صحيفة ألمانية تحاور الاديبة الفلسطينية سحر خليفة
صراعنا مع إسرائيل صراع بين المحتل وضحاياه وليس غير ذلك
بقلم حكم عبد الهادي
عقدت في نهاية شهر فبراير المنصرم في برلين ,كولونيا وغيرها من المدن الالمانية ندوات لنصرة الشعب الفلسطيني وحقه في الاستقلال. وكان شارك فيها الروائية سحر خليفة والقصصي يحيى يخلف ومجموعة من الصحفيين والمربين, المختصة بشؤون التربية فيولا راهب من بيت لحم, ابراهيم مالك ( رئيس تحرير فصل المقال) من الناصرة وفادية فضة مخيمات لبنان المنسية، كما عرضت مجموعة من الافلام عن محمود درويش للمخرجة سيمون بيتون, التي أخرجت أيضا الفيلم الوثائقي عن عزمي بشارة (المواطن بشارة- عضو برلمان عربي في اسرائيل) الذي حظي أيضا باعجاب الجمهور. وكان من أروع ما عرض افلام الجيل الشاب من المخرجات والمخرجين الفلسطينين : عزة الحسن (رام الله), كمال الجعفري (الرملة) وأشيل عبود (حيفا), لان هؤلاء يمثلون نفسا شابا وروحا جديدة.
وعلى سبيل المثال أخرج الحيفاوي “أشيل” (23 عاما) فيلما عنوانه “هوية مؤقتة” عن فرقة موسيقية (حيفا) اسمها “اسم مؤقت”, وكان السؤال الرئيس في هذا الفيلم : من أنا؟ هل أنا فلسطيني,أم اسرائيلي, أم مسيحي
أم…؟ وجاء الجواب واضحا على لسان المحامي الشاب، رئيس الفرقة جلال أيوب: أنا عربي-فلسطيني
واطالب بكافة حقوقي في دولة عنصرية. الملفت أيضا في هذا الفيلم الوثائقي القصير(16 دقيقة) هو صدقية المخرج الشاب المسيحي الذي كان يبحث حقا عن هويته التي وجدها أثناء إخراجه لفيلمه. قال أشيل للجمهور: “كنت أشعر أن الاسرائيليين يعاملونني بشكل أفضل حين أقول لهم إنني مسيحي, وكنت في السابق أفعل ذلك, فهم يتخيلون فعلا أن المسيحي أرقى من المسلم. ولكنني عربي وفلسطيني, وعلينا أن نخيب محاولاتهم الرامية الى تجزأتنا وتحويلنا من شعب واحد الى مسلمين ومسيحيين ودروز. ولا يكتفي هذا الشاب المنعش بذلك – إذا اردت أن تنتعش أكثر انظر الى صفحته في الانترنت ( http| |:achille.nalisa.net ) – فهو لا يوجه اصبع الاتهام لاسرائيل فقط, بل للمجتمع العربي هناك, لأنه لا يتفاعل مع الحداثة ويتمسك الى حد كبيرا بالتقاليد البالية الخ.
وعلى صعيد آخر تألقت في هذا اللقاء الأديبة النابلسية سحر خليفة (61 عاما) لأنها لا تقل شبابا وحيوية عن أشيل ومثلت الأدب والمرأة على أحسن وجه. ويجدر الإشارة إلى أن معظم رواياتها ترجمت إلى الألمانية. وبمناسبة زيارتها لألمانيا أجرت معها صحيفة دي تسايت Die Zeit (28.فبراير) , أهم وأرقى صحيفة أسبوعية في ألمانيا, المقابلة التالية, التي تستحق الترجمه إلى العربية, لأننا نساء ورجالا يجب أن نسمع لما تقوله هذه السيدة للألمان ولنا:
س: تصفين في روايتك “الميراث” الوضع في المناطق المحتلة بعد اتفاقيات اسلو , وتبدو حالة الفلسطينيين صعبة وخالية من الأمل والآفاق. هل تعتقدين أن الانتفاضة الجديدة جاءت كنتيجة منطقية لاتفاقيات أوسلو؟
ج: ظن بعض الناس أن هذه الاتفاقيات ستحل كل المشاكل, ولكن هذا كان خداعا. أردت في كتابي أن أوضح , كيف حاولت هذه الاتفاقيات التعتيم على مستوى مجتمعنا, الأفراد والصراع مع المستوطنين والإسرائيليين بصورة عامة. وكان الطرف الآخر يدعي أنه سيمنحنا الحكم الذاتي ولكنه قام بنصب الحواجز في جميع أنحاء المنطقة. كتابي يتناول هذا الوضع المتوتر. وكان من البديهي أن يأتي هذا الانفجار, لأن اتفاقيات أوسلو لم ترتكز على أسس جدية تعكس الواقع ولأن صياغتها لم تكن واضحة.
س: قال الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز أثناء زيارته الأخيرة لمدينة توبنجن الجامعية إن الشعبين , الفلسطيني والإسرائيلي, أصبحا لأول مرة في التاريخ أنضج من قياديي البلدين وإن الشعبين يريدان السلام. وكان زميله الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل قد ادعى في مقابلة أجرتها معه هذه الصحيفة أن العكس تماما هو الصحيح. كيف تنظرين كأديبة فلسطينية إلى هذا الأمر؟
ج: هذا صحيح فيما يتعلق بالإسرائيليين , فعندهم بدأت الحياة تدب في حركة السلام. الإسرائيليون سبقوا حكومتهم حقا, الأمر الذي ينطبق أيضا على الفلسطينيين , ولكن بطريقة مختلفة تماما. الفلسطينيون يتصدون أخيرا للاحتلال, في الوقت الذي تطالب فيه قيادتهم , تحت ضغوط غربية مكشوفة, بالعزوف عن ما تسميه بالعنف. وإذا حدث ذلك , فإننا سنتراجع إلى الخلف. لا توجد لدينا ضمانة بإنهاء الاحتلال من خلال مفاوضات تستغرق سنوات, ولنقل أجيالا. المفاوضات في هذه الحالة ستقتصر على الجلوس والاكتفاء بالكلام والكلام والكلام دون أن يتم التوصل إلى أي شيء. ما من شك أن ذلك سيكون من ضروب الغباء. حاولنا السير في هذا الطريق المسدود ولم نتوصل إلى أية نتيجة. وأخيرا قررنا أن نقاوم وبهذا نكون قد سبقنا القيادة. بإمكانكم أن تسألوا أي فلسطيني ما إذا ينبغي وقف الانتفاضة وسيجيبكم بالرفض إلا إذا أدى ذلك إلى إنهاء الاحتلال. وفي الوقت نفسه يقول بعض القادة الفلسطينيين: اتركونا نعود إلى طاولة المفاوضات, بيد أن هذا الموقف يتناقض مع العقلانية, فقد جربنا المفاوضات كما رأينا جميعا.
ٍس: العنف كمخرج وحيد؟
ج: هل نتحدث هنا عن العنف؟ لماذا لا نتكلم عن النضال من أجل التحرير؟ تخيل أنك في الوضع نفسه _ ماذا كنت ستفعل؟ هل ستقبع عدة أجيال وتتفاوض. هذا بالضبط ما يصبوا إليه الإسرائيليون, لأنه يشكل جزءا من خطتهم. هل تعلم ماذا قال شارون ( المقصود هنا شامير _ المترجم) في مؤتمر مدريد: “سأتفاوض عشرة أعوام مع الفلسطينيين دون الوصول إلى أي نتيجة”. وفي هذه الأثناء سيواصل الإسرائيليون بناء المستوطنات. هل يعتقدون أننا أغبياء؟ على كل مواطن يعيش تحت الاحتلال أن يقاوم! وعلينا نحن النساء أن نقاوم. الإنسان لا يحصل على حريته إلا من خلال الكفاح, سيان إذا كان الأمر يتعلق بالاحتلال أو باستغلال الرجل للمرأة. إنهم لا يعطون أحدا أي شئ بمحض إرادتهم, فعلينا أن ننتزع حقنا بأيدينا.
ٍس: كيف يسير النضال في فلسطين من أجل تحرير المرأة؟
ج: هناك أصعده مختلفة. المتعلمات يشاركن في حملات التوعية. في البداية كان لا بد أولا من التنسيق والتكاثف لكي نساهم في تأهيل النساء غير المتعلمات لنوصل لهم في النهاية أفكارنا. وهذا ما نقوم به في المركز النسائي في نابلس. عندما بدأت عملي قبل عشرين عاما إتهموني بعداء الرجل وبأنني امرأة متعصبة لأنثويتي تسعى إلى “تلبيس” مشاكلها العاطفية والجنسية للرجال, تلك المخلوقات الملائكية (تضحك). أما الآن فقد أصبح آلاف النساء يفكرن مثلي, وذلك ليس في فلسطين فحسب, بل في العالم العربي كله أيضا.
س: بالإضافة إلى هذا التطور الإيجابي الذي وصفتيه, توجد أيضا حركة أصولية متعاظمة. هل تستطيعين توضيح هذا الاتجاه المعاكس؟
ج: طبعا أخشى هذا التطور (نحو الأصولية) , ولكن إذا نظرنا إلى حالتنا وإلى الحل, الذي تريد السلطة الفلسطينية أن تفتح شهيتنا عليه, فإننا سنصطدم بكارثة, وعليه فإنك لا يجب أن تستغرب ضياع المقاييس وأن الكثيرين لا يعرفون في أي مجموعة سينخرطون. فبينما كنا نرى أن الإسلاميين يقاومون الاحتلال ويوجهون ضربات موجعة له, وقفت السلطة تتفرج على الإسرائيليين وعلى تصرفاتهم المذلة. إنني أنتمي إلى الحركة النسائية, ومن هنا فليس هناك ما أجمع عليه مع الأصوليين سوى الاختلاف في الرأي. وفي الوقت نفسه أنا في صراع مع إسرائيل, وإذا سقط أصولي في ساحة المقاومة, فانني لا أستطيع سوى التعاطف معه, لأنه اختار الموت من أجل تحريرنا من الاحتلال. بيد أنني أشعر في اللحظة ذاتها بالخوف, لأنه لو قام هؤلاء بعمليات مقاومة كثيرة, فإن نفوذهم سيتعاظم وسيسطرون في النهاية على المجتمع , وسنتحول عندها إلى مجتمع إسلامي لا نريده. نحن نسعى إلى التوصل الى المجتمع المدني, إلا أنني لا أستطيع أن احجب تعاطفي معهم حين يتصدون لجنود الاحتلال.
س: احتد النقاش منذ 11.سبتمبر حول العمليات الانتحارية. كيف تقيمين ذلك؟
ج: في جميع أنحاء العالم هناك إجماع على شرعية النضال ضد الاحتلال. غني عن الذكر أنني أرفض الاعتداء على المدنيين, بينما أرى أن النضال ضد الجنود مشروع. من يدعي أن النضال المسلح إرهاب –كما يقول الأمريكيون – يتعامل بغباء مع هذه المسألة. سنواصل المقاومة ضد الاحتلال. وشعبنا الفلسطيني يتمتع منذ فترة ليست وجيزة بوعي يرفض العمليات ضد المدنيين. لقد فكرنا مليا في هذا الأمر, وتوصلنا بعد مناقشات طويلة إلى الاقتناع بأنه من الخطأ القيام بمثل هذه العمليات, وهكذا رأينا أن معظم العمليات التي نفذت في الأشهر الأخيرة توجهت إلى العسكريين والمستوطنين.
س: في كتابك تتعرضين لشخصية “نهلة” التي تعمل في الكويت لتمول دراسة أخوتها, فنحن نقرأ كيف تضحي بحياتها الخاصة من أجل عائلتها. ولكن عندما عادت “نهلة” بعيد اجتياح العراق للكويت إلى بلادها وأحبت رجلا, تعرضت لاحتقار أخوتها. إنك لا تعرضين عندئذ صورة إيجابية للمجتمع الفلسطيني!
ج: في العالم العربي توجد ستمئة ألف “نهلة” وعائلاتهن تستغلهن ولم يتعرض الأدب العربي أبدا لهذه الناحية. هناك أشياء تعتبر من المحرمات في العالم العربي, ومن بينها قضية استغلال العائلة للنساء. نحن نفضل أن نتذكر كيف كان الاستعمار يستغلنا. بيد أننا نستغل أنفسنا بأنفسنا ونضعف من خلال ذلك. إننا لا نريد أن نتحدث عن حقوق الإنسان الفلسطيني إزاء الغرب وإسرائيل فحسب, بل علينا أن نناقش هذه المسألة في مجتمعنا أيضا. هناك من يقول , إذا اتجه النقد إلى عقر دارنا, فإن الغرب سيسخر منا, ولكن هذا كلام فارغ, لان النقد الذاتي يصب في منبع القوة. من المستحيل أن تتم عملية التغيير دون التوعية القاسية, ولا يجب أن يقلقنا ما يفكر به الآخرون, لأننا نحن المعنيون, وطالما نحن نكنس القاذورات تحت السجادة, فإننا لا نتقدم أبدا.
س: أنت تعلمين أن العديد من النساء يخدمن في الجيش الإسرائيلي. هل يوجد أي دور للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة؟
ج: دور المرأة في هذه الانتفاضة ضئيل, إذا ما قارناه بنشاطاتها في الانتفاضة التي تفجرت في نهاية الثمانينات, وذلك لأن العنف والسلاح يلعبان دورا حاسما في الانتفاضة الحالية. النساء لا يصلحن لهذا النوع من الصراع, بينما كانت الانتفاضة الأولى تعتمد على العصيان المدني والحجارة.
س: هل يسمع صوت المرأة بصورة عامة في هذه الانتفاضة
ج: هذا سؤال جيد. أين نسمع صوت المرأة عندنا بشكل عام؟ في السلطة؟ في الأحزاب؟ لا يوجد لها أي صوت حقيقي في أي مكان.
س: هل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين صراع بين الغرب والشرق؟
ج: أنه صراع بين المحتل وضحاياه وليس غير ذلك.