميات كان فهم الغرض منه سهلاً. وهذا أدى إلى زيادة نسبة توزيعها لدرجة عالية وفي نفس الوقت عرضها للمحاسبة والتعطيل، ولكن برغم ذلك، فإن حكومة عبود العسكرية لم تعتقل النساء.
هذا وقد حدث انقلاب جعفر النميري مباشرة في شهر مايو 1969 بعد إجازة حقوق المرأة التي قدمتها للبرلمان في عام 1968. ولهذا قابل وفد من الاتحاد النسائي الرئيس العسكري نميري، وطلب منه تحقيق تلك المطالب، فوعد خيراً، وطلب من الاتحاد في المقابلة أن يتعاون معه. ولهذا عندما قرر السفر للاتحاد السوفيتي، أقترح علي أن أكون ضمن وفده المرافق له. ولكني اعتذرت بحجة أن مبادئ الاتحاد النسائي، هي أن يحافظ على استقلاله من السلطة ومن الأحزاب كلها بدون استثناء. وفي مرة أخرى عرض علي، منصب وزيرة المرأة والشئون الاجتماعية، فاعتذرت أيضاً عن قبول المنصب واقترحت عليه أن يمنح جماهير النساء حق اختيار وزيرتهن، فثار ثورة شديدة.
وفي أسبوع المرأة، الذي درج الاتحاد النسائي على إقامته سنوياً ابتداءً من 31 يناير (تاريخ تأسيسه) فاجأنا الرئيس في كلمته عندما صرح أنه لن يمنح المرأة تلك الحقوق لأنها مستورده. هذا بالرغم من أنه التزم من قبل بتحقيقها، فما كان مني كرئيسة الاتحاد، إلا أن عقبت علي ذلك في كلمتي، بتذكيره بوعده. وأكدت له أن حقوق المرأة ليست مستورده، وإنما المستوردة ملابسه، فانسحب الرئيس من الاحتفال وانسحب معه الوزراء وحاشيته.
وزاد الطين بله. صادر نميري مبلغ العشرة آلاف دولار التي تبرعت بها منظمة اليونسكو للاتحاد النسائي لدعم نشاطه في القرى لمحو الأمية بين النساء والتوعية ضد العادات الضارة، وبما فيها الخفاض الفرعوني وتدريب النساء على الإسعافات الأولية، ولهذا عطل نميري الاتحاد النسائي، بعد أن انقسمت عنه بعض عضوات القيادة وكوّنّ تنظيماً بديلاً، إتحاد نساء السودان التابع للاتحاد الاشتراكي، حزب الحكومة العسكرية.
بالرغم من الملاحقات والمضايقات للاتحاد النسائي من قبل الحكومات العسكرية والتهديد بالسجن واصلتُ العمل سرياً حتى بعد ما أصابني على النطاق الشخصي عندما قام الطاغية نميري بإعدام زوجي القائد النقابي الشهير الشفيع احمد الشيخ سنة 1971 وتم وضعي في الإقامة القسرية لمدة عامين ونصف، عدا حالات الاعتقال المتكررة من قبل أجهزة الأمن.
نشاطي بلندن:
هذا كان بإيجاز تجربتي مع الاتحاد النسائي في السودان. وفي المنفى ما زلت أعمل في نفس المجال في الكفاح عن حقوق المرأة والإنسان في السودان بما فيه تأسيس “اللجنة السودانية للتصدي لانتهاكات حقوق النساء والشباب والطلاب” حينما بلغنا نبأ جلد طالبات كلية الأحفاد، لأنهن غير محجبات، ونبأ اختطاف الشباب والطلاب من الجامعات والشوارع، وإرسالهم إلى مناطق الحرب. كونا فرعاً للاتحاد النسائي بلندن. وزرت جنوب السودان بدعوة من الحركة الشعبية لتحرير السودان.
ومن نشاطاتي الاجتماعية تأسيس مركز لتأهيل وتدريب القيادات الشابة لتدريبهم على الكتابة وتعريفهم خلال المحاضرات والمعارض بالثقافة السودانية وتشجيع المثقفين السودانيين الذين أجبروا على مغادرة وطن وتشتتوا في كل أنحاء العالم على العودة للوطن، متى تهيأت الفرص المؤمنة، ومن ضمن البرنامج إصدار نشرة دورية.
رجوعي إلى السودان
رجوعي إلى السودان كان مناسبة تاريخية بالنسبة لي بعد قضاء ثلاثة عشر عاماً مرغمة بلندن خارج وطني. سافرت برفقة زميلتي، السيدة زهراء الباهي، رئيسة فرع الاتحاد النسائي بمدينة بورتسودان، والتي هي نفسها قد غادرت مع أطفالها السودان بسبب ما تعرضت له من سجون، هي وزوجها.
تم ترشيحي مع أثنين من الرفاق من قبل سكرتارية الحزب الشيوعي لتمثيل الحزب في المجلس الوطني وذلك بعد أن تم الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، وتقاسما السلطة، وفتح الباب أمام القوى السياسية، للاشتراك في المجلس الوطني. وفي البداية لم أكن مقتنعة بالاشتراك بالمجلس الوطني، ولكن عندما دخلت، أحسست بالفائدة الكبيرة من دخولنا إذ لنا الفرصة على التعرف على سياسة الدولة وقراراتها من الداخل والاشتراك في تعديلها أو على الأقل كشفها وإشراك جماهير الشعب في العمل على نقدها وتعديلها.
بعد وصولي السودان وجدت زميلاتي بدأن تجميع فروع الاتحاد بالعاصمة. وبالطبع لم تكن المهمة سهلة، بعد تعطيله خلال كل تلك المدة الطويلة، منذ استلام الجبهة الإسلامية السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في عام 1989 لكني أعلنت بأنني سأتخلى عن أي منصب قيادي، وأترك المجال لتلك العناصر الشابة الناجحة.
إنها صرخة داوية … أطلقها: يا نساء العالم وحدن جهودكن، كفانا ظلماً واضطهاداً وآلاماً! لنوحد جهودنا لنحصل على حقوقنا وحقوق أطفالنا! لنصبح قوة مؤثرة ضاغطة، ونفرض وجودنا في كل الميادين وعلى كل المستويات! فلنتوحد لنتمكن من بناء مجتمع محلي وإقليمي وعالمي تسوده الديمقراطية والسلام والاستقرار وتتوفر فيه حقوق الإنسان والعدالة لاجتماعية ولنقضي على كل أنواع الاضطهاد العنصري والطبقي والجنسي والديني والفكري والسياسي!
ليس هناك قيادي ورئيس يصنع التاريخ وحده واليد الواحدة لا تصفق مهما بلغت من القوة.
والنصر المؤزر للاتحاد النسائي ولشعبنا العظيم ولجماهير الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.